ناظم الغزالي... لولا ناظم نعيم!

Wednesday 24th of February 2021 09:15:12 PM ,
4882 (عراقيون)
عراقيون ,

بعد اكثر من خمسين عاما على رحيل الغزالي، هل درس صوته نقديا من دون إن يسقط دارسيه تحت هالة الإعجاب به، وتفرده آنذاك في نشر الغناء العراقي. لا يمكن رسم مقطع تاريخي للفنان ناظم الغزالي بعد خمسين عاما على رحيله، من دون أن يحظر ناظم نعيم، لأنه في كل الأحوال ستكون «الرسمة التاريخية» غير جديرة بالوفاء، تصل متأخرة ومكررة ككل ما كتب عن ناظم الغزالي في الصحافة العراقية، ولنا أن نتخيل الصورة الشائعة عنه في الكتابات العربية

!تبدو ذاكرة المستمع العربي أكثر حساسية من كل ما كتب عن الغزالي، لان العربي يحبه كمغن معبّر ويربطه بالعراق وابن الحمولة وهدية العيد، وجسر المسيب الذي عاد إلى واجهة الإخبار بعد أن أضحى «جسر الموت».بل إن رجل دين ليبي مثلا كان يتحدث في منتصف التسعينات في محاضرة عن تلاوة القرآن الكريم، لم يتردد بالقول إن أداء ناظم الغزالي للمقامات يكاد يقترب من «التلاوة»، وهو صادق في ذلك لأن المقام العراقي يؤدى ولا يغنى.واليوم بعد خمسين عاما على رحيل السفير الأول الغناء العراقي، يبدو ناظم نعيم «يعيش في الولايات المتحدة منذ عام 1982» الذي لحن غالبية ما غناه الغزالي ورافقه في أسفاره، يبدو شاهدا بامتياز على تجربة هذا الفنان الذي يرتبط اسمه عند المستمعين العرب بالعراق، وعند العراقيين بزوجته الفنانة سليمة مراد.فلماذا تبقى كل تصريحات ملحن سفير الغناء العراقي مقتضبة وخجولة، بل ورافضة أحيانا، الأمر الذي يؤكد ذلك أن مسلسلات تلفزيونية أنتجت في السنوات الأخيرة عن جانب من حياة الغزالي لا يذكر فيها ناظم نعيم! كما في مسلسل سليمة باشا مثلا.

خلاصة أشبعت بالتقصي

المساحة التاريخية لحياة الفنان ناظم الغزالي تمتد على مسافة 42 عاما «1921 - 23 أكتوبر- تشرين الأول 1963» وإذا افترضا انه قضى عشرين عاما منها في الفن، فستكون كل الخلاصات المروية والمكتوبة قد أشبعت بالتقصي، وعلى مستوى آخر فاق الإعجاب بغنائه أي محاولة نقدية لتحليل أبعاد صوته، وحتى من قبل الملحنين والكتاب الذين عاصروه، لماذا؟لأن ناظم الغزالي كان فنانا إنسانيا خلوقاً محبا لكل المحيطين به، فغلبت سمعته الشخصية الطيبة على قيمة فنه، فهذا البغدادي الذي ولد فقيرا وعاش في كنف عمه ثم عمته وخالته بعد وفاة أمه وعمل في مصنع للطحين، لم تغيره الشهرة التي نزلت عليه بأقصى مما كان يحلم به، وبعدها زواجه من فنانة كانت شاغلة الطبقات السياسية والعائلات العراقية حتى أطلق عليها سليمة باشا بدلا من سليمة مراد.وتحول بيتهما في منطقة السعدون ببغداد إلى صالون ثقافي يحضره الأدباء والشعراء والفنانون.ارتبط بصداقات فنية مع الوسط الأدبي والفني آنذاك، ثمة صور فوتوغرافية تجمع الغزالي بالشاعر نزار قباني، من دون أن يعرف لماذا لم يتم التعاون بينهما شاعرا ومغنيا! كما ان دراسته للتمثيل في معهد الفنون الجميلة قربته من الفنانين الراحلين حقي الشبلي ومحمد القيسي، وفي حوار تلفزيوني نادر يؤكد الغزالي انه درس التمثيل ضد رغبة عمه الذي رفض أن يكون «قرقوزا» في منزله! عندما وصف الممثل بالمهرج أو الدمية المتحركة.ويوصف الغزالي بأنه مثقف ووديع وصبور وسريع حفظ وتقليد للأصوات والشخصيات كلها، واجه عاديات الزمن برباطة جأش حتى في أحلك الظروف، ولم يتخل عن بديهته الحاضرة ونكتته السريعة، وأناقته الشديدة حتى في الأيام التي كان يعاني فيها من الفقر.وكل ذلك يفسر لنا لماذا موسيقار مثل الفنان محمد القبانجي الذي يعد بمثابة أستاذه لم يتوار في ذرف الدموع عليه بعد وفاته، بل انه ناح حتى على قبره في مقام «الركباني» المعذب الحزين «علام الدهر شتتنا وطرنا، عقب ذاك الغنا...».القبانجي رثاه على القبر وبعد سبعة أيام أقام له مولدا استذكاريا في منزله وكتب مرثيته الشهيرة في رسالة مؤثرة.ويرجع قارئ المقام والباحث الموسيقي حسين الأعظمي تصدر الغزالي للمشهد الغنائي في العراق، إلى دور الموسيقار محمد القبانجي في رعايته والتزامه إلى حد تبنيه وعدّه تلميذه، وراهن على قدراته فكان رهانه في محله، فاحتل الموقع الأول في الغناء العراقي حسب الأعظمي.

بينما اعتبر ناظم نعيم وفاة ناظم الغزالي أصابته في الصميم وشعر إن الحياة برمتها تخلت عنه.فيما يستذكر الفنان البصري مجيد العلي الذي رافق الغزالي عازفا، انه كان ينهي حفلاته بعد غناء عدد محدود من أغانيه، رغم أن الجماهير يطالبون بالمزيد، فهو كما يذكر العلي «لا يحب أن يطيل كي لا يرى أحدا يغادر الحفلة وهو يغني، لذا يختم والجميع موجودون».

من درس صوت الغزالي؟

ثمة سؤال ينطلق اليوم بعد خمسين عاما على رحيل الغزالي، عما إذا درس صوت ناظم الغزالي نقديا من دون ان يسقط دارسيه تحت هالة الإعجاب الشعبي به، وتفرده آنذاك في نشر الغناء العراقي في الأرجاء العربية؟باستثناء ما كتبه الناقدان الراحلان سعاد الهرمزي وعادل الهاشمي من دراسات نقدية، تبقى الغالبية العظمى عنه مجرد استذكارات تاريخية وسرد لحكايات عنه وعن زواجه من الفنانة العراقية اليهودية سليمة مراد، البعض يشكك في هذا الزواج حتى إن ناظم نعيم نفسه قال في حوار تلفزيوني «لم يتزوجا بل ارتبطا بصداقة...» ثم سفره إلى بيروت ومشاركته في فيلم «مرحباً أيها الحب» مع نجاح سلام وأداء أغنيته الشهيرة «يم العيون السود»، وبعدها مدينة الكويت وتسجيل مجموعة من أغانيه...فسعاد الهرمزي يرى ان نجاح ناظم الغزالي لم يكن من صنع يديه، بل إن جهد ونصائح الملحن ناظم نعيم دفعته للنجاح. بعد أن انعدمت بينها عوامل الخلاف والفرقة.فناظم نعيم بنظر الهرمزي «فنان بحق، أما الغزالي فهو مغني فقط، أخفق في أدائه أن يكون قرارا صحيحا، بل إن غنائه كان جوابا قاصرا عن مقتنيات الغناء الصحيح...».فيما يرجع الناقد الراحل عادل الهاشمي، صعود نجم الغزالي إلى زوجته المطربة سليمة مراد باشا وكان زواجه منها من الزيجات المثيرة للجدل، وأن الغزالي كان به حاجة إلى دفعة معنوية في بداية طريق الشهرة. وكانت أستاذة في فن الغناء، باعتراف النقاد والفنانين جميعاً في ذلك الوقت.ويضيف «تعلم الغزالي على يد سليمة مراد باشا الكثير من المقامات، وكانا في كثير من الأحيان يحييان حفلات مشتركة، يؤديان فيها بعض الوصلات فردية وأخرى ثنائية».تم زواجهما عام 1953، وخلال عشر سنوات تعاونا على حفظ المقامات والأغنيات.وفي عام 1958 احييا حفلا غنائيا جماهيريا كبيرا، فتح آفاقاً واسعة لهما إلى خارج حدود العراق فكانت بعدها حفلات في لندن وباريس وبيروت.لا يوجد تفسير واضح غير العمر القصير، لاكتفاء ناظم الغزالي بالحان ناظم نعيم، بينما كان هناك جيل الخمسينات البارع يحيى حمدي وعباس جميل ورضا علي وأحمد الخليل، «ثمة من يذكر انه شارك في اوبريت غنائي وطني من الحان رضا علي عن تمجيد عبد الكريم قاسم».وقد تفسر لنا الفترة الزمنية القصيرة التي عاشها لماذا لم يغن ناظم الغزالي للموسيقار العراقي اليهودي صالح الكويتي الذي لحن غالبية أغاني زوجته سليمة مراد قبل هجرته إلى إسرائيل.لكنه ليس ثمة شك بأن ناظم نعيم كان مدركا لحجم صوت الغزالي فلذلك رسم له الألحان بحس يتفق مع أبعاد هذا الصوت، فبهر العالم العربي بأداء ملتاع مرة ومتسائل مرات، وهو يؤدي القصائد العربية في مقامات عراقية معبرة أيما تعبير.غير انه يؤخذ عليه انه لم يؤدي غير المقامات السهلة ولم يقترب من الصعبة. ويرد العازف سالم حسين الذي رافق الغزالي في غالبية حفلاته عازفا على آلة القانون، بأنه أدى أصعب المقامات لكنها –للأسف- لم تسجل على اسطوانات وضاعت.لم يذكر سالم حسين أي من المقامات الصعبة أدى الغزالي، لكن الفنان سعدون جابر أكتشف إن الغزالي أدى أغنية «مسلم، ذاكر هلي ياجواد» على مقام «المخالف» وهو من أصعب المقامات التي وضعها الموسيقار العراقي محمد القبانجي، وأعاد سعدون جابر الاغنية في مسلسل ناظم الغزالي بحسية بارعة تكشف كوامن اللوعة في هذا المقام. ومع ذلك لا يوجد تسجيل متوفر لهذه الأغنية بصوت ناظم الغزالي.واليوم، وبعد خمسين عاما على رحيل فنان عراقي لم تمت أغانيه مع السنين، تبدو الحاجة ماسة لإعادة دراسته بطريقة نقدية تغيّب العاطفة والوله الذي رافق كل من يستمع إلى ناظم الغزالي.

ج . العرب