الخصخصة ودورها في تحقيق النمو الاقتصادي

Monday 30th of May 2011 05:21:03 PM ,

ملحق الاقتصادي ,

علي نافع حمودي
شهد العالم تغييرات اقتصادية كبيرة في العقود الماضية ، شكلت بعضها نقطة محورية في التحول من نمط اقتصادي إلى آخر، خاصة في التحول من مركزية الدولة في السيطرة على الاقتصاد إلى الخصخصة التي باتت العلامة الفارقة في اقتصاديات الكثير من الدول التي حققت طفرات مهمة في هذا الميدان .

ولقد بدأت موجة الخصخصة تجتاح دول العالم خلال تسعينيات القرن العشرين ، وقد كانت إنكلترا من أوائل الدول التي سبقت إلى ذلك، ثم تبعتها دول متقدمة أخرى مثل فرنسا وإيطاليا وأسبانيا وكندا وغيرها. وانتقلت موجة الخصخصة إلى الدول النامية مثل الأرجنتين والبرازيل وشيلي وبنغلادش وباكستان وتركيا ونيجيريا ومصر وغيرها . كما بدأت الدول الاشتراكية سابقاً في تبني برامج الخصخصة مثل الإتحاد السوفيتي وجمهوريتي التشيك والسلوفاك وبولندا والمجر . ولقد ظهر هذا الاتجاه نتيجة للشروط التي وضعها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أثناء التمهيد لعملية إعادة جدولة ديونها " طبقاً للقواعد المعروفة لنادي باريس ونادي لندن " ، حيث يقوم الفكر لدى هاتين المؤسستين على التحليل التالي : لكي تتجنب هذه الدول مصاعب خدمة ديونها ومشكلات ميزان مدفوعاتها، فإنها تحتاج لإعادة هيكلية اقتصادياتها ؛ حتى تتمكن من رفع كفاءة تشغيل وتخصيص مواردها ، ويلزم ذلك مجموعة من السياسات النقدية والمالية ، مع برنامج للتكيف الهيكلي تأتي الخصخصة من أهم مكوناته . ويرى خبراء البنك الدولي أن سياسة الخصخصة تحتاج إلى وضع برنامج يبدأ بإجراء عملية مسح كامل لمشروعات القطاع العام ومشكلاته ، وتصنيف هذه المشروعات حسب أوضاعها ، ثم تحديد المشروعات المراد خصخصتها ، مع وضع أسس لتقييم أصول الشركات المباعة ، وتحديد جدول زمني يحدد دفعـات البيع ، وإنشاء جهاز خاص يكون مسؤولا ًعن برنامج الخصخصة .
ولا يمانع البنك من تقديمه الدعـم المالي والفني لوضع هذا البرنامـج وتنفيذه ، كمـا يتعين لإنجاح البرنامج أن تقوم حكومة الدولة بخلق مناخ يعمل على إنعاش اقتصاديات السوق ، أبرزها تحرير الأسعار وبصفة خاصة سعر الصرف ، وسعر الفائدة ،تحرير التجارة الخارجية،تغيير القوانين المنظمة لشركات القطاع العام ،وتنمية بورصة الأوراق المالية .
من هنا نجد بأن أهم عنصر في عملية الخصخصة ، هو تغيير أسلوب تشغيل وإدارة المشروعات العامة ، لتتفق مع مبادئ القطاع الخاص ، والتي تتمثل في اتخاذ الربح أو الإنتاجية كأساس لتقييم الأداء ، والاعتماد على الأسعار الاقتصادية في حساب المنافع والتكاليف ، وتبني نظام الحوافز في تشغيل وإدارة الموارد . وعليه يمكن أن يتحقق هذا المعنى للخصخصــة ( على المستوى المحلي ) بإسناد المشروعات العامة إلى وحدات قطاع خاص ، طبقاً لعقود إدارة مع احتفاظ الدولة بملكيتها العامة ، كما يمكن أن يتحقق بتأجير هذه المشروعات العامة لوحدات قطاع خاص ، لتتولى تشغيلها وإدارتها مقابل الأرباح بنسب معينة يتم الاتفاق عليها ، كما يتحقق بمساهمة وحدات القطاع الخاص سواء المحلي أو الأجنبي في رأس مال هذه المشروعات ، مع اشتراكها في الإدارة .
وبالتالي إن الخصخصة لا تقتصر على مجرد تحويل ما بيد القطاع العام إلى حوزة القطاع الخاص ، وإنما تتضمن زيادة الدور الذي يوكل إلى القطاع الخاص المحلي في خطط التنمية على المستويات المحلية من خلال الحوافز التي تقدم له ، بحيث يستحوذ تدريجياً على النصيب الأكبر من الاستثمار والعمالة والناتج على المستوى المحلي .
وتوفر عملية الخصخصة إعادة توزيع الأدوار بين القطاع العام والقطاع الخاص وانسحاب الدولة تدريجيا من بعض النشاطات الاقتصادية وفسح المجال أمام المبادرات الخاصة عن طريق تشجيع الاستثمار الخاص. كما إنها تخفف من الأعباء التي تتحملها ميزانية الدولة نتيجة دعمها المنشآت الاقتصادية الخاسرة ، وتكريس مواردها لدعم قطاعات التعليم والبحث العلمي والصحة ، والاهتمام بالبنية الأساسية والمنشات الاقتصادية ذات الأهمية الاستراتيجية . وأيضا تطوير السوق المالية وتنشيطها وإدخال الحركية على رأس مال الشركات بقصد تطويرها وتنمية قدرتها الإنتاجية ، وخلق مناخ الاستثمار المناسب ، وتشجيع الاستثمار المحلي لاجتذاب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية .
ومن تجارب الدول في هذا الميدان نجد بأن الخصخصة أدت إلى حصول الدولة على رؤوس أموال نتيجة تحويل المشروعات العامة إلى القطاع الخاص . فعلى سبيل المثال زادت إيرادات الأرجنتين بنحو(19) مليار دولار نتيجة عملية الخصخصة . وتم تخفيض ديونها التجارية بنسبة (40%) عندما استخدمت(11) مليار دولار من حصيلة الخصخصة في خفض هذه الديون ، كما خفضت المكسيك ديونها وقامت كذلك بتخصيص جزء من إيرادات الخصخصة ، والتي بلغت (22) مليار دولار ، لتمويل برامج مكافحة الفقر، مما أدى إلى زيادة درجة التأييد العام لبرنامج الخصخصة.
لهذا نجد بأن العراق كبلد شهد تحولا اقتصاديا بحاجة كبيرة جداً لخصخصة الكثير من المرافق الصناعية والمعامل التي من الممكن أن تساهم مساهمة كبيرة في دعم الاقتصادي العراقي في المستقبل القريب وينعكس ذلك على مجمل الحياة في البلد خاصة في امتصاص البطالة .