نص نادر..المرقد العلوي الشريف في العشرينيات كما وصفه الشيخ علي الشرقي

Sunday 28th of March 2021 09:13:54 PM ,
4909 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

بناية فخمة نفيسة تاريخية تسمى(الصحن) وهو بشكل مستطيل ذي طابقين ، والبناية كلها مقطعة بايوانات وفي كل ايوان بيت صغير (حجرة) .ويفصل كل ايوان عن ايوان ساريتان كل واحدة بعرض متر او يزيد على المتر ، وطولها يساند العشرة امتار ، يعقد بين الساريتين قوسان :

القوس الأول وفوقه عصابة من القاشاني البديع بعرض نصف متر وهذا القوس لسقف الطابق الأول والقوس الثاني وفوقه عصابة من القاشاني وقد كتب عليها بالقاشاني الأبيض المرشوش بالقلم النسخي البديع كتابة بديعة من بعض آي من القرآن المجيد تسمى هذه العصابة في عرف الريازة النجفية (كتيبة) وهذا الاطار لسقف الطابق الثاني ،وهكذا تقوم عمارة المشهد ايوانا على ايوان وحجرة على حجرة وسارية على سارية يمنطقها من الوسط نطاق من القاشاني بعرض نصف متر وتعصبها من الأعلى (الكتيبة) بعرض متر ونصف الا قسما من الجهة الغربية فانه يشكل طاقا (ساباط) معقودا في ظهر الحرم ومساندا له على امتداده ،وذلك الطاق لا يستوعب الجهة الغربية بل انها من الجنوب الغربي تحاكي وضعة الصحن بأربع ايوانات ومثلها في الشمال الغربي . والطاق معقود بين الشمال الغربي والجنوب الغربي ومجموع ما في الصحن مئة واربع ايوانات ومئة وثلاثون حجرة وفيه ثلاثة مساجد:

مسجد الجامع في الجهة الغريبة ومسجد الخضرة في الجهة الشرقية ومسجد عمران بن شاهين الخفاجي امير البطايح في الجهة الشمالية . فالصحن حصار عال تحيط به الايوانات ، والحجر وقاعة مثلثة مكشوفة ، ويكمل الدورة الطاق المعقود في الجهة الغربية.

وارض الصحن مبلطة بالصخر الصافي اللون قد قطع قطعا هندسية وقسم تقاسيم هندسية بديعة وحيطانه الى ارتفاع مترين مؤزرا بقطع كبيرة من الصخر الصافي اللون كل قطعة بارتفاع مترين وعرض متر ونصف تقريبا وقد كسي وجه تلك العمارة بالقاشاني الملون بالوان بديعة تمثل روضته افقا من رياض الفن قد برع فيها الفن وابدعت ريشة المصور بما خط وصور من حقول وأزهار وخطوط وتقاسيم وتخريم وريازة واصباغ نضرة كانما الان مرت عليها الريشة .هناك ترى الهندسة اليونانية والطبع العربي الفاره وجمال الصناعة وجلال العلم قد اجتمعت وامتزجت فكونت مادة لذلك التصور البديع ، ورشاشا لذلك القلم ،واصباغا وادهانا لتلك الريشة.

وفي ذلك الصحن قامت بجلال ووقار قبة ابريزية افرغت بأبهى صورة معقودة على بناية مربعة الشكل بديعة الهيأة أنيقة الوضع ، وتلك البناية تسمى )الحضرة( او تسمى )الروضة( وهي روضة صناعة او معجزة من معاجز الفن ومفخرة تاريخية في فن الريازة والبناء والهندسة ،جليلة جميلة قامت بشكل ايوانات أربعة فارهة من الجوانب الأربعة ، يعقد على كل ايوان اطار وقوس وفوق تلك الإطارات والاقواس عقدت تلك القبة المنيفة . وفي وسط تلك الروضة حائر من الصخر الأبيض النفيس بارتفاع شبر واحد وقد قام عليه من الجوانب الأربعة شباك من الفولاذ له عصابة فولاذية قد كتب عليها شيء من الشعر وآي من القرآن ويطوف بذلك الشباك شباك آخر مكسو بالفضة وله عصابة من فضة وقد كتب في أعلاه وفي جوانبه في الفضة شيء كثير من الشعر .

وذلك الحائر هو الرمز المقدس ، عرين الأسد ،قبر أمير المؤمنين )ع( .وتلك الروضة بيت اثري ، وخزانة تاريخية ، لو نسق ما فيها وصنف لكانت دار آثار من اهم دور الآثار الموجودة في الشرق ، فيها النفائس والمهمات والقيمات التاريخية. وفيها الرسم والتصوير الفاخر على الخزف الصيني والسجاد والمسارج والكتب ، وفيها الريازة والتخريم ، وفيها الاصباغ والفسيفساء والميناء والمحلول الذهبي ، وفيها الخطوط والصناعات اليدوية ، وفيها الأحجار الكريمة والقناديل المنبثة بالفصوص الثمينة فهي جنة الذوق والفن فيها ما تشتهي الانفس وتلذ الاعين .

تخرج من تلك الروضة الى رواق محيط بها من الجوانب الأربعة وهي والاروقة كلها ممردة بالقوارير جدرانها وسقوفها ،وقد تأزرت حيطانها بالصخر الفاخر النفيس ومنه تبلطت ارض الروضه والاروقة . وفي وجه الحرم بهو يرتفع عن قاعة الصحن بمرقاتين يسميه العراقيون )طارمة( وفي ذلك البهو ايوان شاهق وفي وسط ذلك الايوان باب فضي يدخل منه الى الرواق وهذا الايوان مع وجه البهو مما يلي الحرم مؤزر بالصخر الفاخر بارتفاع مترين ونصف تقريبا ، وما فوق ذلك فهو مكسو بصفايح الذهب وتمنطقه كتابة ذهبية فيها آي من القرآن ،وقطع من الشعر باللغات التركية والفارسية والعربية. وفي وسط ذلك الايوان تتدلى سلسلة ذهبية .

والى جانبي الايوان تقوم مئذنتان مكسوتان بصفايح الذهب ،ناهضتان الى السماء وبين تينك المئذنتين جلست تلك القبة الابريزية المتوهجة u1603 كأنها شعلة مقدسة على جبل من ذهب ، او نار الكليم في الوادي المقدس ، قامت توقر النجف شمس من الذهب يتكسر عليها نور شمس النهار . فما الطف ذلك العالم الذهبي من القبة والمئذنتين ووجه البهو اذا سالت عليه اشعة الشمس صباحا. خصوصا وهو يواجه المشرق مواجهة . وأخيرا نور المشهد العلوي بمصابيح الكهرباء فامتد بين المئذنتين سمط منظوم من تلك المصابيح ، وجعل في اعلى القبة طوق من تلك المصابيح قد اوجدت كومة من النور في اعلى ذلك الصرح الذهبي فما اجمل المنظر ! ترى المئذنتين قد ارتبطتا بمجرى من النور كانه نهر المجرة تتدافع أمواجه من مئذنة الى مئذنة. وتلك الكومة من النور في اعلى القبة كانها مشعل مقدس يشع للارواح المالئة ذلك الفضاء . وقبالة ذلك البهو في قاعة الصحن من جهة المشرق مسرجة تمثل شجرة قد كللت بمصابيح الكهرباء ورتبت بشكل مخروطي فاذا اسرجت تقول عنقود من النور قد هبطت به ملائكة الذوق من فردوس اللطف وشجرة الطوبى وعليها طيور بيض من طيور الجنة .

وقبالة الايوان وعلى الباب الشرقي للصحن قامت ساعة كبيرة ذات صفحات اربع بيض وعليها برنس من الذهب واجراسها تدق في كل ربع ساعة ،ولها رنين في ذلك الطقس الديني والجو الذي تتموج فيه أصوات المبتهلين ونبرات الداعين فكأن رنينها هو ابتهال الزمان في ذلك المكان المقدس. وهذا الباب الذي نصبت عليه الساعة وهو الباب الشرقي يكاد يكون وجه المشهد وصفحته البارزة للخارج يستقبله الوارد على المشهد من باب البلد وما بين البابين سوق فخم مستطيل باعتدال واستقامة. فأول شيء تقع عليه عين الوافد على المشهد هو ذلك الباب كما ان اول شيء تقع عليه عين الوارد على النجف تلك القبة الابريزية التي تلوح من بعيد وهاجة لماعة . وقد استرعى التفات بعض ذوي الأفكار اللطيفة موقع ذلك الباب وشحذ اذهانهم فأقاموا عليه ايوانا وقورا شاهقا يقوم على قوس معقود من القاشاني المطوي المفتول طرائق طرائق بلطف وابتداع يحيط به اطار من القاشاني المكتوب بآي من القرآن بالقلم النسخي البديع وفي اعلى ذلك الايوان عصابة بهية من ذلك القاشاني المكتوب ، وفي داخل الايوان اطار ذهبي ومنطقة ذهبية قد كتبا بقلم ذهبي في آي من القرآن . فما اجمل ذلك الوجه وابهى قسماته! خصوصا في عين المقبل ليلا وقد أحاط به اطار من مصابيح الكهرباء في زجاجات ملونة منها الأبيض ومنها الأحمر ومنها الأخضر.

ومن الباب يلوح للمقبل ذلك العنقود من النور وكأنه عنق من نور قامت به المسرجة التي اسلفنا ذكرها . ومن ذلك الباب يلوح أيضا الايوان الذهبي قد تموج بأشعة الكهرباء المتكسرة على صفايح الذهب فكان ذلك الايوان مشكاة من نور في مصباح ، المصباح في زجاجة . فما ازهر ذلك البيت المعمور الذي يكاد يضيء حجارة ويضوع طينا .

دخل صاحب العلم ذلك البيت المعمور وتبعه زوار الحي وأنا في اثرهم فوجدت الادباء قد تفيأوا ظلال ذلك البيت وقد انتشروا هناك حلقا حلقا واكثرهم قد اعتم بالعمة البيضاء كانهم طيور الجنة يتلاقطون حبوب الادب وهو كومة كومة تلك الطيور البيض اين مقرها ست الجهات رصدن بالاشراك واكثر تلك الحلقات تتعاطى الادب القديم العلمي والاجتماعي والروحي ، وبعضها يتكلم بالعادات وبعضها بالخرافات من زجر وفأل وطيرة وطلسم وعوذة وكوامل ووو ...

ج . النهضة العراقية 24 شباط 1928 العدد 41