حكاية شهيد..مهند السعيدي.. حي يرزق بعطائه في قلوبنا رغماً عن أنف قاتله!

Saturday 22nd of February 2020 07:35:46 PM ,

الحريات اولا ,

 ماس القيسي
من ذوي الابتسامة، والفكر السليم والقلب الطاهر والكلمة الشفافة، صاحب الضحكة منقطعة النظير، حتى تنازل عنها مكرها ثائرنا لا بطل! في آخر لحظات حياته، فلم يتوقع من حماة الوطن ان يرموه بحقدهم، فكيف لمواطن حر كريم قضى دروب شبابه في التفاني والإيثار ان يستوعب وقع رصاصة غادرة من جنود عراقه وهو يهتف عراقي انا!

مهند كامل مشكور السعيدي، من مواليد 31/1/1998، من سكنة قضاء الاصلاح في محافظة ذي قار، درس في ابتدائية سامراء وكان من الأوائل بين اقرانه، واكمل دراسته المتوسطة في مدرسة براثا وحافظ على تفوقه ثم انتقل لتلقي دراسته الإعدادية في ثانوية سامراء، التي تخرج منعا بمعدل اهله ليحقق حلمه، اذ التحق بكلية الصيدلة في الجامعة المستنصرية و اكمل المرحلة الأولى ثم انتقل لجامعة ذي قار في المرحلة الثانية بسبب تخوف اهله من مخاطر حوادث السير اثناء التنقلات واثبت تفوقه بجدارة، واليوم هو طالب في المرحلة الثالثة لو كان بيننا، عمل متطوعا في منظمة العطاء وبعض الاعمال التطوعية الأخرى، ينتمي لأسرة ميسورة الحال تتكون من 11 فردا هو السابع من بينهم. مرح وضحوك، طيب القلب والمعشر والسيرة، رياضي حاصل على العديد من الكؤوس والميداليات في نادي سامراء لكرة القدم، قارئ وروائي في بداية طريقه نحو عالم الرواية التي خسرته باكرا.

"خلق، اخلاق، دين، طاعة، صدق" هكذا يوصف مهند على لسان ابيه ما يشهد على ذلك اقرانه من الزملاء في القسم الداخلي، اذ أطلقوا عليه (المتدين)، بمفهومه الصحيح!، وبهذا يقول عامر السعيدي (صديق الشهيد): "انخرط مهند مع المصلين وهو في صف الرابع الابتدائي وبدأ يرتاد الجوامع والحسينيات وقد واظب على ممارسة العبادات حتى استشهاده". شغوف بقراءة الكتب الدينية والروايات وله بعض الكتابات اذ يقول عامر: "بدأ بكتابة رواية طامحا بإكمالها لولا رحيله وقد اتصفت أدبياته بقوة المعنى وحسن السبك وقصر النص". مبتسم على الدوام اذ لم "تفارق حنجرته تلك الضحكة التي تميز بها".
"انبياء الله"، هو الوصف الذي طالما أطلقه مهند على فقراء المجتمع وبهذا الخصوص يعقب عامر قائلا: "أكثر اهتماماته اصلاح وضع البلد وارجاع حقوق الفقراء، ويعتبر خدمة الناس من الأولويات، يكنس الشوارع ويعين المحتاجين ويصبغ الأرصفة والجدران والمدارس"، يعد لسان حال الفقراء بين رفاقه فقد كانت هذه قضيته الأسمى.
ابن وفي ومخلص لأبيه الوطن، مستعد لأي تضحية ان لزم الامر، وبهذا يقول عامر: "مهند أحب العراق بجنون، عشق الشهادة ولبى نداءها، حتى انه أخبر اهله ومحبيه بأمنيته هذه"، كان لمهند الدور الكبير في جميع الثورات ومنها حراك ثورة تشرين وبهذا الصدد يعقب عامر السعيدي قائلا: "شارك مهند في الاحتجاجات الشعبية التي خرجت ضد الفساد والفاسدين ومنها مظاهرات قضاء الإصلاح، ومظاهرات الكوادر الطبية والصحية واكتوبر منذ شرارتها التي انطلقت مع أصحاب الشهادات العليا".
من أوائل من حملوا شعلة الثورة، آبيا ان يكون الا أحد ابطالها الغيارى حين ارتقى شهيدا إثر مقذوف ناري حاد، ونال طموحه، كما عقب عامر مستأنفا حديثه: "استشهد مهند برصاصة قناص اصابته في رأسه اسفرت عن تحطيم الجزء الخلفي من دماغه، في عصر يوم الأربعاء المصادف 2/10/2019، وسقط مغشيا عليه سابحا بدمائه، مسبلا يده، محققا حلمه". دفع مهند ثمن رفع علم بلاده وكمامة تجنبه خطر العدو!
"مهند شمس لا تغيب"، عن افق بصيرة الثوار الاحرار من رفاقه ومن سيسلك خطى دربه، المعنون بخطابه: "الموت للعراق أفضل من البقاء حيا تحت ذلة واستعباد، قد سئمت من تلك المقولة، التي تنص بان لا حكمة في عض كلب قد عضني" منددا بمنطق آخر اذ يقول: "هل من الحكمة ان اترك جاهلا بجهله؟!"، وهل من الحكمة يا مهند ان يرحل عظيم بنقائك بينما يبقى قاتلك حرا طليقا؟