عبد القدوس قاسم... لا وداع معك أبداً...!

Saturday 14th of March 2020 07:47:42 PM ,

الحريات اولا ,

فارس كمال نظمي
هو الفن والفلسفة والسياسة مجتمعةً في عقل طاهرٍ من آثام التطرّف والتعصب والتحامل. كان مصاباً بدهشة اكتشاف الأفكار والمعاني التي لا تخبو، وبعفة اللسان الذي لا يهجو حتى خصومه البذيئين، وبالقبول المطلق بالآخر أياً كانت عقيدته أو هويته، وبالتمهيد لوطنٍ يحقق كرامة الجميع.

هكذا كان عبد القدوس، هذا القديس القادم إلينا من بوابات الزمن الرافديني الغابر، ليقف بيننا لوهلة قصيرة فحسب، إذا كان يعرف بحسه الفطري وبنزعته التمردية المسالمة أن مكوثه قصير، بل قصير جداً.
كان يعرف قاتليه سلفاً، وكان ينتظرهم منذ سنوات، ومع ذلك ظل مندهشاً من بؤسهم ورثاثتهم وجرائمهم، وربما كان يشفق عليهم في دهاليز عقله الممتلئ حباً لكل الناس ولكل شيء.
هل سيحيا بعد موته؟ نعم سيواصل حياته في هذه الدنيا وفي هذه البلاد. سيبقى ماثلاً هنا في العراق، وفي العمارة، في ذكريات أولاده وأصدقائه وأتباعه والمتأثرين بشخصيته الفريدة والمتفردة. سيبقى يمنح من استوطن في ضمائرهم إلى الأبد فكرة واحدة مشعة قادرة على إحيائهم مع كل يأس أو إحباط: «ليس مهماً كم نعيش، بل كيف نعيش، ودون أن نفقد للحظة واحدة جرأتنا أن نعيد اكتشاف أنفسنا دون أن نخونها، وأن نسمي الشرور بأسمائها دون أن نشتمها..! »
أيها القدوس العفيف المستوطن عميقاً في المستقبل: سيرحل القتلة الخائبون ومن وراءهم في ليلة مكفهرة، وسيظل أولادك وناسك يرفعون رؤوسهم بك نحو الشمس اليوم وغداً وفي كل الأيام...!