مؤتمر إعلامي - أمني سري لترسيخ مفهوم الدولة في زمن القتل العلني!

Friday 31st of January 2020 09:27:36 PM ,

الحريات اولا ,

 بقلم متظاهر
عُقِد في السابع والعشرين من الشهر الجاري، مؤتمرٌ سري تحت عنوان "دور الإعلام في ترسيخ مفهوم الدولة". شارك فيه، وزير الداخلية والقيادات الأمنية والعسكرية وقادة العمليات والصنوف بالجيش العراقي ومدراء الإعلام في المنظومة الأمنية وخليتا الإعلام الحكومي والأمني وبمبادرة من المركز العراقي لـ"التنمية الإعلامية" إلى جانب إعلاميين "محددين" ومن يطلقون على أنفسهم محللين سياسيين وباحثين في الشأن السياسي.

وهذه هي المرة الأولى التي يُعقد فيها مؤتمرٌ "سري" يتشارك فيه أمنيون وإعلاميون، لبحث شأن خطير يتعلق بمفهوم الدولة. مع أن الجهات المشاركة، الأمنية بوجه خاص لم تفكر بعقد مثله في أخطر منعطف سياسي - أمني مر به العراق، حيث احتلت قطعان داعش ثُلث مساحة البلاد، وكادت تهدد العاصمة بغداد.
والمعتاد أن تعقد الأجهزة الأمنية والعسكرية مؤتمرات ولقاءات "سرية" تتناول الستراتيجيات الأمنية والعسكرية للبلاد، ولابد أن لا تتسرب وقائعها إلى أيدي قوى معادية. أما أن تتشارك تلك الأجهزة مع إعلاميين في مؤتمر سري، فهذه واحدة من ابتكارات الطبقة السياسية تضاف إلى تفردها بإنتاج منظومات الفساد والقتل وارتكاب الكبائر في مجال حقوق المواطنين والحفاظ على كراماتهم وحُرمات وطنهم.
ومما يلفت النظر أن موضوع المؤتمر يتركز في البحث عن مفهوم الدولة، وهي مسألة تهم كل المواطنين وتدخل في صلب ما يتطلعون إلى ترسيخه وإشاعة منطلقاته، وتأكيد تعبيره عن المصالح العليا للبلاد وأمن المواطنين. وبالتالي فإن من غير المستغرب أن تطال سريته المشاركون فيه من الإعلاميين خصوصاً شبهة التواطؤ في أمرٍ لا يُراد له أن ينكشف وتتسلط عليه الأضواء الفاضحة. ويبدو أن "السريّة" تنطوي على هذا الجانب لا غيره. ومهما قيل غير ذلك، بحاجة الى ما يؤكده!
إن من بين المشاركين وجوهاً إعلامية معروفة في مواقفها وتقلباتها في خدمة الحكومات المتعاقبة منذ نيسان ٢٠٠٣، وليس في هذا التوصيف من تجنٍ أو محاولة للنيل من سمعة كل المشاركين فيه، أو تلفيقاً على البعض ممن لهم سوابق وممارسات مشبوهة في الوسط الاعلامي. ويكفي تصفح ما نُشر من هذا البعض، وعنهم في مواقع التواصل الاجتماعي والمساهمات "التحليلية" في القنوات التلفزيونية ليشهد على ذلك.
إن الهدف من المؤتمر كما يتجسد في شعاره "ترسيخ مفهوم الدولة"، لكن المبادرين لتنظيمه فاتهم الشك حول وجود الدولة أصلاً، وتوصيف كينونتها ومدى تعبيرها عن شروط قيامها وما عليها في ظل ما تعيشه البلاد من فسادٍ وتدهور أمني وانفلات للسلاح خارج الدولة، وعبث منظمات مسلحة بأرواح المواطنين وممتلكاتهم وتصديعٍ لما بقي من أجهزة الدولة ومؤسساتها.
فلم يعد خارج التداول الداخلي أو الخارجي، أن العراق صار له مسميات عديدة ليس بينها ما يشير إلى "مفهوم الدولة". لقد باتت تعرف بـ"الدولة اللا دولة" و"الدولة الفاشلة" و"شُبه الدولة" و"الدولة المتفسخة" التي تُنتج وتعيد إنتاج الفساد حسب الطلب، وللتصدير.
يكفي هذه اللادولة أنها تحتل صدارة البلدان الأكثر فساداً في العالم، وأنها في مقدمة قوائم الانحطاط في منظوماتها الصحية والتعليمية والأمنية والخدمية . ولم تعد لها أي مكانة في الفضاءات الحضارية التي بلغتها الأمم والشعوب في مختلف القارات والدول.
ويبدو أن ما كان هدفاً للمؤتمر هو مناقشة كيفية مواجهة الانتفاضة الشعبية والتعامل مع المتظاهرين بوصفهم "زعاطيط، مندسين، جوكرية، أجندات عربية واقليمية ودولية، مخربون تغذيهم إسرائيل والولايات المتحدة، هدفها تصفية الطبقة السياسية المتنفذة، ونخبها ورموزها السياسية".
إن بعض المنخرطين في المؤتمر من الإعلاميين الذين بانت مسمياتهم، يحاولون عبثاً، التغطية على حقيقة مواقفهم، والدور المطلوب منهم في مواجهة الحِراك الشعبي، بإظهار المؤتمر كفعاليةٍ موجهة ضد داعش والإرهاب.!
ومثل هذا المسعى الخائب يفضحه، ما كانت عليه أدوارهم سواء بالمبادرة لعقد المؤتمر أو تحديد هدفها المباشر باستهداف المعتصمين والمتظاهرين وإجهاض الانتفاضة وإعلان انتصار الفاسدين الملطخة أياديهم بدماء الآلاف من الجرحى والمصابين وأكثر من ألف شهيد وشهيدة.
يكفي أن المؤتمر السري يُعقد في قاعة مغلقة في ظرفٍ انعطافي لم يسبق له مثيل، يضع العراق على مفترق طرقٍ قد ينحدر به إلى ما لا يُحمد عقباه إذا ما ظلت القيادات والميليشيات الحاكمة، على عنادها وتحدّيها للإرادة الشعبية المطالبة بالتغيير والإصلاح.
لم ينتبه المُعيبون على "المدى" أنها كانت منذ صدورها منصةً لعراق مدني وديمقراطي، تكافح الطائفية المتفسخة ومافيات الفساد ورعاة الرثاثة، ومن يستبيحون اليوم دم المنتفضين، قتلاً واغتيالاً واختطافاً وقنصاً واعتقالاً عشوائياً وتعذيباً.
في بلدٍ يتحول الموت فيه إلى طقسٍ يومي مرير، على المكشوف، يُعقد فيه مؤتمر للأمن والإعلام ومفهوم "الدولة" الحاضنة للإرهاب والفساد والجريمة المنظمة سرياً في قاعة مغلقة يتطيّر المبادرون لتنظيمه من انكشاف وقائعه!.