عبد الله الماجد
نظر الدكتور (محمد أنيس)، الذي اكتشف تقرير أمين الريحاني الذي بعث به أواخر عام 1923م إلى وزارة الخارجية الأمريكية، والذي حصل عليه الدكتور (أنيس) عن طريق الدكتور (محمد مرسي) رئيس مركز الدراسات والوثائق في أبو ظبي، في منتصف عام 1980م.
تقرير (الريحاني) بعنوان: (تقرير عن شبه جزيرة العرب - الحجاز) في جزئه الأول، يخصصه للحديث عن الشريف حسين ملك الحجاز في ذلك الوقت، وعن سياسته الخارجية، ومحاولته إقامة وحدة عربية بين الأقطار العربية تكون نواتها الحجاز وشرق الأردن والعراق، وفشله في إقامة هذه الوحدة التي كان يحاول من ورائها إعلان نفسه ملكاً على العرب. والموقف البريطاني من هذه الوحدة، والشروط الإنجليزية لتقديم المساعدات له أو لأي إقليم من أقاليم الجزيرة العربية، والتي رفضها الملك حسين، ورفضه للاتفاقية التي اقترحها (لورنس) في عام 1922. ولكنه يصطدم بالقوة الناشئة في أواسط الجزيرة العربية في نجد، ويتنبأ الريحاني ببزوغ فجر هذه القوة وسيطرتها على معظم بلدان شبه الجزيرة العربية، ويصفها بأنها (أكبر قوة في شبه الجزيرة)، ولا يكتم إعجابه الشديد برجل الجزيرة القادم ابن سعود.
وفي الجزء الأخير من تقريره هذا، يتحدث عن مؤتمر العقير الذي عقد في أواخر عام 1923، الذي كان موضوعه ترسيم الحدود بين مملكة ابن سعود الناشئة، والعراق الخاضع للحماية الإنجليزية، وكذلك قضايا القبائل. ولكن قضايا البحث عن النفط التي لم تكن مطروحة في جدول أعمال المؤتمر، قفزت إلى الأحداث، وباتت محوراً من محاور المؤتمر، وشأناً مهماً بعد انتهاء المناقشات في أمور الحدود والقبائل. ويكتب الريحاني تقريراً حول ذلك ضمن تقريره الموسع عن جزيرة العرب. وقد عاد الريحاني ونشر جزءاً مما تضمنه تقريره هذا حول مؤتمر العقير في كتابه (ملوك العرب)، الذي صدر بعد تلك الأحداث بعام واحد، في مايو 1924م.
هذا هو الإطار العام لتقرير الريحاني، فهل يحمل على الاعتقاد بأنه كان عميلاً بالنظر إلى محتواه من المعلومات وأهميتها؟! إن الواقعة في حد ذاتها تقول -كما يثبت الدكتور أنيس- إن الريحاني كان يرسل بتقاريره تلك إلى الخارجية الأمريكية. في واقع الأمر، ان التقرير المنشور لم يتضمن أي معلومات ذات أهمية أو سرية في ذلك الوقت، عدا بعض الوقائع التي نعتقد مع الدكتور أنيس، أن كتب الريحاني المنشورة لا تتضمنها، ومنها مثلاً ما دونه وحلله عن أهداف الشريف حسين، من إنشاء نواة للوحدة العربية في حينها -وإن أصبحت معروفة فيما بعد- يقول الريحاني في تقريره: (كانت فكرة حسين هي إنشاء نواة وحدة عربية تضم الحجاز وشرق الأردن والعراق. لكن هدف الشريف حسين من هذا الحلف الثلاثي كان توجيه ضربة عنيفة إلى تلك القوة في وسط الجزيرة، أي ابن سعود ومملكته الوهابية. فإما تحطيمها تماماً، أو إجبارها على الدخول في هذا الاتحاد. فحسين يسعى في الحقيقة إلى إقامة (وحدة شريفية) لا (حركة وحدة عربية)، وهذا هو السبب الذي جعل الملك فيصل ملك العراق لا ينضم إلى والده وأخيه. وهناك أكثر من سبب لموقف فيصل: فهو قد عقد معاهدة مع حكام نجد (يرجع إلى التقرير حول نجد) وبالإضافة إلى ذلك، فالعراقيون لم يكونوا شديدي الإعجاب بالملك حسين). (الهلال، فبراير 2006، ص 22).
ثم ذِكره لبعض الشخصيات المهمة التي كانت مقربة من الشريف حسين وتعمل معه، وبعضهم ذو مناصب مهمة. وتحليله لتلك الشخصيات، يحمل خصائص كتابة التقارير من هذا النوع. ومن تلك الشخصيات، شخصية (ناجي الأصيل)، ويصفه بأنه شخصية مهمة، ويقول عنه: إنه كان يفاوض لحساب الملك مع وزارة الخارجية البريطانية، وقد حضر إلى جدة ممثلاً لشركة بريطانية تريد التنقيب عن المعادن والنفط في الحجاز، وشركته صاحبة نفوذ مالي وسياسي في انجلترا، ومع أنه (رجل مغامر يلعب بثقة الملك، فقد عَينه الملك (صاحب الشكوك السريعة والتصديق السريع) وزيراً، ووعده بترخيص للبحث عن النفط، إذا نجح في توقيع المعاهدة مع انجلترا. ويتتبع الريحاني شخصية (ناجي الأصيل) وما أثارته من ردود فعل، واضعًا (أي الريحاني) نفسه في قلب الحدث يقول: (ناجي الأصيل) محمدي، (هكذا في الوثيقة)، من العراق، من أصل كردي، وإبان عودته من لندن تصيدته الصحافة المصرية - التي كانت على الجملة تكره الملك حسين- لتزعم أن (ناجي الأصيل) كان يفاوض إنجلترا لتوقيع معاهدة ضد الإسلام، وأن من شأن هذه المعاهدة أن تمنح دولة مسيحية ترخيصاً في مكة، مدينة المسلمين المقدسة، للبحث عن النفط. كما اتهمت الصحافة المصرية الشريف حسين بأنه وافق على (وعد بلفور) لليهود، وبذلك خان القضية العربية في فلسطين. وقد نفت صحيفة (القبلة) جميع مزاعم الصحافة المصرية.
غير أن حقيقة موضوع الترخيص للبحث عن النفط في مكة، يمكن تتبعه من خلال معلومة كانت قد وصلت إلى من مصدر ثقة، في خطاب أرسل إلى من عدن في 19 يوليو عام 1923- بالضبط في الوقت الذي عاد فيه (ناجي الأصيل) لأول مرة من لندن - وتقول الرسالة: (إن ياسين خان قد عين ضابطاً سياسياً في مكة، وأنه قد ترك عدن منذ أسبوع ليتسلم منصبه الجديد) (الهلال، عدد فبراير 2006، ص 24) .
ويكتب عن شخص آخر هو (ياسين خان)، هندي، يعمل في خدمة البريطانيين قاضياً في محكمة عدن، حصلت الحكومة البريطانية فيما بعد، على موافقة الملك حسين، لتعيينه ضابطاً سياسياً في مكة باعتباره مسلماً، ووظيفته المعلنة أن مهمته رعاية مصالح الحجاج الهنود. وهناك شخصية أخرى، هي (عارف النعماني)، وهو تاجر كبير في بيروت، شارك بفضل نفوذه وأهميته في حمل الملك على منح الإنجليز امتيازاً للتنقيب عن النفط والمعادن في الحجاز، وإنشاء خط حديدي من جدة إلى مكة، وآخر من ينبع إلى المدينة، وأن يحصل الملك بمقتضى ذلك على 40% ربحاً صافياً من أرباح تلك الشركة، لكن الملك عاد وأجل هذا الأمر، منتظراً نتيجة مباحثات (ناجي الأصيل) في لندن.