دروع لا تقي من الرصاص وخوذ بلاستيكية رخيصة الثمن..سوق التجهيزات العسكرية أنعشته التظاهرات

Monday 16th of March 2020 07:08:39 PM ,

الحريات اولا ,

 أيوب حسن
خلف جدار إسمنتي وضع لحمايتهم منذ سنوات، يعرض باعة التجهيزات العسكرية بضاعتهم وهم يجلسون على كراسيهم التي وزعوها على أبواب محالهم التجارية، وحال سماعهم صوت انفلاق قنبلة دخانية تسقط على الأرض أو رشقة “رصاصٍ حي” يقفون بحماس لاستقبال المتظاهرين الذين يسألون عن الدروع.

“اسرع ناولني خوذة ودرع” صوت لشخص خرج مُسرعاً من أحد الشوارع المتفرعة عن ساحة التحرير قاصداً محال بيع التجهيزات العسكرية حاملاً بيده مبلغ (25) ألف دينار ليأخذ فيها واقية للصدر وخوذة من النوع العادي يحمي بها رأسه من القنابل الدخانية قبل أن يعود الى الساحة.
لم يسأل المتظاهر نفسه إن كانت تلك الخوذة ستقيه الرصاص الحي والقنابل الدخانية ، أم إنها مجرد قماش ستخترقة أول رصاصة مصوّبة باتجاهه، فهو لا يملك سوى مبلغاً متواضعاً ويحاول أن يحمي نفسه بشراء درع واق من الرصاص حتى وإن كان درعاً مزيفاً .
“الخوذة والدرع والكمامة وفلتر الأنف” هما الإيقونات الرئيسة لسوق التجهيزات العسكرية في منطقة الباب الشرقي وسط بغداد والمواد الرئيسة المستخدمة في ساحات التظاهر في العراق.
هذا السوق لم يأبه أصحابه لكل ما يجري حولهم، ولم يتوقفوا عن نشاطهم اليومي باختلاف الظروف، معتبرين التظاهرات مصدر رزق قد لا يتكرر لهم لا سيما مع ارتفاع الطلب على الخوذ والدروع الواقية للرصاص في الشهور الماضية وقرب محالهم من ساحة التحرير إذ لا يفصل بينهم وبينها سوى 200 متر فقط.
يبتسم علي الشاب الثلاثيني وسط هذا الضجيج من الحركة ويردد عبارة “مصائب قوم عند قوم فوائد” ثم يكمل “لم نشهد إقبالاً على الستر الواقية من الرصاص والخوذ وكمامة الفلتر من قبل مثلما حدث في الأشهر الثلاثة الماضية.
وقبل أن يستمر في الحديث قاطع كلامه شخص على عُجاله طالباً منه خوذة أصلية كونه ممن يتواجدون في مناطق خط التماس مع القوات الأمنية وممن يتعرضون لإطلاق الذخيرة الحية.
أخرج علي بسرعة خوذه جيدة لا يقتنيها أو يطلبها إلا منتسبو القوات الأمنية في الأماكن الحساسة، تلك الخوذة سعرها مائة دولار، إذ عرضها عليه بطريقة تسويقية وجاذبة مردداً له عبارة “خذها إنها مبطنة ولن يخترقها الرصاص”.
لكن هل يُعقل أن يكون هذا الشخص متظاهراً ليطلب احتياجات الأمان بهذه الأسعار، لكن صاحب المحل عرف عن طريق الاستفسار من زبونه بأنه صحافي ميداني يوثق لوكالات وصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي ولا يمتلك عُدة لحماية نفسه، وحتى وإن امتلك تلك العدة يتم مصادرتها أثناء تنقله في شوارع العاصمة بغداد على خلفية القوانين الوقتية التي تصدرها القيادات الأمنية مع كل تصعيد في موجة الاحتجاجات الجارية حالياً.
مشهد آخر لامرأة أربعينية لبقة اللسان أثناء حديثها مع صاحب المحل قالت له “احتاج الى عشرين خوذة وواقية صدر كم سيكون سعرهم”؟ ثم بدأت بالتفاوض على السعر للحصول على عرض جيد.
“ناهدة” تلك المرأة التي تحمل تبرعاً بمبلغ معين لشراء الدروع الواقية لبعض زملائها من الصحفيين تحدثت بحذر شديد وصوت منخفض في سوق يرتاده الرجال بنسبة 95 %، ويتواجد فيه عناصر أمنية ومسلحة مختلفة، “أنا صحفية وأرى زملائي الصحفيين هم الأكثر عرضة للخسائر في ظل موجة الاحتجاجات الجارية في البلاد لهذا ارتدت السوق لأجلهم” قالت قبل أن يخبرها صاحب المحل بتجهيز الكمية التي طلبتها في اليوم التالي.
على وقع ضجيج دخول موجة من المتظاهرين باتجاه الساحة غادرت ناهدة على عجالة وخشية الوقوف لوقت أطول في سوق يزدحم بحركة الرجال ويجاوره ساحة تظاهر متسارعة بأحداثها.
سوق التجهيزات العسكرية يزدهر بمبيعاته وحركة رواده بين حين وآخر ثم يصيبه الكساد عند استقرار الوضع الأمني في البلاد وتباع فيه حتى الملابس المستعملة أحياناً بسبب موقعه القريب من مناطق شعبية، بعض تلك الملابس من مخلفات الجيش الأميركي، لكنه اليوم وللشهر الثالث على التوالي لم يشهد توقفاً لحركة البيع ويضم دروعا من مناشئ رديئة وأخرى عالمية.
وبعد ساعات طويلة من استقبال الزبائن يجلس أصحاب المحال لتدخين الأركيلة وتجاذب أطراف الحديث حول ما سمعوه من أخبار وأحداث وقعت في ساحة التحرير رواها لهم متظاهرون من زبائنهم.