عالم الدين الكبير ودفاعه الشهير عن ناظم الزهاوي

Wednesday 27th of January 2021 09:35:54 PM ,
4861 (عراقيون)
عراقيون ,

د . مجول محمد العكيدي

في عام 1946 بلغ الشيخ امجد الزهاوي العالم الديني الكبير وابن عم الاستاذ ناظم الزهاوي السن القانوني للتقاعد وكانت هذه فرصة للتخلص منه من قبل الجهات المسؤولة بسبب التصلب الذي عرف عنه في مواقفه تجاه تدخلات بعض الساسة العراقيين في عمله

وقد استخدمت تلك الجهات اساليب عديدة لكي تجعله يترك العمل منها عدم ترقيته وابقاء راتبه كما هو ستون ديناراً ولمدة أحد عشرة عاماً،(كما كان للجهات المسؤولة اغراض عديدة لاخراجه من عمله أدرك الزهاوي وبعد ان رأى في مواقفه المتصلبة في بعض القضايا التي أنتصر فيها للحق بانه اصبح محارباً لذلك قرر تقديم تقاعده وكان ذلك القرار موضع استغراب الاوساط القانونية والصحفية التي أثارت ضجة ابرزها المقال الذي كتبه خالد الدرة بعنوان (لمحات امجد افندي) في مجلة الوادي جاء فيه .. ((من هو الرجل الذي اخرجته الحكومة لبلوغه سن التقاعد ؟ ! لقد اخرجت استاذ العراق الكبير الذي ينعم بنزاهة الصالحين من رجال الدين ، وهو رمز للعلماء والاخصائيين بالشؤون الشرعية الفقهية والذي نشهد له وشهد له رجال العدل معنا بان القضاء العراقي بحاجة ماسة اليه الى آخر لحظة من لحظات حياته لقد أحالوا السيد الزهاوي على التقاعد وقد خسر القضاء العراقي خسارة لا تعوض .. كان الواجب على الحكومة ان تحتفظ بهم ريثما تتمكن من تهيئة من يقوم مقامهم من امثال الزهاوي والاستاذ داود سمرة..)) الذي كان من ضمن الحكام والقضاة الذين تم الغاء درجاتهم القانونية من قبل وزير العدل احمد مختار بابان الذي اصدر بياناً بهذا الخصوص وحدد درجة كل حاكم او قاضٍ حسب راتبه وقد شمل ذلك البيان خمسة عشر قاضياً .

وبعد احالته على التقاعد من رئاسة مجلس التمييز الشرعي (السني)( عرض شفيق العاني وكان عضواً في مجلس التمييز على وزير العدل فكرة ارجاع الزهاوي الى عمله فطلب وزير العدل من شفيق العاني الذهاب الى الزهاوي وان يطلب منه تغير تاريخ ولادته وبعد ذهاب شفيق العاني الى الزهاوي عرض عليه الفكرة الا ان الزهاوي لم يوافق وقال له :

((اذ فعلت هذا ، فمعنى ذلك اني اكذب والدي لانه هو الذي سجل تاريخ ولادتي وهذا ما لا أستطيع فعله)) وبعد عودة شفيق العاني الى وزير العدل واخبره جواب الزهاوي اقترح شفيق العاني اصدار ارادة ملكية تقضي بتعيين الزهاوي عضواً دائماً في محكمة تمييز العراق ومن ثم يتم تنسيبه الى رئاسة مجلس التمييز الشرعي (السني) وبعد عرض تلك الفكرة على الزهاوي رفض بقوله ((أنا لا اعمل تحت أمرة كافر هو المستر يرجر (Yarjar) الانكليزي)).

دفاعه عن ناظم الزهاوي .

أحيل ناظم الزهاوي الى المحاكمة في الاول من أيلول 1946 وكان السبب في ذلك عائداً في الاساس الى قيام ناظم الزهاوي بنشر مقالاً في جريدة السياسة( ناظم الزهاوي « مذبحة كاروباغي « جريدة السياسة (بغداد) العدد (10) ، 18 تموز 1946) هاجم فيه حكومة ارشد العمري رئيس الوزراء بسبب المذبحة التي وقعت في كركوك بين عمال شركة النفط بعد ان قامت الشرطة باطلاق الرصاص على عمال تلك الشركة الذين تظاهروا في حديقة (كاروباغي) مما ادى الى مقتل خمسة اشخاص وجرح اربعة عشر شخصاً واصابة تسعة اشخاص من الشرطة كان دفاع الزهاوي عن ناظم الزهاوي قد اثار جدلاً في الاوساط القانونية والسياسية وكان مثار ذلك الجدل : (( كيف يدافع عالم ديني معروف بتقواه وورعه وزهده عن رجل كان متهم بنشر الماركسية الشيوعية)) ؟ وظهرت عدة تفسيرات لذلك منها ما برر دفاع الزهاوي عن حرية الرأي ومنها فسر ذلك لصلة القربى التي كانت تجمع الزهاوي بالزهاوي المتهم أي كانت تجمع بين الاثنين وحدة اللقب يمكن ان نرجع الرأي الذي اكد على ان الزهاوي قبل الدفاع عن ناظم الزهاوي انطلاقاً من ادراك الزهاوي بان البلاد كانت تواجه وضعاً لا يحترم حرية الفكر فضلاً عن الحاح والدة ناظم الزهاوي على الزهاوي في اثناء زيارتها اليه في داره وتوسلها اليه للدفاع عن أبنها في قضية تخص الصحافة ليس الا كانت قضية ناظم الزهاوي هي أول وآخر قضية توكل فيها الزهاوي بعد احالته على التقاعد ولذلك قام بتجديد اجازة ممارسة المحاماة التي كان قد الغاها عام 1933 بعد توليه مهام رئاسة مجلس التمييز الشرعي السني ، وفي الثالث من ايلول تشكلت المحكمة الكبرى في بغداد برئاسة القاضي احمد طه وعضوية محمد الهاشمي ومحمد الشماع وكانوا حكاماً من الدرجة الاولى ومأذونين بالقضاء من قبل البلاط الملكي ، وتشكلت هيئة الدفاع عن المتهم ناظم الزهاوي ومعه عبد الله مسعود الذي نشر هو الآخر مقالاً في العدد نفسه ، وكذلك شريف الشيخ وتألفت من تسعة وثلاثين محامياً ومنهم فضلاً عن الزهاوي عزيز شريف وعبد الجبار العبيدي وعبد الصمد الراوي وآخرون ، وبعد الاستماع الى افادة ناظم الزهاوي ، بدأ الزهاوي بالدفاع عن المتهمين فاوضح الدواعي التي دعت الى نشر مقالاتهم بانها دواعٍ وطنية هدفوا من ورائها الدفاع عن حقوق الشعب واستنكار الاعمال التي قام بها بعض الافراد ، ومما جاء في دفاعه : (( أن الاتهام قد حدد القصد باخبار كاذبة وليس في ذلك سوء بل الظاهرة من الصحافة القيام بواجبها فان الساكت عن الحق شيطان اخرس ولا سيما من نصب نفسه لذلك . ((فخير الصحف من ترشد وخير الحكومات من تسترشد ..)) وبعد انتهاء الزهاوي من دفاعه تم اجراء المذاكرة صدر قرار المحكمة النهائي باطلاق سراح ناظم الزهاوي وحبس عبد الله مسعود وشريف الشيخ لمدة شهر واحد وبعد انتهاء هذه القضية سئل الزهاوي عن سبب قبوله الدفاع عن ناظم الزهاوي؟ وكان جوابه : (( ألم يأمرنا الله ؟ عز وجل « ان نحكم بين الناس بالعدل )وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ( بعد دراستي للقضية وجدت ان ما ورد في المقال حق لكونه ارشادياً يدعو المسؤولين الى تصحيح مواقفهم وسياستهم تجاه الشعب..)).

من رسالة ( الشيخ امجد الزهاوي )