عاطف الطيب.. الواقعية الجديدة فى السينما العربية

Tuesday 10th of December 2019 06:39:30 PM ,

منارات ,

محمود دوير
قبل خمس سنوات من قيام ثورة يوليو 1952 كانت أسرة الطيب على موعد مع طفلها الجديد «عاطف « الذى نزح والده من محافظة سوهاج بصعيد مصر الى القاهرة بحثا عن متسع للرزق ومابين 1947 ويونيو 1995 تلك الحياة القصيرة شديدة الغنى والعطاء كان عاطف الطيب حدثا بالغ الاثر فى مسيرة السينما المصرية.

فى صباح يوم 23 حزيران 1995 تلقت مصر خبرا حزينا حيث رحل الطيب اثناء اجراء عملية تغيير صمام فى قلبه الذى حمل أوجاع المصريين وجسدها من خلال 21 فيلما روائيا طويلا وعدة تجارب قليلة فى أفلام قصيرة هى «جريدة الصباح « و» المقايضة «
يمثل عاطف الطيب امتدادا لسينما الواقعية المصرية التى يعد صلاح ابو سيف اهم روادها لكن الطيب الذى تعلم من شادى عبد السلام ويوسف شاهين استطاع ان يخلق مسارا سينمائيا خاصا به ويمتلك ادوات فنية تعبر عنه وعن جيله.
هذا الجيل الذى تشكل وعيه على صوت العندليب وهو يغنى للثورة وللعمال والفلاحين والاستقلال الوطنى وتعلق نظره وعقله على كاريزما عبد الناصر وحضوره الطاغى واحلامه النبيلة فى العدل والتحرر والريادة.
جيل عاطف الطيب الذى تجرع مرارة الهزيمة كما قال على لسان بطله فى « ضد الحكومة « وانكسر مع النكسة هو ذاته الذى امتلك القدرة على النصر والعبور فى اكتوبر وكان الطيب احد هؤلاء الجنود الذين عبروا من الهزيمة بوجعها وقسوتها الى النصر ببهجته وتوهجه.
وامضى فى الخدمة العسكرية خمس سنوات منذ تخرجه فى المعهد العالى للسينما 1970 حتى بعد الحرب بعامين 1975 ليخرج ويجد عالما مغايرا حيث كل شيء يتغير وكل الموازين تختل وكأن مصر تنتظره ليُعبر عن تحولاتها الصادمة وتبدأ خطوات الانفتاح « السداح مداح « وتسود قيم الفهلوة والانتهازية وأحلام المكسب السريع.
لم تعرف السينما المصرية افضل من عاطف الطيب فى رصد تلك التحولات الجذرية والمخيفة التى شهدها الشعب المصرى، والتى كان اكثرها قسوة عليه وعلى جيله ان يشهدوا رموز الانفتاح تحصد مكاسب الدم على جبهات القتال.
فى عام 1984 كانت السينما المصرية على موعد مع موهبة متوهجة بحب الوطن معجونة بآلام البشر واوجاع المقهورين عندما اطلق نور الشريف صرخته فى وجهنا جميعا فى نهاية فيلم «سواق الاتوبيس» قائلا «ياولاد الكلب» وكانه يعبر عن كل الذين سرقت احلامهم ونهب قوتهم. لم يكن سواق الاتوبيس هو العمل الاول للطيب بل كان فيلم «الغيرة القاتلة « عام 1982 هو اول اعماله لكنه تعرض لانتقادات عديدة ولم يكن يبشر بمخرج كبير كما قال النقاد واستطاع الطيب من خلال «سواق الاتوبيس» ان يجبر الجميع سواء النقاد او الجمهور على الانتباه اليه، فنحن امام مخرج مختلف يمتلك رؤية واضحة ورسالة لا تحيد ويجمع فى وجدانه مخزونا هائلا من تفاصيل حياة الناس يستطيع ان يجسدها على الشاشة دونما ادعاء او مبالغة ودونما الانسياق وراء الشكل السينمائى على حساب المضمون والقيمة.
فكان منذ اللحظة الاولى ينمتى الى سينما الناس الغلابة وينحاز لقضاياهم وهمومهم
يمثل عام 1986 رقما مهما فى مسيرة عاطف الطيب حيث قدم رائعته «البرئ» وايضا «الحب على هضبة الهرم» فى تعاون خاص دائما بينه وبين احمد زكى استمر فيما بعد وقدما واحدا من عيون السينما المصرية وهو فيلم الهروب عام 1991 ويمثل الهروب حالة سينمائية تعبر بوعى عن عاطف الطيب نفسه كمخرج وكانسان بدرجة كبيرة وامتلك خلاله وهجا سينمائيا بديعا رغم حفاظه على وضوح الرسالة الى حد المباشرة وظل متمسكا بقدرة ابطاله على الصراخ برفض واقع يدعو للغضب الانفجار بكل ما يحويه من تردى وظلم وقسوة على البسطاء والمهمشين.
كما كان عام 1992 مختلفا ايضا حيث تعرض الطيب لحملة شرسة كما كانت حول فيلم البرئ الا ان هذه المرة كانت حول فيلمه الجرئ «ناجى العلى» الذي يجسد حياة رسام الكارتير الفلسطينى الشهير الذى اغتالته اسرائيل بعد ان ازعجتها رسوماته بقوة كما خرج الى النور هذا الفيلم الذى يواصل خلاله تعاونه الممتد مع «نور الشريف» احد اهم من تعاون معهم الطيب فى نفس العام اعمال «ضد الحكومة « الذى تحول الى ايقونة سينمائية وصرخة كاشفة لاوضاعنا ومواجعنا وشهد فيلم «كشف المستور» 1994 جدلا واسعا ايضا بسبب اقتحامه لعالم معقد وشديد الحساسية سياسيا. وفى عام 1995 يقدم تجربة الفيلم الذى تدور احداثه فى يوم واحد وهو فيلم «ليلة ساخنة « والذى حصل على جائزة مهرجان القاهرة السينمائى الدولة لنفس العام وفى عام 1998 وبعد رحيله بثلاث سنوات خرج الى نور فيلم «جبر الخواطر « وكان من المقرر أن يبدأ العمل فى مشروع فيلم «نزوة» الذى أخرجه فيما بعد زميله على بدرخان. وبعد تلك السنوات من الرحيل المباغت والمبكر لعاطف الطيب عن عمر 47عاما قدم خلالها 21 عملا روائيا طويلا وكانه كان يشعر بعمره القصير ولذلك قدم هذا الكم من الاعمال فى وقت قصير جدا بالمقارنة بابناء جيله.
عاطف الطيب هو جبرتى السينما المصرية فى الثمانينيات والتسعينيات وصاحب الصرخة الأجرأ فى وجه الظلم والقمع والتردى.
 عن: المصري اليوم