مئوية تأسيس الجيش العراقي..من ذكريات عسكري قديم ..هكذا التحقت بوزارة الدفاع سنة 1921

Sunday 3rd of January 2021 07:32:00 PM ,
4844 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

طاهر الزبيدي

بعد وصولنا بغداد بثلاثة أيام وفي اليوم التالي راجعت شعبة التسجيل في مديرية الادارة في وزارة الدفاع التي قد اتخذت من بناية تشرف على سوق الهرج في الميدان مقراً لها لتسجيل الضباط القادمين من تركيا ومن الحجاز ومن سورية يضاف الى هؤلاء الضباط العراقيون الذين لم يرافقوا الجيش العثماني عند انسحابه من العراق أمام القوات البريطانية.

من اوائل الضباط العراقيين

بعد أن تم تشكيل الجيش العراقي في 6/كانون الثاني /1921، اخذت الحكومة العراقية تتوسع في انجاز تشكيلاته وانتشرت الاخبار بين البلدان العربية ومنها سوريا بما يجري في العراق من استقلال وتكوين جيش وقد سرت هذه الاخبار بسرعة البرق، فهزت مشاعر العراقيين الذين كانوا يتلهفون للعودة للوطن ويملأ الحقد قلوبهم ضد الفرنسيين والانكليز مغتصبي السلطة فعاد البعض منهم بالبواخر عن طريق البحر الاحمر، وعاد الآخرون عن طريق البر على الرغم مما تكتنفه من صعاب نظراً لقربه من الوطن ولضمان سرعة العودة وغير عابئين بالمخاطر، سواء من الفرنسيين الذين كانوا يعاملون الضباط الفارين معاملة قاسية وبالاعدام، لمن كان مختفياً عن الانظار أو من العشائر التي كانت تغزو القوافل على طول الطريق بين سوريا والعراق ومن قاطعي الطرق والسلابين، وهكذا وتحت وطأة هذه الظروف . وقد وصلت وعائلتي بغداد بعد ان وضعت والدتي وشقيقتي على هودج جمل مع امتعتهم على جمل ثان وعدت الى وطني العراق عن طريق محفوفة بالمخاطر تعرضت في اثنائها عدة مرات للموت جوعاً او عطشاً كما تعرضنا للغزو والنهب جراء مشينا على الاقدام.

وكانت وزارة الدفاع تدفع لنا 50 روبية شهرياً نحن الضباط الذين كنا قد شاركنا في حرب الحجاز وحرب سورية حتى دخولنا المدرسة العسكرية ملتحقاً بدورة تدريبية (دورة الاعوان) بعد ان فتحت وزارة الدفاع المدرسة العسكرية في الثكنة الشمالية في سنة 1921 ابتداءاً في 3/1/1922 وانتهت في 30/4/1922 وكنت اول لى اقراني الذي كان بعد ذلك في السرية الاولى وعينت آمراً لهذه المدرسة الرائد (العقيد المرحوم احمد حقي بن جبارة) اضافة الى تعيين ضباطاً معلمين من العراقيين والانكليز، فتكونت هيئة هذه المدرسة من الضباط والمراتب، فخرجت هذه المدرسة ثلاث دورات للضباط القادة والاعوان الذين ملأوا الشواغر في وحدات الجيش كلما تشكلت وحدة من وحداتها الحديثة أو حدث شاغراً في وحدات الجيش لاي سبب كان.

واشتركت في دورة ثالثة فتحت في 3 كانون الثاني عام 1922 من دورات الاعوان التي كان من المقرر أن تكون مدتها ثلاثة اشهر، وكان مجموع الضباط الذين اشتركوا في هذه الدورة (86) واستمرت الدورة بعد انتهاء المدة، واستمررنا في التدريب حتى شغرت في الجيش مناصب لخمسة ضباط فجرى امتحاننا وقد تفوقنا بالنجاح نحن الضباط الخمسة .

ولاجل انتقاء ثلاثة ضباط من الناجحين لصنف الخيالة فأجتمع في غرفة مساعد ناظر المدرسة كل من آمر المدرسة الرائد احمد حقي عبد الجبار وناظر المدرسة الكابتن باستر ومفتش الخيالة الميجر بروميلو وآمر فصيلنا الملازم اول رشيد علي قادنا الى غرفة مساعد الناظر، ووقفنا خارج الغرفة ننتظر مناداتنا، فنودي علي أولاً بصفتي الخريج الاول واول ما دخلت غرفة الاجتماع واول ما وقع نظر مفتش الخيالة الميجر بروميلو علي قال هذا خيال نظراً لطول قامتي فاجبته لا اريد ان اكون ضابط خيال، فأجابني أنك ستكون أحسن ضابط خيال، فقلت له : ويمكن ان أكون أحسن ضابط مشاة فعاد وسالني ما هو صنفك الذي كنت فيه في الجيش العثماني، فاجبته : كنت ضابط هندسة (استحكام) فرد علي قائلاً : لا يوجد الآن تشكيلات لصنف الهندسة في الجيش العراقي وعليه تكون وانتخبناك لصنف الخيالة، فرفضت واصريت على رايي لاكون ضابط مشاة، فاغتاظ وقال بشدة لم ترفض ان تكون ضابط خيال ؟

فأجبته : انني لم أتعود منذ صغر سني ركوب الحمير، فكيف بي ان اركب الخيل الآن وقد وصلت وعائلتي بغداد بعد ان وضعت والدتي وشقيقتي على هودج جمل مع امتعتهم على جمل ثان وعدت الى وطني العراق عن طريق محفوفة بالمخاطر تعرضت في اثنائها عدة مرات للموت جوعاً او عطشاً كما تعرضنا للغزو والنهب جراء مشينا على الاقدام. ((شلكم علي)) هل تريدون أن تكسروا رقبتي، وكان الآمر المرحوم أحمد حقي عبد الجبار يعرفني حق المعرفة وكان صديقاً لاخي جميل لطفي محمد وابن صفه، فتبسم وكانت كلمتي هذه بمثابة (نكتة) للتخلص من الانتماء الى صنف الخيالة، فما كان من الميجر بروميلو الا وصاح بي إذ تبقى في الدورة وتحت التدريب، وامرني بالوقوف في زاوية الغرفة ونودي على الثاني في النجاح وكان الملازم الثاني محمد علي سعيد وكان هو ورفقائي الآخرون يسمعون ما دار بيني وبين هيئة الأنتقاء المجتمعين الذي انتهى بأبقائي في الدورة وعدم تخرجي حسب قرارهم وعندما سالوه عن صنفه في الجيش العثماني، قال لهم : كنت خيالاً والآن أيضاً أروم الانتماء الى صنف الخيالة، فاوقفوه الى الجانب الآخر من الغرفة ثم نودي على الخريج الثالث وهو الملازم ثاني حسين وصفي امين وسألوه عن صنفه السابق ايضاً، فاجابهم كنت ضابط زاندرمة (درك) والآن شتردون اصير فأوقفوه الى جانب الملازم محمد علي سعيد ثم نودي على الخريج الرابع وهو الملازم اول احمد حمدي زينل وقبل ان يسألوه عن صنفه قال أنا أيضاً كنت ضابط (درك) وامري بيدكم فاوقفوه مع الآخرين، وأخيراً نودي على الخامس وهو الملازم ثاني ابراهيم القاسم وفور دخوله بلغوه انه سيكون ضابط اعاشة لكتيبة الخيالة الثالثة، وأمروا آمر الفصيل الملازم الاول رشيد علي بان يستلم تجهيزات الضباط الاربعة ويرسلهم الى وزارة الدفاع بعد تزويدهم بكتاب من المدرسة يؤيد نجاحهم وتنسيب محلات تعيينهم وأمروه ايضاً أن يعيدني الى دورتي لأبقى تحت التدريب فيها، وهكذا خرجنا من لدن المجتمعين، وفي الطريق قال لي آمر الفصيل ((هاي الردتهة)) فقلت له : غصباً عنهم انا اتخرج واخذ حقي بصفتي الخريج الأول في الدورة، فذهب بالأخوة الضباط الأربعة ونفذ الامر الذي تلقاه بحقهم وبعد مدة ساعة ونصف جاءني وناداني فقلت له : ما الخبر أبا موفق ؟ فقال متمثلاً بالمثل التركي (عنادم صاغ اولسون) وترجمة ذلك : فليعش اصراري وليبقى عنادي نافذاً، يالله اتفضل سلم تجهيزاتك وهذا كتابك الى مديرية الادارة في وزارة الدفاع لتنسيب تعيينك في أحد وحدات المشاة. فبعد ان سلمت تجهيزاتي وملابسي اخذت كتاب تخرجي وذهبت الى مديرية الادارة في وزارة الدفاع فنسبت الى الفوج الاول (فوج موسى الكاظم) .

من كتاب (من حافة التاريخ المخطوط)