عفيفة أسكندر في القاهرة

Sunday 14th of February 2021 09:08:54 PM ,
4873 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

د. عمر محمد الطالب

في الثالث عشر من يوليو (تموز) 1936، أي قبل الحرب العالمية الثانية بأربع سنوات، نشرت مجلة «الاثنين» القاهرية خبرا يشير إلى أن «الفنانة والمنولوجست العراقية عفيفة اسكندر ستزور مصر لتقديم بعض أعمالها الفنية». وامتدحت المجلة الحركة الفنية في العراق وقالت ‘نها نمت نمواً مطرداً وأصبحنا نرى هناك ممثلين بارعين ومطربين ومطربات، بل ومنولوجست ضربوا في الفن بسهم وافر، ومن بين الأخيرين فتاة امتد صيتها هناك لما إمتازت به من مهارة في الإلقاء ولما تأتيه من ضروب الغناء..

تلك هي الفنانة عفيفة اسكندر إن مجيئها إلى القاهرة هو فرصة يشاهد فيها المصريون فنانة عراقية ويؤدون إليها بعض ما يجب عليهم من التشجيع، فيردون بذلك شيئاً من جميل العراق الذي يطوق دوماً فناني مصر»انتهى حديث مجلة»كانت رحلة عفيفة إلى القاهرة ناجحة، ولفتت الأنظار هناك، ودعيت لأداء أغنية في فيلم»يوم سعيد»مع محمد عبد الوهاب، وهو الفيلم الذي بدأت فيه فاتن حمامة حياتها كممثلة، لكن المخرج محمد كريم اضطر إلى حذف الأغنية بسبب طول الفلم.ثم تكررت زيارات الفنانة العراقية إلى مصر.

وفي ليلة رأس السنة 1938-1939قدمت عفيفة اسكندر حفلة على مسرح (بباعزالدين) في القاهرة، وردد شارع عماد الدين أصداء أغنيات عراقية صوت صداح لا يخلو من بحة جذابة وظهرت عفيفة اسكندر في فيلم»القاهرة-بغداد «للمخرج احمد بدر خان، مع مديحة يسري وبشارة واكيم من مصر، وإبراهيم جلال وحقي الشبلي وفخري الزبيدي من العراق. كما ظهرت في فيلم»ليلى في العراق»للمخرج أحمد كامل مرسي، بطولة جعفر السعدي وإبراهيم جلال والمطرب محمد سلمان والفنانة نورهان.وهي وإن كانت قد عرفت عزها في مرابع بغداد في الأربعينات، فإن ولادتها كانت في الموصل لوالدين عشقا الغناء ويعزفان على أكثر من آله شرقية وغربية أما بدايتها الفنية فكانت في مدينة أربيل أوائل الثلاثينيات، وقد سموها «جابو كلي» المسدس السريع الطلقات «لأنها كانت تغني بسرعة بحكم صغر سنها وقلة خبرتها» حسب ما سجله الباحث قحطان جاسم جواد توقفت عفيفة اسكندر عن الدراسة وهي في الصف الرابع الابتدائي، لكن الرغبة في التعلم لم تفارقها، وكانت أول مغنية عراقية تغني القصيدة وتصادق المثقفين وتقيم صالونا في منزلها يحضره مشاهير الفن والأدب والسياسه في النصف الأول من القرن العشرين، وفيه يتجاور نوري السعيد والوصي على العرش وسعيد قزاز مع حسين مردان وناظم الغزالي وجعفر الخليلي وأنور شاوول وفي كتابه « شارع الأميرات» الذي دون فيه فصولاً من سيرته الذاتية، يروي جبرا ابراهيم جبرا إنه تعرف على عفيفه اسكندر، بطلب منها عن طريق صديقه وزميله في هيئة التدريس بكلية الآداب في بغداد دزموند ستيورات. وكان هذا الأخير يعطي للمغنية دروساً خصوصية في اللغة الإنكليزية ويكتب جبرا الذي ذهب إلى الموعد في الملهى الذي كانت تغني فيه، في الأربعينات :» وجدتها، لدهشتي، شابه نيره الذهن، تواقه للمزيد من المعرفه والثقافة وكنا نتباهى أنا ودزموند ضاحكين بأننا الرجلان الوحيدان في بغداد اللذان إذا ذهبا إلى الملهى كانت الفنانة التي تجالسهما هي التي تسقيهما على حسابها وليس العكس وكتب رفعت عبد الرزاق محمد متحدثاً عن العلاقة التي جمعت الفنانة بأدباء عصرها ويقول أن الكاتب والقاص الرائد جعفر الخليلي كان ينشر ذكرياته في جريدة»البلد»عن مجايلية من كبار زمانه تحت عنوان»هكذا عرفتهم « عندما انتشرت شائعة تفيد بأن عفيفه اسكندر قد ماتت قطع الخليلي سلسلة مقالاته وراح ينشر عوضاً عنها ذكرياته عن صديقته الفنانه تحت عنوان»هكذا عرفت عفيفه اسكندر»ووقع تلك المقالات باسم « أديب مخضرم» لكن الجميع كان يعرف من وراء ذلك الاسم ثم جمع الخليلي تلك المقالات في كتاب سماه «تسواهن». غنت عفيفه أول ما غنت «برهوم يا برهوم بابو الجديلة «واحب الناس أغنياتها سواء أكانت خفيفه أم حزينه مثل «يا حافر البير» و «حرقت الروح» و «قيل لي قد تبدلا» و «على عنادك» «ويا عاقد الحاجبين» التي لحنها علاء كامل ثم غنتها فيروز فيما بعد بلحن آخر وتعاونت عفيفة مع معظم ملحني تلك الفترة أمثال رضا علي عباس جميل والأخوين صالح وداؤد الكويتي وهما من اليهود الذين غادروا العراق بعد ذلك كما كانت لها فرقتها الخاصة في الحفلات وعزف وراءها فنانون صاروا نجوماً أمثال منير بشير وأخيه جميل بشير وكريم بدر وسالم حسين وروحي الخماش وخضر ألياس ورغم الشهرة والثروة وحب الناس أدركت عفيفه اسكندر منذ فترة مبكرة أن النظرة إليها كفنانة ستبقى نظرة ملتبسة في أعراض مجتمع يراوح بين البداوة والمدنية .

عن : موسوعة اعلام الموصل في القرن العشرين