الحبوبي شاعر الفقهاء وفقيه الشعراء

Wednesday 29th of January 2020 07:52:23 PM ,

عراقيون ,

سالم الحمداني
ولد السيد محمد سعيد الحبوبي في عام 1849 في مدينة النجف من اسرة عربية علوية يرجع نسبها الى الإمام الحسن بن امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهم السلام ، امضى السيد الحبوبي طفولته في رعاية ابيه السيد محمود الحبوبي ، ولما بلغ سن التعليم بدأ يتعلم القراءة والكتابة والخط ثم حفظ القرآن الكريم بعدها استمر بدراسة مبادئ الادب وعلوم اللغة العربية، هاجر مع ابيه وعمه الى الحجاز وقضى شطرا من حياته في الحجاز وبلاد نجد.

وقضى هناك عدة اعوام عاد بعدها الى مدينة النجف الاشرف فعكف لدراسة علوم العربية والدين وقرض الشعر. وحضر في الفقه والاصول على الشيخ محمد حسين الكاظمي والشيخ محمد طه نجف واطلع على العديد من الدواوين الشعرية والادبية كما اخذ يتردد على المجالس الادبية التي كانت منتشرة بالنجف الاشرف في العشرين من عمره ، نظم اول قصيدة في رثاء السيد رضا الرفيعي واستمر ينتظم الشعر حتى اصبح من الشعراء الكبار وقد اقام علاقات وطيدة مع شعراء المدن العراقية الاخرى وعلى الرغم مما كانت تضم مدينة النجف الاشرف من فطاحل الشعر ونوابغ الادب الا ان الحبوبي غالبهم ما حدا بهم ان يقروا له بالنبوغ والتقدم.
واصل السيد الحبوبي الدراسة والاطلاع على الامور الفقهية والعلمية فتوطدت علاقته اكثر مع رجال العلم وكان ابرز هؤلاء السيد جمال الدين الافغاني الذي كان يدرس في مدينة النجف كما خالط طبقات كثيرة من الناس فلم تضطره مكانته الشعرية او الفقهية الى ان يترفع من عوام الناس او يتجنب مجالستهم او السماع الى احاديثهم واشعارهم كما جالس كبار المراجع والشخصيات وقد اختص السيد الحبوبي من بين معاصريه بالعلامة الشيخ محمد حسن كبه فكثيرا ماكان يقصده الى بغداد فيقيم عنده المدة الطويلة برغبة منه ويشتركان بنظم القصائد الفائقة والملاحم الممتازة وللسيد الحبوبي شعرا كثيرا في مدح العلامة محمد حسن كبه يذكره الدكتور محمد مهدي البصير بكتابه "نهضة العراق الادبية" فيقول كان الشعر عند السيد محمد سعيد الحبوبي فيض النفس وصدى الخاطر ومتعة الروح، كان يتحف به اصدقاءه في شتى المناسبات مشاركا لهم في افراحهم ومؤاسيا اياهم في احزانهم، اقول ابت نفسه ان يبقى منفردا بالشعر فقد تركه في اواخر عمره وبالتحديد قبل ثلاثين سنة من وفاته ليدخل زمرة العلماء والمجتهدين بعد ان كان اديبا نابغا كان فقيها جليلا وعالما جهبذا، كان له في ميدان العلوم الاسلامية باع طويل وزعامة كبيرة حيث حضر على العلامة الشيخ محمد طه نجف والذي يعد من كبار الفقهاء والعلماء انتهت اليه الرئاسة والزعامة الدينية في عصره والذي تتلمذ عليه جمهرة من العلماء واهل الفضيلة احدهم السيد محمد سعيد الحبوبي الذي له مكانة عند الشيخ محمد طه نجف تميزة على بقية زملائه الذين كانوا يحضرون معه الدرس حيث صدرت منه في حق السيد الحبوبي اقوال وشهادات كانت تدل على اجتهاده في الفقه وتضلعه منه .
يذكر الاستاذ "اسماعيل العبايچي" في موضوع له عن السيد محمد سعيد الحبوبي ، يقول فيه «لما صار زعيما دينيا لم تبدل اخلاقه هذه الرئاسة فهو على ذلك الجانب العظيم من التقوى والصلاح وكمال النفس والبشاشة ورحابة الصدر والنزاهة والتواضع حتى راح يلتف حوله طلاب العلم وهو لم يأل جهدا في تدريسهم وايقافهم على شيهاتهم واطلاعهم على معرفة ما يضلون من فقه واصول وغيرها، قد تعرفنا على السيد الحبوبي الشاعر والفقيه والان نجد الحبوبي المجاهد المقاتل في سبيل دينه ووطنه بعد ان رفع لواء الجهاد واعلنها حربا على الانكليز عندما اندلعت نيران الحرب في اوربا.
اعلنت الدولة العثمانية الحياد تجاه الدول المتحاربة لكنها اعلنت حالة التغيير العام في بلادها بحجة المحافظة على حيادها تجاه من يريد الاعتداء عليها ، واستمرت حالة النفير في الدولة العثمانية ثلاثة اشهر حتى دخلت الحرب مرغمة فاعلنت الجهاد في 7/ت2/94 واول مافكرت فيه الحكومة العثمانية ارسال وفد الى النجف الاشرف مؤلف من كبار شخصيات السلطنة لمحادثة كبار العلماء المجتهدين في امر الجهاد وثالث الوفد السلطاني من الفريق محمود فاضل باشا الداغستاني وشوكت باشا ، وحين وصل الوفد الى النجف استقبل بحفاوة بالغة ثم عقد اجتماع في جامع الهندي حضره الكثير من العلماء والوجهاء ورؤساء العشائر وخطب فيهم السيد محمد سعيد الحبوبي والشيخ عبد الكريم الجزائري حيث ذكروا وجوب مشاركة الحكومة المسلحة في دفع الكفار عن بلاد الاسلام واثناء تواجد الوفد في النجف. احتلت القوات البريطانية مدينة الفاو وهي على اهمية الاستعداد لاحتلال مدينة البصرة ما حدا بالسيد محمد سعيد الحبوبي من اوائل العلماء الذين اعلنوا الجهاد ضد القوات البريطانية فأخذ يدعوا الناس الى التطوع للذهاب الى جبهات القتال لمحاربة الانكليز الغزاة كما بعث السيد الحبوبي رسائل الى زعماء المدن الاخرى يدعوهم فيها الى التطوع والجهاد لمحاربة القوات النازية.
يذكر السيد سعيد رشيد زمزم بكتابه "رجال العراق والاحتلال البريطاني" الجزء الاول فيقول «لبى نداء الحبوبي اعداد كبيرة من العراقيين وجاء هؤلاء المتطوعين الى مدينة النجف وادوا مراسيم زيارة الإمام علي (عليه السلام) ثم اتجه موكب المجاهدين يتقدمهم السيد الحبوبي واتجهوا الى مدينة الكوفة وقد تقدم الموكب حملة الاعلام وهي ترفرف فوق الرؤوس واصوات الناس تتعالى بالتكبير وتدعوا الله (عز وجل) ان ينصرهم على قوات الاحتلال البريطاني، بعد وصول الموكب الى الكوفة استقلوا السفن النهرية التي اعدت لهم لنقلهم الى مدينة الناصرية التي اتخذت مركزا لتجمع المجاهدين وقد سميت مدينة الناصرية دار الجهاد باعتبارها مركز تجمع المجاهدين، سار الموكب مرور بمدينة السماوة فكان السيد الحبوبي يحث العشائر التي كان يمر عليها موكب المجاهدين بالتطوع لمحاربة الانكليز وقد عاونه على هذه المهمة الشيخ "محمد باقر الشبيبي"، بعدها اتجه الموكب الى مدينة الناصرية فوصلها في منتصف شهر كانون الثاني 95 فاقيم للسيد الحبوبي مقرا يوجه منه صفوف المجاهدين وكان السيد محسن الحكيم امين سر السيد محمد سعيد الحبوبي وقد حضر السيد الحكيم (قدس سره الشريف) معركة الشعيبة بعد ان بقي السيد الحبوبي والمجاهدون مدة قصيرة في مدينة الناصرية نقلوا على ظهر السفن والبواخر التي هيئت لنقلهم الى منطقة الشعيبة وبعد وصولهم وزع السيد الحبوبي المسؤوليات على عدد من الرجال الذين يعتمدوا عليهم امثال الشيخ باقر الشبيبي والسيد محسن الحكيم والشيخ علي الشرقي وسعيد كمال الدين وغيرهم بعد ان تم توزيع المسؤوليات اعدت للمجاهدين الخيام في منطقة النخيلة اخذت تتوارد جموع المجاهدون الاخرين الى المنطقة التي عسكر فيه السيد الحبوبي والذين اتوا معه .
يذكر الاستاذ "سعيد رشيد زمزم" فيقول «بدأت المعركة بين المجاهدين والقوات الانكليزية فأخذ السيد الحبوبي يثير فيهم الحماس والحمية على اثر هذا الهجوم تكبدت القوات الانكليزية خسائر كبيرة الامر الذي جعلها تشن هجوما عنيفا وقصفا مركزا من قبل مدفعيتها الحديثة لدمر المجاهدين الا ان المجاهدين قاتلوا قتال الابطال بالرغم من وقوع خسائر كبيرة في صفوفهم. في اليوم الثاني من المعركة عززت القوات البريطانية مواقعها وشنت هجوما عنيفا ومركزا على مواقع المجاهدين والتقوا وجها لوجه ولبى نداء الحبوبي اعداد كبيرة من العراقيين وجاء هؤلاء المتطوعين الى مدينة النجف وادوا مراسيم زيارة الإمام علي (عليه السلام) بعد ان اصابهم الاعياء والعطش الا ان السيد الحبوبي كان يحثهم على الصمود ويتقدم صفوفهم الا ان كثافة النيران اضطرتهم الى الانسحاب الامر الذي جعل القوات البريطانية ان تتقدم الى مواقع المجاهدين فلحقت الهزيمة بهم، فتألم السيد الحبوبي لما حدث وحاول ان يقوم بمحاولة لحث العشائر على الاستمرار في القتال لمحاربة الانكليز الا ان صحته قد اخذت بالتدهور حيث كان عرة قد تجاوز السبعين عاما الا انه لم يهتم بتدهور صحته بل استمر يدعو العشائر على ضرورة التصدي للقوات البريطانية الا ان المرض لم يمهله الامر الذي اضطره الى ان يخلد الى الراحة، لكن سرعان ما انتكست صحته نحو الاسوء واستمرت صحته بالتدهور حتى توفي رحمه الله في 3/شعبان/333 هجرية المصادف 95 ميلادية ، توفي في الناصرية ونقل الى النجف الاشرف بتشييع عظيم ودفن داخل الصحن الحيدري، وقد رثاه اكابر الشعراء واعلام الادباء.