ليلة الانقلاب الاسود

Sunday 7th of February 2021 09:30:03 PM ,
4868 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

قاسم الجنابي

مرافق عبد الكريم قاسم

كانت ليلة الجمعة 14 رمضان وكان الزعيم قد اعتاد ان يتجول في احياء بغداد وخاصة المناطق الفقيرة كمدينة الثورة التي كان لأهلها موقف اثير في قلبه ولم يكن هناك اجتماعات ايام الخميس والجمعة. وفي تلك الليلة قام بزيارة السيد يحيى الجدة- شقيق الشهيد عبد الكريم الجدة- وكان كثيراً ما يزوره في بيته بالاعظمية

ويشعر عنده بالارتياح وتناول طعام السحور في دار الجدة حيث كان صائماً وعندها طلب مني اخبار السيد مصطفى علي برغبته في لقائه فذهبت الى دار السيد مصطفى علي واخبرته بتلك الرغبة فقال لي سأذهب اليه في بيته . مصطفى علي كان رئيسا للجنة القانونية التي كانت تعد الدستور الدائم حيث كان الزعيم ينوي اعلان مسودته في 24 اذار 963 يوم الحرية (ذكرى الخروج من حلف بغداد الاستعماري) والذي كان ينوي ايضا في هذا اليوم اصدار قانون حرية الاحزاب للتهيؤ لانتخابات ديمقراطية حرة تعتمد التعددية الحزبية الا ان استشهاده حال دون ذلك.

كان الزعيم يسكن داراً مستأجرة صغيرة في العلوية- وعندما اخبرت الزعيم بذلك استأذن مضيفه وودعه وغادرنا الى العلوية حيث ودعني الزعيم وذهب لداره اما انا فذهبت للمشتمل الملاصق لدار الزعيم والخاص بالحماية. وفي صباح الجمعة 8 شباط اخبرني احد المراتب بوجود اناشيد في الاذاعة تدعو للتمرد فذهبت فوراً لدار الزعيم واذا به بكامل قيافته العسكرية- والغريب ان بعض الكتاب قد حرفوا بعض العبارات على لساني فمنهم من قال اني وجدته يفطر في حين انه كان صائماً ويبدو لي ان الزعيم لم ينم تلك الليلة، على اية حال فقد طلب مني الزعيم الاتصال هاتفياً باللواء التاسع عشر في معسكر الرشيد وتحدث الزعيم مع مقدم اللواء عزيز الصندوق وقال له هيئ لي سرية وانا قادم اليك ثم خرجنا من الدار بغية التوجه لمعسكر الرشيد وفي تلك الاثناء وصل الشهيد طه الشيخ احمد وقال للزعيم انا لا انصح بالتوجه الى معسكر الرشيد لوجود بعض الضباط المعادين واقترح ان نتوجه الى وزارة الدفاع حيث يمكننا الاتصال بالقطعات العسكرية بشكل افضل فاستحسن الزعيم هذا الرأي وانطلقنا الى وزارة الدفاع وعلى طول الطريق المؤدي من العلوية الى الوزارة كانت حشود الجماهير تقطع علينا الطريق تحمل صور الزعيم وتهتف بحياته وتطالب بالسلاح للدفاع عن مكتسبات الثورة وقائدها وكانت اقوى تلك الحشود الكتل البشرية المتراصة التي تجمعت قرب ساحة الخلاني (موقع امانة بغداد حاليا) حيث اخترقنا ذلك الشارع بصعوبة بالغة وكانت الجماهير تهتف وتصرخ (ماكو زعيم الا كريم). وايضا كانوا يطالبون بالحاح بتزويدهم بالسلاح لمقاومة المتمردين حيث كانت جموع الفقراء وانصار الثورة والزعيم يهتفون (يا كريم انطينا سلاح بسم العامل والفلاح) الا ان الزعيم رفض ذلك رفضا قاطعا وقال (لا اريدها مذبحة من اجلي سنعالجها) وقد استمر مسيرنا حتى قاربنا وزارة الدفاع فكانت الحشود البشرية مستمرة بالتدفق وقد ألحوا ايضا بطلب السلاح فشكرهم الزعيم وحياهم ثم دخلنا وزارة الدفاع فصعد فورا الى مكتبه وكان يتصل بالوحدات العسكرية ويعدوه بالتحرك وانهم سينفذون الامر دون جدوى. قد قاتلنا منذ صباح الجمعة وحتى ظهر السبت 9/ شباط قتالا مستميتا باسلا حتى نفذت المؤونة وانقطع الماء ونقص عدد المقاتلين وكنت أرى حالات فريدة من البطولة حيث رأيت بأم عيني ضباطنا القادة يقاتلون بأسلحتهم الشخصية مع جنودهم ومن المواقف التي لا زلت اتذكرها هو موقف الشهيد البطل عبد الكريم الجدة الذي كان كلما اصاب هدفاً للعدو الغادر كان يزغرد ويهتف للعراق العظيم وكأنه في حفلة فرح كان لا يأبه بالموت يقاتل جنباً الى جنب مع جنوده وهو قائد الانضباط العسكري لقد كان الجده من أوفى الاوفياء للزعيم الشهيد مثلما كان مفخرة للشهداء وكذلك كان وصفي طاهر الذي قاتل قتالا باسلا وكان من المقاتلين الاشداء الضابط سعيد مطر الذي ابلى بلاءً حسنا كما كان يقاتل ببطولة نادرة مع جماعة الشهيد الجده الشهيد كنعان خليل حداد. والذي أود ان اؤكده هنا ان الطائرة الاولى التي أغارت على وزارة الدفاع لم تكن عراقية وهذه الطائرة هي التي دمرت مدرج الطائرات وعرقلت حركة سرب جاهز للطيران. ومن المواقف الجديرة بالذكر اننا عندما كنا تحت وابل القصف الكثيف طلب عبد الكريم قاسم من مرافقه المرحوم حافظ علوان ان يجلب له (ملف شركة النفط الوطنية) لغرض توقيعه وفعلاً وقعه بهدوء ثم طلب من حافظ ان يعيد الملف الى مكانه قائلا (كل هذه الضجة من اجل هذا القانون) اي الجهات الاجنبية التي ضُربت مصالحها بقانون النفط الوطني الشهير هي التي حركت اذنابها المتآمرين للقيام بهذه المؤامرة وقد اثبت التاريخ صحة ذلك واعترف علي صالح السعدي امين سر الحزب والذي اصبح نائبا لرئيس الوزراء ووزير للداخلية بعد انقلاب شباط 963 اعترف بنفسه انهم قاموا بهذا الانقلاب واستلموا السلطة بقطار امريكي وهذا الاعتراف اعلن اكثر من مرة ومعروف للجميع.

اذكر ان الزعيم طلب حضور مصطفى علي قبل حدوث الانقلاب والمعروف انه وزير العدل السابق في عهده .. مصطفى علي كان رئيسا للجنة القانونية التي كانت تعد الدستور الدائم حيث كان الزعيم ينوي اعلان مسودته في 24 اذار 963 يوم الحرية (ذكرى الخروج من حلف بغداد الاستعماري) والذي كان ينوي ايضا في هذا اليوم اصدار قانون حرية الاحزاب للتهيؤ لانتخابات ديمقراطية حرة تعتمد التعددية الحزبية الا ان استشهاده حال دون ذلك.