حكاية شهيد..نور الكناني.. طائر عظيم حلق بعيداً في سماء الوطن دون عودة

Saturday 1st of February 2020 09:39:41 PM ,

الحريات اولا ,

 ماس القيسي
نور هو، بكل ما اوتي من وميض يرف من عينيه، وبكل شغف ينبعث من روحه التي تنشد الارتقاء والتحليق فوق سفوح وطن جريح، وسيم الملامح يجذب الأنظار اليه على الأرض فكان وصيفا، وانيق المظهر لافت الانتباه فكان عارضا للأزياء. عظيم الفكر لذا اختير رمزا يلوح لحرية بلاده.

نور احمد عواد الكناني، من مواليد عام 2000، سكن في القطاع الأول ثم انتقل للإقامة في منطقة البلديات في بغداد برفقة اسرته، لم يكمل دراسته، وعمل مع والده في معمل غذائي لفترة، ولمدة عامين في مقهى شبابي، وبعدها في مجال بيع الألبسة الرجالية وعرض الأزياء، كما شارك في عدة أنشطة منها، حفل اختيار ملك جمال بغداد لاحد السنوات، وحصل على مركز الوصيف الأول وبهذا الصدد يحدثنا صديقه علي قائلا: "كان حزينا بعض الشيء في فترة من حياته وقد حفزه الناس، لجمال شكله واناقة ملبسه، كي يتقدم ويشارك في مسابقة لاختيار ملك جمال بغداد وفاز بلقب الوصيف الاول، كان انيس المعشر ومرحا جدا يحب ان يعيش حياته دون قيود، ما ساعده في ذلك انفتاح اسرته، كما كان مهتما بالشعر ولديه دفتر خاص بأشعاره". طيب الخلق، دمث الروح، متواضع، محب للحياة ومساند للجميع. كان كل حلمه ان يجد عملا دائما ليستطيع الارتباط واكمال مسيرة حياته.
شارك نور في حركة الاحتجاجات برفقة اخوته الثوار منذ بداية الانتفاضة في اكتوبر، اعتصم في أحد خيم التحرير بالقرب من جسر الجهورية، كان يمثل بين رفاقه دور الشخص المرح النشيط الذي يحب اضحاكهم ويجد متعة في رسم الابتسامة على وجوههم، ويسعى دوما لجعلهم سعداء، وبهذا يقول صادق (صديق الشهيد) الذي تعرف اليه خلال فترة الحراك الثوري: "صديقنا نور كان متحمسا لإطلاق مشروع مقاطع تصويرية كوميدية يمثلها هو ويعرضها لجمهوره، من الأصدقاء والمتابعين على صفحته الشخصية، اذ كان يتمتع بحس فكاهي، ودوما ما نجده يطرح أفكارا جديدة وهادفة لإسعاد الآخرين، لنقضي هنا وقتنا بشكل إيجابي قدر الإمكان، فيجمع الشباب حولنا في الخيمة ويعرض لنا الفكرة برفقة عازف آلة موسيقية".
اثر تصاعد وتيرة الاحداث بين قوات مكافحة الشغب وشباب المطعم التركي المسمى جبل احد، في يوم التاسع والعشرين من شهر كانون الأول المنصرم، اطلقت قنابل وقطع من الحجر والحديد من قبل اشخاص مجهولي الهوية يرتدون الزي المدني مما اسفر عن حرق بعض الخيم، وبهذا يقول رضا (صديق الشهيد): "تواجد نور في ذلك الوقت في خيمته اسفل المطعم قرب الساتر الأول لجسر الجمهورية، حينها توجه ليطفئ الحرائق التي اندلعت في احدى الخيم بقربه، واثناء ذلك أصيب بقطعة من الحديد ضربته في رأسه فأسقطته فاسرعنا بإسعافه الى المشفى، وما لبث حتى تلفظ آخر أنفاسه بعد ان نزف كثيرا ورحل عن هذه الدنيا شهيدا في صباح يوم الاحد المصادف 29 كانون الأول". ترك نور طيفه الشفاف خلفه يمر على مرأى اخوة وأحبة والكثير من الأصدقاء، ممن لم يخطر على بالهم يوما بأنهم سيفقدونه، ولكن شاء الوطن ان ينتقي أجمل الأرواح مقابل عودته!
يودعنا نور بهذه الكلمات المقتبسة في صفحته الشخصية قائلا: "الحياة جدا قصيرة، لا تمضها مع اشخاص لا يجعلونك سعيدا"، و"عش حياتك فخورا بنفسك، قويا لأجلك، فالحياة لن تكون كما تريد دائما"، هل كانت حياتك كما تريد، هل اردت ان ترحل عنها باكرا يا نور؟ ام هي الحياة من ارادتك لتحيا بعيدا عن زيفها!، ويعقب: "كن قويا وابتسم، كأنك لم تتأذى ابدا، وليتني املك السعادة كي اضعها في تلك القلوب التي اراها تتألم"، كنت قويا كفاية لتهب نفسك للقدر لتطفئ لهيبه ويحرقك بدلا عنه، ورحلت عنا مبتسما وكأنك لم تتأذى ابدا، انت تملك السعادة ولكنك زرعت في قلوب احبتك ما فوق الألم دون ان تدري، اذ ان فراقك ليس سهلا البتة. وداعا وليسطع نورك عاليا عند نور السماوات المليك المقتدر.