كيف جرت انتخابات 1932 ؟

Sunday 14th of March 2021 09:13:36 PM ,
4897 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

د فاضل محمد رضا

منذ أنْ صدرت الإرادة الملكية بحلّ مجلس النواب في 8 تشرين الثاني 1932، أوعز ناجي شوكت بصفته وزيراً الداخلية وكالةً إلى متصرفي الألوية كافة باتخاذ الإجراءات الأولية استعداداً للبدء بالانتخابات الجديدة، وفي الوقت ذاته بدأت الاتصالات بينه وبين الملك فيصل لإعداد قائمة المرشحين،

وبينه وبين زعماء الأحزاب السياسية والكتل النيابية للاتفاق على قائمة موحدة تضمن الحكومة فيها فوز المؤيدين لسياستها، كما جرت عليه العادة في كل الوزارات السابقة، وقد وجه الملك فيصل بعد إطلاعه على قائمة المرشحين التي قدّمها له رئيس الوزراء ناجي شوكت وأجرى عليها تعديلاته أخذاً بالحسبان ضرورة عدم إظهار السخط لحزب, والرضا عن الأخر, أو التحزب لجماعةٍ دون أخرى، مراعياً خواطر بعض الذوات الذين سبقت لهم خدمته، وبعد أنْ عَدّل ناجي شوكت قائمة المرشحين بحسب رغبة الملك فيصل وأرسلها إليه، أبدى موافقته على أسماء المرشحين ما عدا بعض الملاحظات بشأن ترشيح سعيد الحاج ثابت بدلاً من يوسف رضوان والسيد كاطع العوادي من العمارة وسعد صالح، تاركاً الخيار لناجي شوكت في أمر ترشيح محمد زكي المحامي، وفضّل ترشيح جميل المدفعي بعد التوثق من أمره. فضلاً عن ترشيح عبد الغفور البدري, وعلي محمود،هذا ممّا يدل على أن قائمة المرشحين للنيابة تعد من الوزارة وتعرض على الملك لإبداء رأيه فيها ثم تعمّ على الألوية، وبذلك يتضح أن الأُمة لا رأي لها في اختيار ممثليها في المجلس النيابي، وقد علقت جريدة العالم العربي على طريقة انتقاء النواب في مقال لها بعنوان (النائب الحقيقي) انتقدت فيه اختيار النائب على أساس أنه نائب سابق, أو متنفذ, أو غني, أو من المنتسبين الى فلان ومن المتوكئين على عكازة فلان حتى يخرج نائباً، ووصفت هذا الرأي بأنه أقل ما يقال فيه أنه رجعي, بل واسطة لتقهقر المجلس إلى الوراء، وطالبت باختيار نواب حقيقيين مفيدين يتركون أثراً طيباً في المجلس النيابي وكتب الشاعر عبد الحسين ملا أحمد قصيدة انتقد فيها الحياة النيابية وحذّر من التصويت للجهال في الانتخابات المقبلة .

يكفيك ما لاقيت من ويلاته

قد جاء دور الانتخاب فكن على

يا شعب فيما مر حسبك عبرةً

لا تبعثن إلى النيابة جاهلاً

أفيحمي حق الشعب من هو جاهل

والحق أضيع ما يكون بموطن

لا يحفظ الوطن العزيز سوى امرئ

قدماً وما حملت من تبعاته

حذر وقاك الله من آفاته

أو ما احتسيت المرَ من كأساته

كي تأمن الأضرار من هفواته

كلا فما هو من عداد حماته

ان بات يرعاه الجهول بذاته

يجلو ظلام الخطب نور حصاته

ويبدو الاستياء واضحاً على لسان الأُدباء والمثقفين من طريقة اختبار أعضاء المجلس النيابي .

واستعداداً لبدء المرحلة الأُولى للانتخابات، أُبلغت الإدارات المحلية في الألوية مختار كل محلة بترشيح خمسة من اختيارية محلاتهم ووجهائها لانتخاب الهيأة التفتيشية ، ولمّا استكملت الترشيحات أبلغوا بالحضور في رويال سينما يوم 11 كانون الأول للبدء بأنتخاب الهيأة التفتيشية المشرفة على الانتخابات النيابية في العاصمة، وقد اجتمع عدد من ممثلي المحلات البالغ نصابهم القانوني (650) ممثلاً (556) شخصاً، وتخلف عن الحضور (94) شخصاً وكان من بين الحاضرين رئيس الوزراء وبعض الوزراء، واختير لعضوية اللجنة الخاصة للإشراف على انتخاب الهيأة التفتيشية ، أمين العاصمة رئيساً, وعضوية كل من أمين الهاشمي, وعبد الجليل السوز, وعبد اللطيف ثنيان, وشاكر محمود, وسليم موسى توما، وزعت أوراق الانتخاب على ممثلي المحلات وأُنتخب (15) عضواً لهيأة التفتيش في بغداد وحين الانتهاء من ذلك جمعت الأوراق في الصندوق الخاص, وفحصتها اللجنة الخاصة. وجرى انتخاب الهيئة التفتيشية لقضاء الكاظمية, وبعد فرز الأصوات ترشح عشرة أشخاص لإدارة الهيأة في القضاء، وفي لواء الرمادي انتخب (12) شخصاً لعضوية الهيئة التفتيشية المشرفة على الانتخابات في مركز اللواء، وانتخب عشرة أشخاص لعضوية الهيأة التفتيشية لكل من قضاء الفلوجة وعانه، وانتخبت الهيأة التفتيشية في النجف, والكوفة بتاريخ 25 كانون الأول فترشح تسعة أشخاص لعضوية الهيأة المشرفة على الانتخابات، وقد كتبت جريدة الأخبار مقالاً بعنوان (( واجب الحكومة في إطلاق الحريات)) أشارت فيه إلى اثر تقّيد الحريات ومصادرة الحقوق العامة على الوضع السياسي في البلاد في أثناء مدة الانتداب، وطالبت حكومة الاستقلال بفتح صفحة جديدة تتناسب والوضع السياسي الجديد في السماح للأحزاب بفتح فروع لها في الالويه، وإطلاق حرية الصحافة لتقيم الحجة على حدوث التطور.

حينما وزّع أعضاء الهيئة التفتيشية في بغداد على المراكز الانتخابية تحدد يوم 5 كانون الثاني لانتخاب المنتخبين الثانويين لمحلات الشواكة والكريعات وباب السيف، وفي محلتي باب الشيخ, واكراد باب الشيخ في جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني، وفي يوم الجمعة 6 كانون الثاني، محلتي شيخ علي, وسوق حمادة في جامع سوق حمادة ويوم 6 كانون الثاني في محلات البو مفرج, والبو شبل, والقشل والبارودية, والقرغول, وتبة الكرد، وفي الشعبة الثانية عشر (الاعظمية) المحتوية على محلات شريعة نجيب باشا, وهيبت خاتون, والسفينة, والحارة, والشيوخ, والنصة، والشعبة الرابعة عشرة (الدورة) المحتوية على محلات أبو دشير, والدورة والطلوسية, والسنجقدارية, والعكابية, والبوعيثة, في يوم السبت المصادف 7 كانون الثاني.

وبعد أن أتمت جميع الشعب الانتخابية في العاصمة إجراءات الانتخابات أعلنت عن أسماء الفائزين في الانتخابات الثانوية والذين ينتخبون نواب المجلس المقبل، وقد تبين أن اغلب المنتخبين الثانويين هم من الموظفين الحكوميين أو ممن رشحوا أنفسهم إلى النيابية أمثال محمد رضا الشبيبي ، والحاج ناجي مدير بلدية بغداد, وسيد حامد مدير الطابو, وعباس مهدي وزير المعارف, وحسن صالح المختار, وهادي معتوق رئيس بلدية الهندية، وحمدي أفندي مدير ناحية الكفل، وعبد الجليل أفندي مأمور الطابو، وإسماعيل أفندي كاتب التحريرات، والنائب ناجي السويدي وجعفر حمندي قائم مقام النجف، وعبد المجيد جميل القاضي, وموسى كاظم مأمور بريد النجف، أما في الديوانية انتخب مصطفى العمري متصرف الديوانية, وناجي الصالح رئيس البلدية, وعبد الكافي أفندي مدير ناحية الشافعية, ومحمود رمزي مدير تحريرات الناحية, وعبد العزيز أفندي مدير مال المركز, وإبراهيم رفيق عضو المجلس الإداري، أما في الكاظمية فكان محمد الصدر ومحمد السنوي متصرف لواء بغداد وباقر بيك معاون رئيس التشريفات في البلاط وعبد الله القصير رئيس البلدية. ويبدو أن انتخاب المنتخبين الثانويين يتمثل في فئة معينه من الناس وهم الأعيان والنواب والوزراء السابقين, وكبار موظفي الدولة ولا يصلح لهذه المهمة غير هذه الطبقة لتضمن الحكومة بهم فوز مرشحيها.

حددت وزارة الداخلية موعد إجراء الانتخابات العامة في الألوية كافة يوم 8 شباط 1933 بعد ان تمت عملية انتخاب الناخبين الثانويين وجرى انتخاب نواب المجلس الجديد في الألوية كافة وأسفرت النتائج عن فوز قائمة الحكومة وقد ظهر تأثير الأساليب الخاصة في نتائج انتخابات هذا المجلس, فإذا بالمجلس الجديد يضم نحو نصف أعضاء المجلس السابق الذي أجرت انتخابه وزارة نوري السعيد، وقد اعترض أربعة من أعضاء الهيئة التفتيشية في الموصل وهم ضياء يونس, وإبراهيم عطار, وقاسم الديوه جي, وعزيز حمود ولم يصادقوا على مضابط أعضاء المجلس الجديد في مناطقهم احتجاجاً على ما جرى في الانتخابات، وكتبت جريدة العمال الموصلية مقالاً افتتاحياً بعنوان ((هل هذا هو الاستفتاء الذي أرادته الوزارة الجديدة – مهازل الانتخابات – حقائق يجب أن تقال)) حملت فيه على الانتخابات الأخيرة وختمت قولها أن هذا المجلس ليس إلا صورة مماثلة للمجالس السابقة.

ولم يؤلف ناجي شوكت حزباً سياسياً على نحو ما فعلته الوزارات السابقة وإنما ألف كتلة برلمانية تستند إليها وزارته لتمشية أعمالها في المجلس الجديد، وقد تألفت الكتلة من (72) نائباً.

صدرت الإرادة الملكية بدعوة المجلس النيابي الجديد إلى الاجتماع غير الاعتيادي من دورته الانتخابية الرابعة, وعقد جلسته الأولى في 8 آذار 1933، استهلت بخطاب العرش. ثم جرى انتخاب رئيس المجلس بعد أن أدى النواب اليمين القانوني، وقد كان عدد المصوّتين (84) نائباً، وقد أحرز النائب جميل المدفعي – نائب بغداد – أكثر الأصوات (73) صوتاً، ثم جرى انتخاب النائب سلمان البراك – نائب الحلة – نائباً أولا لإحرازه (65) صوتاً من مجموع المصوتين البالغ عددهم (80) نائباً، وكذلك انتخب النائب فوزي علي – نائب كركوك – نائبا ثانياً لحصوله على (65) رأيا من مجموع المصوتين البالغ عددهم (80) صوتاً، ثم جرى تقسيم النواب الى اربع شعب بغية فحص المضابط الانتخابية وتدقيقها

عن رسالة ( الحياة النيابية في العراق).