العمارة ومحلاتها القديمة في الجيل الماضي

Sunday 27th of October 2019 07:19:59 PM ,

ذاكرة عراقية ,

حميد حسون العكيلي
تقع مدينة العمارة على الضفةِ اليسرى لنهرِ دجلة يحدها من الشمال قضاء علي الغربي ومن الجنوب قضاء قلعة صالح، ومن الشرق إيران، أما من الغرب فيحدها لواء المنتفق. يبلغ امتداد المدينة حوالي كيلو متر واحد على شاطئِ نهر دجلة، وفيها مرفأ كبير صالح لرسوِ السفن التجارية، تنتشر فيها بساتين النخيل وأشجار الفواكه المختلفة، تتوسطها قرية الدفاس، كما أُنشئت فيها عدد من المباني الحديثة المدنية والعسكرية للإدارةِ والمحاكمِ والبلديةِ والصحةِ والتعليم.

تعد محلة القادرية التي انشأها القائد العثماني عبد القادر الكولمندي، الذي حَكم العمارة في المدةِ 1861-1866، أقدم محلة سكنية في العمارةِ. حصل مع مرورِ السنين توسع عمراني في مدينةِ العمارة،لاسيَّما بعد نزوح العديد من العوائل والعشائر القريبة اليها والاستقرار فيها، لاسيما في منطقةِ المسجد الكبير والمنطقة المحيطة بسجنِ العمارة المركزي والذي يقع في الطرفِ الجنوبي للمدينةِ حيث حوّلَ فيما بعد إلى مديريةِ تربيةِ العمارة. أما المحلة المهمة الأخرى في مدينة العمارة فهي محلة السراي سميت هكذا لقربها من سراي الحكومة العثمانية، إذ بنيت حوله المساكن والحوانيت والمحلات، حتى أصبحت محلة كبيرة تسمى السراي ، ضَمت هذه المحلة أهم المباني الحكومية ، كقصر المتصرف، والمستشفى الملكي، والبناية القديمة لمحطةِ الكهرباء، والمركز العام للشرطةِ، وتوسعت بالتدريجِ، وأصبح بجوارها دكاكين وأسواق، حتى غدت لها معالم معروفة، باقية حتى اليوم، ومن أشهرها البنك البريطاني (البنك الشرقي المحدود) تسكُن هذه المحلة، التي أصبح شارع بغداد الممتد من جسرِ الكحلاء شرقاً، وحتى الضفة الغربية لنهرِ دجلة غرباً حدودها الجنوبية، أقدم العوائل الميسورة ، لاسيما ذات الإصول البغدادية والنجفية ، وبعض العوائل اليهودية والمسيحية وغيرها من العوائل ذوات الأصول المتنوعة، ولا زالت تحمل نفس الاسم حتى الآن.
أما محلة السرية، التي أخذت اسمها من سري باشا متصرف لواء العمارة 1871-1874، فكانت إحدى المحلات المهمة في العمارةِ، تقع في النصفِ الشرقي من رأسِ شبه جزيرة العمارة، والتي يمتد عمرانها حتى ضفاف نهر الكحلاء شرقاً وإلى شارعِ بغداد جنوباً، كان أغلب ساكنيها من التجارِ والفلاحين وبعض المهاجرين من الريفِ.
أما محلة الماجدية، فإنها تقع على الضفةِ الشرقية من نهرِ الكحلاء، وإلى الشمالِ من نهرِ المشرح، تنتهي حدود هذه المحلة من جهةِ الشرق ببساتينِ ومزارع واسعة، التي تزود مدينة العمارة ببعضِ حاجاتها من الفواكهِ والخضروات، يعود تأسيس هذه المحلة إلى ماجد مصطفى، متصرف لواء العمارة 1938-1941، فضلاً عن ذلك كانت هناك محلة المحمودية، وهي من المحلات القديمة في مدينةِ العمارة، وأخذت اسمُها هذا نسبةً إلى محمودِ الإبراهيم، التاجر الكبير في المدينةِ، سكنها عدد من العوائل الكردية، غير ان وجود ورشة لصناعةِ الصابون فيها، جعل اسم محلة الصابونجية يغلب عليها. وتعد محلة التوراة من المحلاتِ التي واكبت إنشاء مدينة العمارة، واتخذ اسمها كون أغلب ساكنيها من اليهود، وفيها كنيس يهودي. ولا نبالغ إذا سجلنا هنا، إن نسبة اليهود لمجموعِ سكان اللواء كبيرة نسبياً، لدرجةِ إنها تأتي بعد نسبة اليهود في بغدادِ، وأغلب بيوتات محلة التوراة , التي ضمت الكثير من العوائل المسيحية,من البيوتات التي تمتهن التجارة والصيرفة وبعض الحرف , ومن أبرزها هي أسرة بيت كوهين ورئيسها نسيم كوهين . بالمقابلِ كانت العوائل المسيحية هي الأخرى تمتهن التجارة ، ووكالة بعض الشركات الملاحية، فقد كانت عائلة جان وكلاء لشركةِ لنج للملاحةِ النهرية.
مما يجدر ذكره هنا، إن مركز لواء العمارة لم يضمُ وحدات إدارية فرعية حتى تموز عام 1945، الذي استَحدث فيه مجلس الوزراء قضاء مركز لواء العمارة،الذي الُحقت به أربع نواحٍ هي , الكحلاء التي تقع في الجنوبِ الغربي من مدينة العمارة, وهي في الأساس قرية، أسسها الشيخ فيصل بن خليفة أحد شيوخ البومحمد في العامِ 1848 وكان اسمها عند التأسيس مسيعيدةوهواسم أطلقه الشيخ فيصل الخليفة من البومحمد على وصيفته(خادمة البيت) مسعدة أي السعيدة شغفاً وحباً بها، الكحلاء المكان الكثير النبات ، تقع هذه الناحية التي استُحدثت في العامِ 1881، وبقيت تابعة لمركزِ لواء العمارة حتى عام 1945 يحدها من الشمال مدينة العمارة، ومن الشرق هور الحويزة، ومن الجنوب والجنوب الغربي قلعة صالح، وتبعد الكحلاء، التي يبلغ عدد سكانها حسب إحصاء العام 1947 حوالي 48,326 ألف نسمة عن مركزِ لواء العمارة حوالي 30كم.
أما الناحية الثانية التي أُلحقت بقضاءِ مركز لواء العمارة، فكانت ناحية كميت، وهي قرية كبيرة تقع على ضفةِ نهر دجلة اليمنى، أخذت اسمها من الشاعر العربي الكميت بن زيد الاسدي، الذي يقع قبره بالقربِ منها، أسسها الشيخ حطاب ابن حسين، أحد شيوخ البودراج في العامِ 1878، تبعد هذه الناحية التي تسكنها قبيلة البودراج، عن مركزِ مدينة العمارة حوالي 45كم، أدى وجود محطة لتزويدِ السفن بالوقودِ وخدمة المسافرين، إلى تطورها ونموها بسرعة، مما ساهم في جعلها ناحية منذ العام 1904، وكانت في البدايةِ تابعة لقضاءِ علي الغربي واستمرت تلك التبعية حتى عام 1945، عندما اُلحقت بقضاءِ مركز لواء العمارة ، لأنه الأقرب من قضاءِ علي الغربي، مما سهل على أبنائها مراجعة القضاء الجديد. بلغ عدد نفوس الناحية 19,203 حسب إحصاء عام 1947.
كما أُلحق بقضاءِ مركز لواء العمارة ناحية المجر الصغير، التي تقع على الضفةِ اليسرى من نهرِ المجر الصغير و التي أخذت اسمها منه.أسس هذه القرية الشيخ سلمان المنشد، أحد شيوخ آل أزيرج عام 1878. كانت في البداية تابعة لناحية المجر الكبير التابع لقضاء قلعة صالح . أصبحت المجر الصغير التي كان مركزها قرية أم عين، ناحية مستقلة في سنة 1881 وتابعة لمركزِ لواء العمارة. ثم تغَيّر اسمُها إلى ناحيةِ الميمونة التي تبعد عن مركزِ لواء العمارة 23كم عام 1955، ونقل مركزها إلى قريةِ الميمونة الواقعة جنوب غرب مدينة العمارة، التي كانت أكثر سكاناً وأقل تعرضاً للفيضاناتِ بسبب ارتفاع مستوى موقعها، فضلاً عن أن قرية الميمونة تقع في وسط الناحية تقريباً. بلغ عدد سكان ناحية المجر الصغير حسب إحصاء السكان للعام 1947 حوالي 53,531 ألف نسمة.
كما ضَمت ناحية المشرح، التي تقع إلى الشرقِ من مدينة العمارة بـ23كم، إلى قضاءِ مركز لواء العمارة. كانت ناحية المشرح تسمى اثناء العهد العثماني بـ(دويريج) وأحيانا سوق عكيل لوجودِ عشيرة عكيل فيها، غير انها سُميت في العامِ 1920بالحلفايةِ بسبب كُثرت نبات الحلفا فيها، وبعد أربع سنوات تم تغيير اسمها إلى المشرحِ، وقد أتت هذه التسمية بسبب انشراح نهر المشرح، المتفرع من نهرِ الكحلاء.

عن رسالة (علاقة الإقطاعي بالفلاح
في العراق 1932- 1958 )