مع الاستاذ يوسف ذنون.. صداقة نصف قرن

Wednesday 11th of November 2020 06:12:26 PM ,
4809 (عراقيون)
عراقيون ,

د. ابراهيم خليل العلاف

منذ اكثر من نصف قرن ، والاستاذ يوسف ذنون (رحمة الله) عليه .. صديقي ، وأخي وكثيرا ما كان يزورني عندما كنت رئيسا لقسم التاريخ بكلية التربية أو مديرا لمركز الدراسات التركية – الاقليمية – جامعة الموصل .ومن قبل ذلك كنت ازوره في داره القديمة وفي داره الجديدة وفي مركزه ، وظلت علاقتي به وثيقة حتى وفاته .

كتبت عنه في حياته ، وهو يعرف ذلك وكنا نتهاتف باستمرار ، ولي عنه اكثر من مقال وكتبت عن مؤلفاته ، وكتبت عن الكتب التي صدرت عنه وكنت دائما اقول انني لست من الذين يذهبون إلى أن الرواد والعلماء والمبدعين يذكرون بعد رحيلهم ، وإنما مع الذين يكرمون هؤلاء في حياتهم. وكثيرا ما أشدد على ذلك ، وأقول لأصحابي إن مما يؤسف له أن الناس – وخاصة في بلدي العراق – تعرض عن النوابغ حال كونهم معاصرين لهم ، فإذا ماتوا تعرف حينئذ أقدارهم وتطلب آثارهم .المبدع عندما يرى الناس في حياته وهي تذكره وتشيد بانجازاته يزداد رغبة في تقديم الجديد والمفيد ،ويشعر بان ثمة من يتابعه ويريد منه أن يقدم شيئا .

يوسف ذنون من مواليد الموصل سنة 1931..مرب ، وخطاط ،وباحث، وكاتب لايشق له غبار.. ساح وجال في معظم الدول العربية . أنجز مشاريع مهمة على صعيد إصدار طبعات أنيقة للقران الكريم، وكتاباته عل جدران مساجد العراق والوطن العربي أكثر من أن تحصى ،وكلما دخلنا مسجدا أو جامعا طالعتنا في أواخر الخطوط تواقيعه "يوسف " برقة وجمال .

والان وبعد وفاته ، كان لابد ان اتابع ما كتب عنه ، وصدر وقد حرصت على ان افيد مما كتب عنه، أو ممن حاوره وممن حاوره الاخ الاستاذ ناصر الخالدي وقد نشر الحوار في جريدة (الانباء ) الكويتية عدد الأربعاء 8 مايو- أيار سنة 2013 .

والشيء الجميل في هذا الحوار انه أي الاستاذ يوسف ذنون تحدث عن نفسه . ومما قاله بالحرف الواحد : "ولدت في مدينة الموصل سنة 1931 في منطقة باب الجديد، وقد درست القرآن الكريم عند (الملا) أي في الكُتاب، والحقيقة أن هذا الأمر أفادني كثيرا، ومن بعد ذلك دخلت المدرسة الابتدائية في مدرسة ابن الأثير للأحداث، واستمر ذلك حتى الصف الثالث الابتدائي ، ثم بعد ذلك نقلت إلى مدرسة باب البيض للبنين ثم انتقلت للمتوسطة الغربية ، وبعدها الإعدادية المركزية، وقد استفدت خلال دراستي إلى جانب أنني تعلمت الكثير من العلوم، واستطعت صقل مواهبي، وفي سنة 1950م تخرجت لأدخل بعدها ( دار المعلمين) لرغبتي في دخول هذا الميدان لأنني أؤمن بأن للعلم مكانة ، وأن الأمة لا يمكن أن تنهض دون أن تهتم بالعلم والتعليم، وعينت معلما في قرية (المحلبية) التابعة لقضاء الموصل" .

اعود الى كتاب الاستاذ فوزي عفيفي لأقول ان في الكتاب، ترجمة للفنان المبدع يوسف ذنون بقلمه ..انه يوسف ذنون عبد الله ألنعيمي ..درس في الموصل وعمل معلما ومسؤولا عن الخط العربي في مركز النشاط المدرسي هناك. وعندما أحال نفسه على التقاعد في الأول من تشرين الثاني – نوفمبر سنة 1981 .. كان مشرفا تربويا اختصاصيا في شؤون الخط والتربية الفنية ، وبعد تقاعده تفرغ للخط واشتغل خبيرا للمخطوطات في العراق .

تتلمذ على يد الخطاط التركي الكبير حامد الامدي ، ونال الإجازة منه ويقول الاستاذ يوسف ذنون عن هذه المرحلة من حياته وعلاقته بالخط العربي :" الإجازة الأولى التي حصلت عليها من الخطاط التركي حامد الآمدي ، لم تكن نهاية المشوار بل كانت بداية الانطلاقة" . وعندما سأله المحاور عن كيفية تطوير هوايته في مجال الخط ووصوله الى الابداع فيه قال :" كان التميز من خلال الاعتماد على طريقة خاصة بدأت بها مشواري، وهي رسم الحروف بقلمين ثم تلوينها، وهذه البداية المتواضعة جعلتني أمام خيارين : إما أن أعتني بها لتكبر وإما أن أتجاهلها لتموت، فقررت الاهتمام بها ولذلك سرعان ما وجدتني أسعى إلى وسيلة التثقيف الذاتي في كل الأنماط، فنمت لدي النواحي الأدبية والتاريخية والفنية واستطعت أن ألمّ بحصيلة جميلة من هذه النواحي، وهذا الأمر ساعدني كثيرا فيما بعد لأن الثقافة بوابة من خلالها يستطيع الإنسان أن يدخل على كل المجتمعات وأن يتواصل مع العالم بشكل مباشر" .

ويتوسع في سرد قصة حصوله على الاجازة من الاستاذ حامد الامدي فيقول : " سعيت لمعرفة المستوى الذي حققته في الخط العربي فسافرت إلى مصر لعلّي أشارك في امتحانات مدارس تحسين الخطوط وكان ذلك سنة 1963م، ولكنني واجهت بعض المعوقات من بينها لزوم الدوام هناك ، والامتحان بعد ذلك، وهذا يتعارض مع وظيفتي كمعلم. لم تنجح محاولاتي الكثيرة فقررت الذهاب إلى تركيا وذلك لوجود بعض الخطاطين من البقية الباقية من العهد العثماني إلى ذلك الوقت، وكان على رأسهم الخطاط المبدع حامد الآمدي رحمه الله، فعرضت عليه نماذج من خطوطي الشخصية ، فأعجب بها لأنني لم أقلد أي لوحة من كتابات غيري من السابقين ، بل كانت كتاباتي من بنات أفكاري. ومع هذا فقد خضت اختبارات عديدة منها أن الخطاط الرائع حامد الآمدي طلب مني أن أكتب أمامه ليتأكد من إمكانياتي الحقيقية ، فكنت أكتب بسلاسة ، وبسرعة الكتابة الاعتيادية، والمعروف عندهم آنذاك أن الخط يكتب ببطء شديد ، ولذلك قال لي : " أنت تستحق الإجازة" . ولم أكن قد أعددت لوحة للإجازة فأخذ، رحمه الله، واحدة من لوحاتي التي قدمتها بين يديه ، وكان في أسفلها فراغ بسيط فكتب لي فيها إجازته لي بالخط وكانت تلك هي الإجازة الأولى" .ويضيف ليقول :" و بعد الحصول على الإجازة الأولى تتابعت مراجعاتي للخطاط حامد الآمدي في اسطنبول لاكتساب خبرات اكبر منه .. وفي سنة 1969م منحني ما أسميه تقديرا منه ، وما يعد بمنزلة إجازة ثانية لي يشيد فيها بتميزي بالخطوط المختلفة التي كنت أجيدها كلها تقريبا " .

ارتبط الاستاذ يوسف ذنون بعلاقات طيبة مع خطاطين كبار منهم هاشم البغدادي، ومحمد إبراهيم الاسكندراني ، ومحمد حسني المصري، ، ومحمد بدوي الدبراني الدمشقي ،ونجم الدين اوقياي التركي ، وأبو بكر الساسي الليبي ، واحمد ضياء الدين المدني السعودي ، وعبد الحميد اسكندر الجزائري وغيرهم.

كانت للاستاذ يوسف ذنون خبرة جمة في الآثار الإسلامية والعمائر الدينية ويرجع إليه طلبة الدراسات العليا للاستشارة والاستفادة .كما انه عالم في تحديد اتجاه القبلة ،وقد حاضر في جامعة الموصل وفي أقسام الآثار واللغة العربية .وله دراسات في المخطوطات ونشر دراسات وبحوث في التراث الموصلي والعربي والإسلامي والعالمي، وشارك في تأسيس جمعيات للتراث العربي والخط العربي وترأس بعضها وخاصة في الموصل .وقد أقام معرض كثيرة للخط في داخل العراق وخارجه .كما أقام دورات تدريبية للطلبة في الخط على مدى 40 عاما .قد نال العيد من التقديرات والجوائز التكريمية .له من الأبناء والبنات 14 كلهم ناجحون في حياتهم ومنهم من هو أستاذ في كلية الهندسة وهو الدكتور عمار ومنهم من هو ضابط في القوات المسلحة أو موظف في الحكومة .

( كتب الدكتور ابراهيم العلاف الكثير عن الراحل يوسف ذنون ، وقد اخترنا هنا بعض الفقرات مما كتبه) .