الساعات الاخيرة من حياة الزعيم قاسم

Sunday 7th of February 2021 09:24:31 PM ,
4868 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

ترجمة : حسين الهنداوي

اعدم الزعيم عبد الكريم قاسم في قاعة الموسيقى العربية في دار الاذاعة ببغداد، والتي استخدمت كمقر لقادة التمرد ضد نظامه في 8 شباط.

لقد مات قاسم بشجاعة، فقد رفض ان تعصب عينيه، الا انه كان الوحيد، بين الرجال الذين اعدموا معه، الذي كبلت يديه الى بعضهما خلف الظهر. وكانت الكلمات الاخيرة التي اطلقها قبل اعدامه: «انكم تستطيعون قتلي، غير ان اسمي سيظل خالداً في تاريخ الشعب العراقي».

وفي فيلم الاعدام الذي بثه تلفزيون بغداد مساء يوم السبت، التاسع من شباط، (بين فيلمي كارتون امريكيين) نشاهد بالقرب من اجساد قاسم والرجال الثلاثة الآخرين، بعضاً من الآلات الموسيقية الخاصة بفرقة الاذاعة.

لقد سلم قاسم نفسه في الساعة السادسة صباح يوم السبت. لكن اعدامه لم يتم الا في الواحدة والنصف من بعد ظهر ذلك اليوم. وقبل ايقاف القتال، كما طوال كل نهار وليل يوم الجمعة 8 شباط، اشتبك في مواجهات هاتفية عديدة مع قادة «المجلس الوطني للثورة» ولا سيما مع عبد السلام عارف الذي اصبح رئيساً للجمهورية في حكومة الانقلاب العسكري. «بمَ تستطيعون اتهامي؟» كان قاسم يسأله بالحاح، وعارف يكتفي بالجواب «نريد منك ان تستسلم...».

ولقد عرض قاسم ان يسمحوا له بمغادرة العراق طالباً ضمان انتقاله. لكنه، وبمواجهة الرفض الذي قوبل به طلبه، كان يخطط للتسلل الى نهر دجلة، الذي يمر على مقربة من وزارة الدفاع، بأمل التمكن من الوثوب الى قارب سريع يمكنّه من الانتقال الى خارج بغداد. الا ان الوزارة كانت تحت القصف من كل جانب كما ان قوة من الشرطة كانت قد استولت على قاربه أصلاً. وامام استمرار القصف على وزارة الدفاع عادت المجادلات الهاتفية بين قاسم وعارف. فالزعيم قاسم يطلب ان تضمن له حياته وعارف يجيب «وهل ضمنّا حياة فيصل؟» (ويقصد فيصل الثاني ملك العراق الذي قتل في 14 تموز 1958) .

وعندما توقف القتال وبدأ المظليون يتوغلون باحتراس داخل وزارة الدفاع بغرض اعتقال قاسم والمجموعة الاخيرة من الاوفياء له، كان قاسم موجوداً في المسجد داخل وزارة الدفاع. غير ان العسكريين المتوغلين لم يقدموا على اعدامه في الحال انما اقتادوه الى دار الاذاعة في بغداد ومعه العقيد فاضل عباس المهداوي (الرئيس السابق لمحكمة الشعب) والعقيد طه الشيخ احمد والرئيس الاول خليل كنعان.

استجواب مأساوي وخاطف في الاذاعة، بدأ عبد السلام عارف بنفسه استجواب الزعيم قاسم، وكان استجواباً، حسب رواية العديد من الشهود، خاطفاً ومأساوياً في ذات الوقت. فكل ما كان يهم عارف في الاستجواب هو ان ينطق قاسم امامه انه، اي قاسم، «لم يكن القائد الحقيقي لثورة 14 تموز 1958»، وانه «خان الثورة».. وبينما كان المجلس العسكري المجموع على عجل، في احدى قاعات الاذاعة يجهد لتلبيس اعدام قاسم ورفاقه الثلاثة لباساً قانونياً، كان الضباط الصغار يتشاجرون فيما بينهم لنيل “شرف” رئاسة المجموعة التي تتولّى قتل عبد الكريم قاسم. وقد انتهى الامر باختيار عبد المنعم حميد على اساس انه “تعرض الى الاعتقال بأمر من قاسم”.

وفور انطلاق رشقات الرصاص التي اودت بحياة عبد الكريم قاسم والمهداوي وطه الشيخ احمد وخليل كنعان (وكان الأولان جالسان على كرسيين والأخيران واقفان) سارع راديو بغداد الى اعلان نبأ الاعدام حتى قبل ان يذيع نبأ اعتقالهم.. وهنا ايضاً جرى البحث عن شخص يستحق شرف اعلان “موت الطاغية” على الشعب العراقي. وقد جرى في النهاية اختيار بنت الزعيم الطبقجلي. لأن ابيها كان بين الذين حكم عليهم بالاعدام من قبل محكمة الشعب برئاسة العقيد المهداوي، وصادق قاسم آنذاك على قرار الحكم.

جريدة «لوموند»- في 14 شباط 1963/ من جورج هربوز، المبعوث الخاص لوكالة الانباء الفرنسية في بغداد بغداد/ 13-2-1963