إطلبوا العلم ولو فـي سنغافوره

Tuesday 3rd of December 2019 06:55:54 PM ,

منارات ,

علي حسين
اعتذر لكم، عن العودة إلى مسألة تجارب الامم، وما تفرضه هذه التجارب من المقارنات، وما تمنحه لأصحابها من أحقية في الشهادة على التاريخ،وكلما حدث حادث ذو طبيعة تاريخية، يعود الكاتب الى قراءاته او مشاهداته..

لماذا العودة الى سنغافوره، وفي ذاكرتنا تتكدس تجارب قاسية مر بها بلد مثل العراق؟ لماذا العودة الى دروس التاريخ، والحاضر أمامنا يراوح مكانه والمستقبل مجهول الملامح؟.منذ خمسينيات القرن الماضي ومع مجيء ملهمي الامة العربية الذين احتلوا اوطانهم عبر انقلابات عسكرية مرت على العالم انظمة حكم عديدة، انديرا غاندي،نيكسون،تيتو، خروشوف، ديغول، بومبيدو، ماوتسي تونغ، بريجينيف، اولف بالمه،، وسيطول المجال لذكر اسماء كثيرة وكثيرة، انهارت نظريات وبرزت نظريات جديدة باستثناء الانظمة العربية التي ظلت ترفع شعار " حرب حتى التحرير " فيما شعوبها; تزداد فقرا يوماً بعد يوم.سالني صديق هل يعقل ان تطلب دولة بحجم الصين المساعدة من جزيرة اسمها " سنغافوره "؟!. واحيل الصديق الى مذكرات باني سنغافوره الحديثة " لي كوان يو" والتي اصدرتها دار العبيكان بترجمة مترجم مخضرم " هشام الدجاني "بعنوان " قصة سنغافوره "يروي "لي كوان يو" في كتابه كيف بدأت مسيرة سنغافوره، بلد; كان على هامش التاريخ ولم يكن فيه سوى المستنقعات والفقر واقتصاده يعتمد على ايجار قاعدة عسكرية للبريطانيين. كان; لي كوان في مقتبل حياته يحلم ببناء وطن للناس وليس له، وحين أتت الفرصة بنى المصانع وأمر الناس بالعمل لا بالتذمر. وأغلق السجون وفتح المدارس. وطبّق حكم القانون، فأقام في آسيا نموذجاً مناقضاً لجمهوريات الاستبداد والخوف يقول لي كوان: "لقد أدركت الحكمة الصينية التي تقول: سنة واحدة ضرورية لكي تنمو بذرة قمح، وعشرٌ ضرورية لكي تنمو شجرة، ومائة ضرورية لكي ينمو إنسان. وعملنا على إنتاج مجتمع آمن ومستقر، وركزنا على الثقافة والفنون، فتمكنَّا من تكوين أشخاص قادرين على اختيار مواقعهم ووظائفهم، ومؤمنين بأن الحياة تستحق العناء من أجلهم وأجل أبنائهم".ويروي أنه بعد تسلمه للسلطة، عام 1965م، قرر أن يبني بيوتاً ينتقل إليها ذوو الدخل المحدود، لكن هؤلاء رفضوا التخلي عن نهج حياتهم، فكان أن نقل بعضهم الدجاج والأغنام إلى الشقق في الطوابق العليا، التي حوّلوها إلى أكواخ عالية.. وظل سكان الدور الأرضية يتابعون;تجارتهم; السابقة، فحولوا المنازل; إلى محلات لبيع الاطعمة والسجائروالخردوات. يقول; "إن الغريزة البشرية تدفع الإنسان إلى حب التملك. وبعدما أصبح للناس بيوت صاروا يحرصون عليها. وقد لاحظ بنفسه أنه عندما كانت تجري تظاهرات ضد الاستعمار البريطاني في الخمسينيات، كان المتظاهرون يلجأون إلى الحجارة والحرائق. لكن هذا الأمر تغير في الستينيات. وكان المتظاهرون يحمون بيوتهم; وبنايات الحكومة وكل ما يملكون بعيدا عن أعمال الشغب ". حكايات لي كوان كثيرة لكن ابلغها كانت عن الزعيم الصيني; دينغ شياو الذي جاء في زيارة لهذه الجزيرة الصغيرة ليكتشف بنفسه سر تطورها وبعد أسبوعين قال لمرافقه السنغافوري "لم تكن معي صريحا. لا بد انك تخفي سرا، كل ما في الصين أرخص سعرا من هنا. الأرض والطاقة والماء واليد العاملة. فلماذا تنجحون انتم ونفشل نحن؟ ما هي الوصفة السحرية التي استخدمتموها". ارتبك مرافقه وقال له: وصفتنا السحرية وضعها الرئيس لي كوان وتتلخص في الثقة بالنظام السياسي، حب الحياة، السعي لمعرفة كل شيء، والاهم الايمان بقدرة الانسان على صنع المستحيل، بهذه الوصفة استطاع لي كوان ان يحول سنغافوره من مستنقع فقير الى قوة اقتصادية كبرى، وان يبني واحدة من معجزات القرن العشرين، وان يتفرغ لكتابة تجربته السياسية في هذا الكتاب البالغ المتعة والفائدة والذي اتمنى على سياسيينا قراءتهذا كانت لديهم فسحة من امل بالمستقبل.