الشطرة ، تسميتها وتأسيسها الأول

Sunday 11th of April 2021 09:52:26 PM ,
4920 (ذاكرة عراقية)
عراقيون ,

شاكر حسين الشطري

سكن السناجر – وهم اصل عشيرة العبودة الحالية – وخاصة ابناء المعز السنجري واولاد عمومته في منطقة (الشاهينية) في القرن السادس عشر الميلادي, وكانت عشيرة العبودة تنزل في مكانين ولهذا قيل لبعضهم عبودة (الجوازر) والبعض الآخر عبودة الشاهينية, فقد ارسل الجد الأعلى للشيخ حسن السنجري مؤسس الشطرة ابنه صالح لتعلم القراءة والكتابة في النجف ، وقد فعل صالح (الجد الأول للشيخ حسن) الأمر نفسه عندما ارسل ابنه محمد علي والد الشيخ حسن للدراسة في النجف الأشرف.

فضّل الشيخ محمدعلي الاستقرار في النجف على العودة إلى الشاهينية التي ظل فيها ابناء عمومته مدة طويلة قبل ان يشب الشيخ حسن السنجري في النجف ويقرر هو وإخوته العودة إليها، فأستولى الشيخ على اراضي الشاهينية على اساس انها كانت لجده ، ولكن ابناء عمومته فيها اشتكوا لأبيه محمدعلي في النجــف، فكتب له ابوه بأن يترك هذه الأرض لبني عمومته، وان يختار بدلها ارضاً واسعة تتفق وطموحه لجمع عشائر العبودة ، ذلك ان الشاهينية لا تسعه وعشائره ، واخبره ايضاً بأنه سيكتب لأمير ربيعة بهذا الخصوص ، إذ يذكر عبدالأمير آل عيسى في مخطوطته انه:

«كانت للشيخ محمد علي وعشيرته مكانة رفيعة عند امير ربيعة بفضل ما قدمه السنجري الأول[المعز] من مساعدة لربيعة في الحرب ضد عبادة».

امتثل الشيخ حسن السنجري لأمر ابيه وارتحل مع الكثير ممن كانوا في الشاهينية من السناجر والعبودة راكبين المشاحيف بحثاً عن مكانٍ يلائمهم ، حتى دخلوا مجرى مائياً يدعى «كاهن» متفرع من نهر الغراف، ووجدوا عليه (شطرة دهلة)، اي ارض يابسة كانت قبل ذلك مغطاة بألمياه ، اتخذها الشيخ حسن السنجري مستقراً جديداً له بعد ان ساعدته (الاستخارة) على هذا الأمر. ومما يلاحظ انه كان من بين ركاب المشاحيف شخص اسمه (سيد خليل) اوكل له الشيخ حسن مهمة توجيه المجرى المائي المذكور , فشق الرجل نهراً سُمَّي بأسمه وهو نهر الخليلية، الذي اقيمت عليه الشطرة القديمة, وكان ذلك في سنة 1202هـ/ 1787م، وقد أُرخ الانتقال بكلمة «غَبَرْ».

ويبدو إن السبب الأهم الذي ادى إلى تغيير موقع الانتقال من الشاهينية إلى الخليلية بألدرجة الأولى هو تناقص مياه الشاهينية وجفافها احياناً، اما التنافس بين عشيرتي عبودة وخفاجة فهو موجود بألأصل، لذا لا يمكن ان يصلح سبباً لتغيير موقع العشيرة وسكناها، إذ ظلتا متجاورتين ولا زالتا ، ويمكن القول ان تأريخ هذا الانتقال يُعَدْ فاتحة عهد خير على عشيرة العبودة من جهة ، والشطرة من جهة اخرى ، فلولا عشيرة العبودة (السناجر) لما قامت الشطرة ، التي هي اليوم إحدى مدن العراق الكبيرة ، لتجمع عشائر العبودة المبعثرة في منطقة الغـراف وغيرها، ويشير المؤرخ المعروف عبدالرزاق الحسني إلى ان :

«جماعة من الغرافيين كانوا قد اسسوا قرية كبيرة في اراضي خفاجة اطلقوا عليها اسم الشاهينية , وهو اسم مدينة معروفة في التأريخ للأمير عمران بن شاهين , وقد اضمحلت هذه القرية في عام 1202هـ/ 1787م، فأنتقل اهلها إلى شعبة من نهر الخليلية الذي كان ينشطر من نهر الغراف ، وكانت هذه الشعبة تسمى (الشطيرة) تصغير (شطرة)، فأسسوا قرية بأسم الشطرة».

فيما يذكر الشعـرباف:

«ان عشيرة العبودة تمركزت في قرية الشاهينية في اراضي خفاجة وهي اسم لمدينة تأريخية قديمة انشأها عمران بن شاهين, وموضعها حالياً في مقاطعة شطب آل منهل الأقرب إلى الناصرية منها إلى الشطرة». ويستطرد الشعرباف فيقول:

«كان التنافس والتشاحن بين عشيرتي العبودة وخفاجة هو العامل الذي دفع بألشيخ حسن السنجري رئيس عشيرة العبودة آنذاك إلى الهجرة من الشاهينية، وإسكان عشيرته على نهر الخليلية في الأراضي التي اقتطعها له الأمير مشكور ]امير ربيعة[ عند زيارته له، حيث كرم وفادته بتلك الأراضي التي كان النهر قد شطرها من إقطاعيته فسميت الشطرة” .

ويؤكد المستشرق الألماني اوبنهايم Oppenheim)) تأريخ هذا التأسيس، ويقول انها تأسست في العام 1202هـ/1787م، على الجزء الرئيس لمنطقة الغراف السفلى من لدن سكان الشاهينية القرية المنحلة. اما بألنسبة إلى موقع الشطرة القديمة فيحدها من الشمال نهر الهاشمية , ومن الجنوب نهر إسْلََيّمْ, ومن الشرق نهر الغراف , ومن الغرب نهر ابو مهيفة، ويقول عبدالله الفياض انه عثر على خارطة في قصر (دولمبقجسي) في اسطنبول تشير إلى بلاد المنتفق , وإلى الشطرة وتسميها (حي شطره سي).

اما بألنسبة إلى التسمية التي اطلقت على المدينة (الشطرة) ، إذ انها نشأت بطيحة من بطائح الغراف غاض عنها الماء وجف ، فنشأت جزيرة تحيط بها المياه، وتشطّرت إلى ان انعزلت عن مياه البطائح، و تقول العامة “شترت”، فسميت كذلك لأنعزالها ، والشطرة لغة آرامية مأخوذة من (ش ب ط ر ا)، الباء تقرأ هنا واواً بمعنى الأرض السهلة المبسوطة ، بينما يذكرالشيخ محمد رضا الشبيبي في مجلة ( لغة العرب )سنة 1927 بأنها لغة من اسماء الأرض، وقد يقال إن تسميتها بهذا الاسم من باب تسمية الجزء بأسم الكل.

ويذكر انه كانت هناك ثلاثة مواقع لأسم الشطرة في المنطقة الجنوبية في العراق ، فألشطرة في المنتفق، والشطرة في العمارة ، ودفعاً للتشويش سمي الموقع الأول بـ (شطرة المنتفق) والثاني بـ (شطرة العمارة) اي قلعة صالح ، وهي قضاء تابع الى محافظة ميسان حاليا ً، تسهيلاً لمصالح البرق والبريد.

كان نهر الغراف هو الذي يغذي نهر الخليلية ، الذي قامت على ضفافه قرية صغيرة عرفت بأسم الشطرة كانت مبنية من القصب والطوف، والمعروف عن الشيخ حسن السنجري (مؤسس الشطرة القديمة) انه كان من رجال العلم المشاهير، فهو ممن درسوا في النجف ورافق علماءها، ومن الطبيعي ان يفكر اولاً بتأسيس مدرسة دينية لتكون من اولى مهماته الإدارية في هذه القرية. كما عمّر الشيخ حسن الأراضي وأقام الأسواق، فمارس اهلها التجارة ، إذ كان التبادل التجاري قائماً بصورة واسعة بين الشطرة وما جاورها من مناطق ، إذ تبودلت السلع التجارية بين الشطرة وسوق الشيوخ، عندما لم تكن مدينة الناصرية موجودة (تأسست عام 1869) ، مما ساعد على ازدهار الشطرة وتحسين الحالة المعاشية لسكانها.

مرّ الرحالة البريطاني هود Heude)) وهو في طريقه إلى بغداد بألشطرة عام 1817 فقال في وصفها:

«في اليوم السابع والعشرين من كانون الثاني 1817 وصلنا مدينة كبيرة تدعى الشطرة ، كنت سأقدر الشطرة بأنها على بعد ستين ميلاً في الأقل عن الكوت ، وكانت اول مدينة اجتزناها منذ رحيلنا عن ذلك المكان ، وهي مؤلفة من بيوت طينية منتظمة وفيها سوق شرقية ، وكان الشيخ حسود ] يقصد به الشيخ حسن السنجري[ رجلاً يبلغ من العمر سبعين عاماً , ولديه مجلس او ديوان يديره مع ابنه الأكبر”.

وامتدح هود الطعام الذي قدم له فذكر:

«في اثناء وجبة الطعام ، كانت الوجبة الوحيدة المتواضعة والمريحة من بين الوجبات التي استمتعت بها لأسبوع».

عن رسالة ( الشطرة في أواخر العهد العثماني1881-1917 )