نهاية العام.. ارتفاع بورصة التنجيم!!

Wednesday 30th of December 2020 06:51:21 PM ,
4843 (حكايات واحداث)
عراقيون ,

ميادة سفر

هي أشبه ما تكون ببورصة حقيقية، لكنها لا تبيع إلا الأوهام!.. تستعر وتنتشر مع نهاية كل عام كما لو أنها جائحة أو حمى أو وباء!.. تحتل شاشات التلفزة وأثير الإذاعات، تضج بأبطالها وبطلاتها معظم وسائل الإعلام، وتبدأ إعلانات ظهورهم على مدار الساعة، تدعو الناس للمتابعة والمشاركة باتصالات مأجورة طبعاً،

لمعرفة ما يخبئ لهم الحظ والمستقبل، فضلاً عن التنبؤ بأحداث تخص دولاً وسياسيين ومشاهير وظواهر طبيعية وكوارث وأوبئة وكل ما يمكن أن تجود به قريحة "بائعي الوهم"، أولئك الذين يعتاشون على جماعة من بعض"قليلي الوعي" أو ممن يشترون الوهم، أو ممن يتعلقون بقشة، تماماًكالغريق!.

على الضفة الأولى، منجمون ومنجمات وضاربو كف ومندل وغير ذلك من صنوف "استهبال" الناس!.. يسيل لعابهم كي يتلقفوا أولئك الهاربين من ضغوطات الحياة ومشاكلها في نهاية عام وبداية آخر، يتسمّرون أمام شاشات التلفزة، والإذاعات ووسائل التواصل الاجتماعي، باحثين عمن يقدم لهم جرعة من أمل تعينهم على مواصلة أيامهم القادمة.

وعلى الضفة الثانية، صناع الإعلام الذين يستغلون تلك الظاهرة ويستثمرون فيها على نحو أصبحت أولوية على جدول برامجهم ليس في نهاية العام فقط، إنما على مدار العام من خلال تخصيص فترة محددة يومية للحديث عن الأبراج وتلقي الاتصالات، وتخصص كل قناة وإذاعة بمنجم أو عالم فلك أو خبير كما يحلو لكل منهم تسميته ووصفه، وتحجز الجرائد والمجلات زاوية يومية تمكنك عزيزي القارئ من معرفة حظك اليوم لتؤسس عليه عملك وطريقك، ولجذب مزيد من المشاهدين والجمهور والمتابعين يستعرضون ما يعتقدون أنه تحقق من توقعات منجميهم ويعيدون بثها وكأنها حقائق مثبتة لا سبيل للنقاش فيها أو الجدل حولها!.. إلا أنه لا بد من الاعتراف أن ما يحصل على مدار العام، لا يمكن تشبيهه بحمى صعود نجم التبصير والتنجيم في نهاية العام!.

أما أولئك الذين يتهافتون على القراءة والاستماع والمشاهدة وشراء الكتب التي تغص بها المكتبات، ويحمل كل منها عنواناً مختلفاً عن الآخر وفقاً لاستراتيجية مؤلفه ورؤية دار النشر التسويقية والترويجية والربحية.. أولئك، ومع مطلع العام والدخول في شهوره الأولى، تبدأ خيبات الأمل عندهم بالتورّم، مع استفاقتهم ومعرفتهم أنهم اشتروا الوهم والأحلام المزيفة!.. يكتشف الكثيرون تلك الكذبة الكبيرة والمزحة السمجة التي وقعوا ضحيتها، يخرجون من دائرة تلك اللعبة ليدخل سواهم كل عام ويشتروا الخديعة نفسها والوهم نفسه، وفي خضم كل تلك التبدلات يكون المستفيد الوحيد والأساسي، المنجم وأصحاب الوسائل الإعلامية الذين ينطبق عليهم وعلى المشترين القول "رزق الهبل على المجانين"!.

ظاهرة التنجيم ليست جديدة في حياة الشعوب، ولا تقتصر على شعب دون آخر، أو حضارة دون أخرى، بل رافقت الشعوب منذ القدم على اختلاف ثقافاتهم وبيئاتهم ودرجة وعيهم ومستواهم العلمي والثقافي، لكن تطور وسائل الاتصال في العقود الأخيرة أسهم في سعة انتشارها وإيصالها إلى أكبر عدد من المتابعين.

تاريخياً، كان السومريون من أوائل الشعوب التي اهتمت بالفلك والنجوم والتنبؤ بالكوارث والحروب وغيرها، كذلك الفراعنة والفرس والإغريق، وامتدت هذه الطاهرة لتشمل الصينيين والهنود في القرون الوسطى.. ولا نغفل هنا أن العرب القدماء درسوا حركة النجوم والأفلاك وتأثيرها على بعض الظواهر الطبيعية، وربما على البشر.

المفارقة اليوم تبدو في أن المشتغلين في هذا المجال بعيدون كل البعد عما يمكن تسميته بعلوم الفلكوالنجوم إلا القلة القلية منهم، إن وُجِدتْ!.. إذ يكفي أن يحظى أحدهم/ إحداهنّ بصفة عراف أو قارئ كف أو ضارب مندل، ليصول ويجول دون حسيب أو رقيب، مستثمراً في الأحوال السيئة والخيبات التي تعيشها كثير من الشعوب، وليجد في كثير من الشرائح ضالته كصيد ثمين!.. أرضاً خصبة يبذر فيها كلاماً معسولاً منمقاً، موشّى بكثير من الثرثرة المجانية التي يحشوها بما لذّ وطاب من الأوهام والرجاءات والآمال والأحلام ما يكفي ليسوق خلفه جحافل من البشر ممن أقفلت في وجوههم الأبواب وسدت أمامهم الطرق.

حملات منظمة، وبلا هوادة، يشنها الجهل ضد العلم، بواسطة أشخاص لا يفتقرون للذكاء: المنجون والعرافون الذين يقدمون أسماءهم مسبوقة بكلمة "عالم"!.. عالم؟!.. لم ينل من العلم شيئاً في كثير من الأحيان!.. واقع يشي بكثير من الفساد العقلي والمعرفي الذي ينتشر بين الناس، كي يبقى السؤال معلقاً: إلى متى سنظل نلاحق أوهاماً تذر في أعيننا كالرماد؟!!.