الاحتجاجات تدخل شهرها الرابع: كيف صمدت؟ ولماذا لا يعود المتظاهرون إلى منازلهم؟

Thursday 23rd of January 2020 07:54:55 PM ,

الحريات اولا ,

 مصطفى حبيب
بعد اكثـر من مئة يوم على انطلاقها صمدت الاحتجاجات العراقية امام تحديات كبيرة، قتل واعتقال واختطاف وحملات تخوين، وحتى صراعات دولية، لكن المتظاهرون الشباب لا يفكرون بالعودة الى منازلهم، لان قوائم موت بانتظارهم، ولانهم يشعرون ان احتجاجهم هو الفرصة الاخيرة لاستعادة وطنهم.

ملامح متعبة ومشاعر متباينة تسيطر على المتظاهرين في ساحة التحرير وسط بغداد وباقي ساحات الاعتصام في باقي المحافظات، ثلاثة اشهر كانت حافلة بالاحداث والتحديات، انتجت تحولا في العملية السياسية القائمة في البلاد منذ العام 2003، وهو ان الشعب اصبح عنصرا فاعلا في العملية، لم يعد اختيار رئيس وزراء من الطبقة السياسية امرا سهلا كما كان الحال في السنوات السابقة.
"رحلة طويلة، متعبة وخطيرة، عشناها في ساحات التظاهرات، قتل منا اكثر من 600 شخص واصيب الآلاف، الاختطاف والتهديدات والاغتيالات تلاحقنا، لكننا ما زلنا صامدين ومصممين لاستعادة بلادنا، وما زلنا نردد الشعار الذي بدأنا به، يموت منا شخص او يموت 100 شخص، سنبقى صامدين"، يقول عبد الكريم المرسومي احد المحتجين في بغداد.
عندما انطلقت التظاهرات مطلع تشرين الاول الماضي، كان رد السلطة مبالغا في استخدام العنف، إذ سقط عشرات القتلى في صفوف المحتجين وآلاف المصابين، لكن هذا الأسلوب لم ينجح في انهاء الاحتجاجات، بل عادت بقوة واصرار اكبر، وحتى الاسبوع الماضي ما زال المتظاهرون يشيعون زملاء قتلوا عبر الاغتيالات، والاختطافات والتهديدات، ومواكب التشييع التي لا بد ان تمر عبر ساحات الاحتجاج تزيد من اصرار الشباب المتظاهرين.
التحدي الاخر الذي واجه المحتجين هو الاعلام، إذ ان العشرات من وسائل الاعلام الحزبية شنت حملة لا مثيل لها ضدهم، كما ان عشرات الجيوش الالكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي هاجمتهم واتهمتهم عبر مئات المنشورات بالعمالة والخيانة وتلقي اموال لتدمير البلاد، حتى اصبحت وسائل الاعلام الحزبية والجيوش الالكترونية تطلق على المتظاهرين لقب الجوكر الاميركي. ولكن هذه الحملات لم تحقق اهدافها تماما، والسبب هو ان عامة العراقيين يقفون مع المحتجين كما تقول الناشطة رؤى محمد علي، وتضيف "حتى اقوى الجيوش الالكترونية لن تستطيع تشويه سمعتنا والسبب ببسطاة ان اغلب العراقيين يقفون معنا، عندما ينشر متظاهر منشور على فيسبوك او تغريدة على تويتر يلقى تفاعلا كبيرا وبلا اعلان ممول، فيما تبذل الجيوش الالكترونية حملات ممولة بآلاف الدولارات لتشويه سمعتنا، في المقابل لا يحصلون على تفاعل، بالعكس انه اغلب هذه الصفحات يتم غلقها بسبب تعاضد العراقيين للابلاغ عنها عند ادارة فيسبوك وتيوتر لحظرها".
يدرك المتظاهرون ان العديد من اتباع الاحزاب والقوى السياسية تسللوا الى ساحات الاعتصام من دون ان يكشفوا عن انتماءاتهم، وهي خطة لاختراق التظاهرات والتأثير على مطالبها، وخلال كانون الاول (ديسمبر) رشح متظاهرون عدة اسماء لمنصب رئيس الوزراء، تبين ان احزاب تقف وراء هؤلاء المتظاهرين، لكن المحتجين المستقلين كان صوتهم اعلى واعلنوا رفضهم هذه الاسماء، ونجحوا في منع ترشيحهم.
يبدو المتظاهرون اليوم اكثر اصرارا من اي وقت مضى، كما انهم اكثر خوفا من السلطة، ويعتقدون ان العودة الى منازلهم الان ليست مناسبة ابدا.
المرسومي الذي يشارك في الاحتجاجات منذ انطلاقها ويعود الى منزله متخفيا خشية اصطياده من فرق الاغتيالات، يقول إن "هناك قوائم موت بانتظارنا، نعرف جيدا ان جماعات مسلحة لديها قوائم دقيقة حول من شارك في الاحتجاجات، انهم ينتطرون عودتنا الى منازلنا وانتهاء الاحتجاجات لمهاجمتنا، ولهذا لن نعود الان الى منازلنا، الاحتجاجات هي من تحمينا".
اما الناشطة رؤى محمد فتقول ان "المتظاهرين لن يعودوا الى منازلهم قبل ان يعود اليهم وطنهم الذي تمت سرقته من السياسيين الفاسدين، لن يعود الطلبة حتى تتحسن ظروفهم، لن يعود آلاف الشباب العاطل عن العمل قبل ان يضمنوا حلولا لتوظيفهم وتوظيف الآلاف من الشباب الاخرين الذين سيتخرجون من جامعاتهم كل عام، لن يعود المتظاهرون إلا اذا حصلوا على ثمن يتناسب مع تضحيات القتلى الذين سقطوا في ساحات الاعتصام".
في مدينة الناصرية التي اصبحت احدى ايقونات التظاهرات العراقية بعد تعرضها الى اعمال عنف هي الاكبر في البلاد، اصدر محتجوها الاحد الماضي بيانا حاسما، تضمن مهلة سبعة ايام الى الطبقة السياسية لاختيار رئيس وزراء مستقل لم يتورط في الفساد، وتحديد موعد الانتخابات المبكرة، واذا لم تتحقق فانهم سيعتصمون على الطريق الدولي الرابط بين المحافظات العراقية ما يعني قطع الطريق بشكل كامل.
لاحقا اعلنت ساحات الاعتصام في بغداد والديوانية وبابل وواسط والبصرة تأييدها لبيان محتجي الناصرية، الاحد الماضي انتهت المهلة، يبدو المحتجون اكثر اصرارا، فيما تبدو الطبقة السياسية مستمرة في تجاهلها.