مَن يُقدّم وينظّم دعم متظاهري التحرير بالطعام والدواء؟

Tuesday 25th of February 2020 09:05:14 PM ,

الحريات اولا ,

 رحمة حجة
مرّت قرابة خمسة أشهر على بدء الاحتجاجات العراقية، ومنذ بدايتها تتوالى صور وفيديوهات إعداد الخبز وطهو الطعام وتوزيعه على المتظاهرين، بالإضافة إلى توزيع الخوذ والكمامات الواقية من القنابل المدمعة والدخانية.

عشرات المتطوعين والمتطوعات في ساحة التحرير يقومون بإسعاف المصاب وتطبيب جراحهم، وآخرون يقومون بالتنظيف ورسم الجداريات في نفق التحرير، عدا عن تجهيز شاطئ دجلة القريب من الساحة الذي تحول إلى استراحة المتظاهرين، فمن الذي يقوم بكل ذلك؟ ومن أين يأتي الدعم المالي واللوجستي؟
تقول مرح، وهي طالبة في الجامعة التكنولوجية، إنها تقوم مع زميلاتها وطالبات من جامعات أخرى بجمع التبرعات في كل اعتصام أو مسيرة طلابية، خصوصاً حين كانت منتظمة كل يوم أحد.
وتوضح "حين نقوم بتوزيع اللافتات والملصقات التي تحمل شعارات الثورة ومطالبها، ندعو الطلبة للتبرع ولو بألف دينار فقط (أقل من دولار) إذا أمكنهم ذلك".
ورأت مرح الطلبة يقتطعون من مصروفهم اليومي، وآخرون قدّموا مصروفهم بالكامل، بالإضافة إلى تبرّع أمهات وآباء عشرات الطلبة الذين شاركوهم في مسيراتهم.
تقول "جميع التبرعات تذهب مباشرة إلى التحرير، نحوّل المبالغ لرصيد هاتفي لمتظاهر نثق به هناك، وحين تصل رقماً معيناً، يذهب المتظاهر لشركة الهاتف لسحب الرصيد نقدياً"
وبهذه المبالغ المالية يقوم المتظاهر وآخرون مثله، بشراء المواد الغذائية الأساسية (أرزاق) مثل الأرز والفاصولياء والعدس ومعجون الطماطم، بالإضافة إلى الماء والبيبسي، وإعداد الطعام للمتظاهرين.
وتتابع مرح القول "كانت تصلنا تبرعات مالية من فتيات لم تمكنهن ظروفهن من الخروج للمشاركة في المسيرات، أردن الدعم بأي طريقة".

نقلات ومراحل
يشارك عبد الرحمن عبدالواحد (30 عاماً) في التظاهرات منذ 25 أكتوبر الماضي، وهو خريج هندسة كهربائية، بجمع التبرعات لدعم التظاهرات ،حيث بدأ ، بعد التعرف على متظاهر آخر هو يوسف الفهد في نفس اليوم ، و لم يكن عدد المتظاهرين يتجاوز 150، وفق عبدالرحمن.
يقول عبدالرحمن "نشر يوسف على صفحته في إنستاغرام حاجته لبطارية شحن الهاتف (Power bank)، فتواصلت معه لأعطيه، ثم بقينا معاً، صرنا أصدقاء".
أقام كلاهما خيمة، ليستمرّا في الاعتصام، وبدأ عدد من معارف يوسف ومتابعيه عبر "إنستاغرام" ييبادرون لإرسال الدعم للمتظاهرين، يقول عبدالرحمن "لديه آلاف المتابعين وعلاقاته واسعة في مواقع التواصل".
والجدير بالذكر أن يوسف تعرّض للتهديد ومحاولات الاختطاف من قبل مسلحين مجهولين، حتى وصل بهم الأمر لتهديده بعائلته، ما اضطرّه للانسحاب من الساحة بعد فترة من التطوّع اليومي في دعم المتظاهرين، والسفر خارج العراق، حسب ما أوضح عبدالرحمن.
زادت المساعدات من أطعمة وأموال ومغذيّات (مضادة لآثار القنابل المسيلة للدموع)، مع توالي الأيام، فصار بالإمكان فعل شيء جديد.
يقول عبدالرحمن "أقمنا مفرزة طبيّة كانت من أصدقائنا خرّيجي وخرّيجات الطب أو من المرحلة الخامسة وأيضاً، وزاد عددنا، وزاد الدعم، وصرنا 25 خيمة".
يتابع بحماسة عبر الهاتف: "ساحة التحرير باتت متروسة بالطعام، فصرنا نركز على المغذيّات والأدوية والكمامات، ومع بداية شهر نوفمبر، تعاونّا مع مصورين ليساعدونا في توثيق المساعدات وأيضاً النشاطات والفعاليات".
وممّا قامت به المجموعة، إضاءة نصب الحرية، الذي كلّفها بالعدّة وأجور العمّال 2500 دولار، كما أقيم 20 مرفقاً صحياً في حديقة الأمة نصفها للذكور والنصف الآخر للإناث، من حصيلة التبرعات المالية، وتم توظيف عامل وعاملة تنظيف لكليهما، أجر كل منهما 100 ألف دينار أسبوعياً، ما يعادل 600 دولار شهرياً.
يقول عبدالرحمن "برزت الحاجة لإقامة مرافق إضافية بسبب ازدياد عدد مرتادي والمقيمين في ساحة التحرير من المتظاهرين" مضيفاً "بعدها كان مشروع الشاطئ والنفق".
نظمت المجموعة حملة لتنظيف نفق التحرير، وأقامت ملعباً لكرة الشاطئ على ضفة دجلة القريبة من ساحة التحرير.
يقول عبدالرحمن: "كنا نطرح الفكرة في مواقع التواصل ونرى مدى قبولها. وحين طرحنا فكرة كرة الشاطئ تبرعت أستاذة في التربية الرياضية بكافة المستلزمات عن طريق إيصالنا بناس في سوق الشورجة، كما جهزناه بخيم وأيضاً شاشة لعرض الأفلام، وأقمنا نصب ( انا أحب التحرير ) الذي كلّف 3 ملايين دينار "
وفي القصص اليومية (Stories) عبر إنستاغرام للناشط يوسف الفهد، نجد توثيقاً لأنشطة المجموعة المتطوعة طيلة الشهور الماضية.
أخبرنا عن التحديّات ومشاكل واجهتكم؟ يقول عبدالرحمن: "ظهرت أشخاص يجمعون تبرعات باسم المتظاهرين لكن لصالح شخصي، ووصلني مثلاً أكثر من اتصال من خارج العراق من أصدقاء لي تبرعوا لمنظمات تدّعي أنها تدعم المتظاهرين ليتبين أنها مزيفة".
ولذلك، كانت سياسة مخيم حديقة الأمة منذ البداية، توثيق كل الأموال التي تصل والمصروفات ووصولات الشراء، وعرضها أولاً بأول عبر الفيديو والصور مع كل تبرّع أو نشاط وإيصالها للجهات المتبرعة.
وتعرّض العديد من المتطوعين مع عبدالرحمن للاختطاف والاعتقال، منهم الذي عاد وآخر ما زال معتقلاً مثل صديقهم أيد.
ومن التحديّات الأخرى، كان أن اكتشفت المجموعة قيام أحد المواكب الذي يزودونه بالمواد التموينية من أجل إعداد الطعام، ببيعها بعض "الأرزاق" وسرقة ثمنها، يقول عبدالرحمن "أوقفنا التعاون بيننا".
كما تعرّضت مجموعة مسيحية للتهديد من قبل عناصر في الحشد الشعبي بسبب دعمها إقامة شجرة عيد الميلاد في ساحة التحرير، لينسحبوا ويوقفوا هذا الدعم، وفق ما أكد عبدالرحمن لـ"الاحتجاج".

"لا أجمع التبرعات المالية"
ومن ساحة التحرير أيضاً، نلتقي الشاب معمر الزاخولي، الذي ينشط في توزيع المأكولات والمشروبات على المتظاهرين.
ومن خلال جولة صباحية ومسائية على دراجته النارية، في بث مباشر على موقع "فيسبوك"، ينقل معمّر مشاهد من ساحة التحرير ونفقها ونقاط تجمّع المتظاهرين الأخرى في محيطها.
يعرّف نفسه "أنا من أب كردي مسلم وأم مسيحية، زرع أبي في داخلنا حب العراق والتضحية من أجله".
يقول معمّر لـ"الاحتجاج": "أنا مشارك في التظاهرات منذ 25 أكتوبر، ولم أترك الساحة من يومها. بدأت بتوثيق وأرشفة الأحداث ونقلها عبر مواقع التواصل للعراقيين الكرد وخارج العراق للجاليات العراقية خصوصاً المسيحيين".
إلا أنه أضاف لعمله التطوعي، مهمة أخرى، يقول معمّر "صار توجهي إعلامي وإنساني" مضيفاً "بدأ الأمر حين تواصل معي بعض أصدقاء الطفولة المغتربين وأقارب أمي المسيحيين، وطلبوا مني أن أشتري بطانيات وطعاماً للمتظاهرين".
وكان أول ما قام به معمر توزيع الطعام على جسر الجمهورية، رافعاً صورة مريم العذراء، يقول "كان التفاعل إيجابياً جداً، فمريم لها مكانة عظيمة بين المسيحيين والمسلمين على حد سواء".
ومع مرور الوقت، ازداد عدد الأشخاص الراغبين بدعم المتظاهرين من خلال معمّر، يقول "لا أجمع التبرعات المالية، ولكن الذي يحصل مثلاً، يطلب مني شخص إعداد 200 ساندويشة، ونحسب التكلفة، ويدفعها فقط، ثم أقوم بتوزيعها وهكذا".
ويوضح معمّر أن تقديم الدعم مر بعدة مراحل خلال الشهور الماضية، إذ كان خلال أكتوبر ونوفمبر كبيراً جداً، ثم انخفض قليلاً، وحالياً في أدنى مستوياته.
يقول معمّر ": "صحيح أن المدة طالت، وربما لا يمكن للمتبرعين أنفسهم أن يواصلوا ذللك طويلاً، لكن برأيي يوجد 8 ملايين عراقي فقط داخل بغداد، وفي ساحة التحرير لا يتجاوز عددهم ألفاً، وأنا أعرف أن أي عراقي في كل مكان يتمنى إحداث التغيير، فماذا لو دعم غير المتظاهر المتظاهر في الواجهة؟ هذا ليس بالأمر المستحيل".
وتعرض للتهديدات أكثر من مرّة، وأيضاً بوصف أمّه المتوفاة بـ"الرفيقة أي البعثية" وباتهامه بأنه "جوكري مدعوم من سفارات أجنبية"، يقول معمّر "أمي توفيت وهي لا تقرأ أو تكتب. وكل التهديدات تصلني عبر الماسنجر، لذا لا أهتم لها".
بين فينة وأخرى يحدث تعاون بين خيم الدعم في ساحة التحرير، يقول معمّر "حين يتوفر لدي أي نوع من الطعام أعطيه لخيمة أخرى تحتاجه أو أقدم أدوية للمفارز الطبية، وفي إحدى المرّات وصلني مكبر صوت وأنا لا أحتاجه فأعطيته لخيمة أخرى".
وهو حريص على التعاون مع خيم بعينها لا الجميع، يقول معمّر "العديد من الخيم تابعة لأحزاب".