هديب الحاج حمود المتشبع بالفكر الديمقراطي وحب الوطن

Wednesday 12th of February 2020 07:20:52 PM ,

عراقيون ,

د. قحطان احمد الحمداني
لم يكن هديب الحاج حمود بعد ان اصبح من اعلام الحزب الوطني الديمقراطي بمناى عن عيون الامن الذين كانوا يرصدون حركاته ونشاطاته السياسية ، فكتبوا عنه :" ان المحامي هديب من رؤساء عشيرة الحميدات ، ويجمع اقطاب المعارضة في دار ضيافته ، وما زال في رقابة مشددة " ، وفعلا فقد انتخب عضوا في اللجنة المركزية للحزب ،

وكان يدعو الى تشكيل جبهة وطنية من احزاب المعارضة تضم اليساريين والقوميين ، والتي تحققت عام 1957 ، من اجل الاطاحة بالنظام الملكي ، واقامة نظام وطني شعبي ديمقراطي ، وتنفيذ اصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية ، وفي مقدمتها انصاف الفلاحين ، ، ومنحهم حقوقهم الطبيعية في امتلاك الارض وزرعها ، والحصول على انتاجها ، من خلال قانون الاصلاح الزراعي , وقد تعرض للاعتقال اكثر من مرة من قبل قوات الشرطة والامن ، ولكن الحاج رايح العطية من شيوخ الحميدات كان يتوسط لاخراجه من السجن بفعل علاقاته مع المسؤولين العراقيين انذاك . ولعل من اهم مآثره وهو مالك للارض منحه الفلاحين العاملين في ارضه نصف الانتاج ، بدلا من ثلث الانتاج الذي كان معمولا به في ذلك الوقت ، وبذلك فقد اكتسب شعبية كبيرة بين الفلاحين في منطقة الفرات الاوسط ، واندلعت مظاهرات فلاحية تحييه ، وتطالب بان تكون حصة الفلاحين من الغلة نصف المحصول ، وفعلا اقر مجلس الامة طلبهم ، بمناصفة الانتاج . وتقول بعض المصادر انه رغم كونه ابن ملاك فقد شارك في ثورة الفلاحين ضد الاقطاعيين عام 1954، مما جعله قريبا من الشيوعية في نظر البريطانيين .
ورشحه الحزب الوطني الديمقراطي في انتخابات مجلس النواب عام 1954 باسم الجبهة الوطنية ، لكن السلطات اعتقلته ، وحالت دون نجاحه . كما رشحه الحزب لوزارة الزراعة ، من اجل تفيذ الاصلاح الزراعي في العراق ، ، او بالاحرى رشحه السيد كامل الجادرجي رئيس الحزب في المباحثات التي جرت بينه وبين الزعيم الركن عبد الكريم قاسم بواسطة السيد رشيد مطلك ، وحين وصل السيد هديب الحاج حمود الى بغداد قبل ايام من 14تموز وقابل الجادرجي لم يخبره بترشيحه للوزارة ، وانما طلب منه البقاء في بغداد لعدة ايام ، وعدم العودة الى الشامية ، وحين اعلنت البيانات الاولى وتضمنت اسمه ، ادرك سبب نصيحة الجادرجي له بالبقاء في بغداد عدة ايام ، وعلى اية حال كان اختياره اختيارا موفقا ، فقد كان الرجل متحمسا للاصلاح الزراعي ، وقد صرح بعد بعد اسبوعين من تحمله مسؤولية الزراعة والاصلاح الزراعي في العراق ما يؤيد ايمانه بضرورة انصاف الفلاحين ، وانقاذهم من ربقة الاقطاع فقال : " لقد شعرت بان الفلاح مظلوم ، وان العهد السابق قد جار عليه ، وان رؤساء العشائر لا هم لهم الا مصالحهم ، ذلك تعسف ، والتعسف لن يدوم .. وبما ان الفلاحين يمثلون اكثرية هذا الشعب لذا فان حكومتنا الثورية لا بد ان تكون في خدمة الفلاح ، ورعاية مصالحه ." وابدى الوزير تصوره للواقع الزراعي ، وطموحاته المستقبلية بالقول : " ان الفا من الملاكين يملكون ثلثي مساحة الارض الزراعية ، وقد تزيد اقطاعيات بعض الشيوخ على 3-4 مليون دونم ، وهناك عددغير قليل ممن يملكون نصف مليون دونم . ان معظم اراضي العراق اميرية ، ونتيجة لتطبيق قانون التسوية انتقلت مساحات واسعة من الاراضي الاميرية الى الشيوخ والمتنفذين ، وادى ذلك الى حرمان الفلاحين من الاراضي . ان الحقيقة التي لا تقبل الجدل هي ان ثلاثة ارباع سكان العراق يمتهنون الزراعة كحرفة او كواسطة لكسب القوت ، ولا بد من رسم الخطط الكفيلة بالاصلاح الشامل ، وستكون الخطط الرئيسية للاصلاح مبنية على دراسة الاوضاع السائدة دراسة وافية ."
لقد تراس الوزير لجنة الاصلاح الزراعي التي الفها مجلس الوزراء لدراسة الوضع الزراعي في البلاد ، واعداد لائحة قانون الاصلاح الزراعي التي كان من بين اعضائها الدكتور طلعت الشيباني ، والسيد عبد الرزاق الظاهر ، ومسعود محمد ، وقرني الدوغرمجي ، وهم من اعضاء الحزب الوطني الديمقراطي او اصدقائه ، اضافة الى فريد الاحمرالمحسوب على الحزب الحزب الشيوعي ، والذي كان اقرب الى جماعة عبد الفتاح ابراهيم من الحزب الشيوعي .
وفي 30 ايلول 1958 اذاع عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء قانون الاصلاح الزراعي رقم (30) لسنة 1958 ، الذي اقر تحديد الملكية الزراعية للملاكين ، وتوزيع الاراضي المشمولة بالقانون الى الفلاحين الذين لا يملكون ارضا زراعية ، والذي يعتبر اهم تشريع صدر في تلك المرحلة ، وعلى اثر صدور القرار ادلى الوزير بتصريح شديد اللهجة قال فيه : " ان امام صاحب الارض القديم ، وصاحب الحد الاعلى الجديد طريقين عليه ان ياخذ احدهما : فاما التجاوب مع الثورة ، والاستجابة لاهدافها في تحقيق العدالة الاجتماعية ، ومكافحة الاستغلال البغيض ، وبذلك يكون مواطنا صالحا تحترم الثورة حقوقه المشروعة ، وتسعى لتنمية انتاجه ، وتامين المستقبل الكريم له ، واما الخروج على هذا الطريق المستقيم ، فيصيح خارجا على ارادة الشعب ، مستحقا لغضبه ونقمته ، ومستهدفا لاشد العقوبات القانونية الصارمة ، وكلي امل بان احدا من المواطنين سوف لا يختار هذا الطريق الشائك الميت " .
ورغم المشاكل التي اكتنفت تطبيق القانون ، ووجود ثغرات فيه ، واتهام الحزب الشيوعي للقانون بانه برنامج البرجوازية الاولى ، فقد تم توزيع ما يقارب مليون ونصف المليون دونم من اصل اربعة ملايين ونصف المليون من الدونمات المصادرة من الملاكين والاقطاعيين . وتولى هديب الحاج حمود وزارة الاصلاح الزراعي ، اضافة الى وزارة الزراعة ، لكن الخلافات في الحزب اجبرت الوزير على تقديم الاستقالة بناءاعلى طلب رئيس الحزب ، وحين حدث انشقاق في الحزب ، وشكل محمد حديد حزبا جديدا باسم الحزب الوطني التقدمي ، آثر هديب الحاج البقاء مع جناح الجادرجي واصبح نائب الرئيس في انتخابات الحزب عام 1960 . وبعد ذلك ضعف الحزب ، وتوقفت جريدته عن الصدور .
ان هديب الحاج حمود كان عازفا عن السلطة ، وقد التزم بالانسحاب من الوزارة بناءا على طلب الحزب ، وشارك في كل نشاطات الحزب وانتخاباته ، وتحمل شظف العيش ، وبقي امينا على مبادئه ، نزيها ، لم ينزلق الى المهاترات السياسية ، ولم يتطرف ، وحين نحى بعض السياسيين منحى بعيدا عن الواقع ارتاى ان ينزوي في قريته ، ملازما كتبه واوراقه ، ويجتمع بابناء عشيرته واولاده واحفاده ، يحنوا عليهم ، ويزرع فيهم الطيب والاخلاق وحب الوطن .