من احداث وثبة كانون الثاني 1948..السفارة البريطانية والتحقيقات الجنائية تبحث عن كاتب عراقي..متى كشف النقاب عن حقيقته؟

Sunday 30th of May 2021 09:27:44 PM ,
4954 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

رفعة عبد الرزاق محمد

في كتابه (المثير من احداث العراق السياسية) كنمط من الكتابة التاريخية البعيدة عن الردود والطعون كعرض وثائقي ليس الا، اثار مؤلفه الراحل احمد فوزي وفي الفصل الذي عقده حول كتاب (الى الحليفة الغضبي) والذي نشر بتوقيع مستعار هو (معمر العدواني) فدوخ السفارة البريطانية واتعب دائرة التحقيقات الجنائية يومذاك وهي تحاول معرفة اسم المؤلف الحقيقي، اقول اثار فوزي قضية لم تعد خافية على احد!

الا ان المؤلف يقول "واليوم.. وبعد ما يقرب من اربعين عاما على ذلك الحدث المثير، نكشف النقاب عن الاسم المستعار الذي اتخذه الكاتب، ونعلن انه الاديب والكاتب المعروف الاستاذ مصطفى علي..".

واستميح الاستاذ المؤلف عذرا.. اذا قلت ان النقاب قد تم كشفه قبل نحو عشرين عاما، عندما نشر المرحوم قاسم محمد الرجب (المتوفي عام 1974) مذكراته القيمة الموسومة (مذكراتي في سوق السراي) على صفحات مجلته الذائعة (المكتبة). وهذه المذكرات على جانب كبير من الاهمية والطرافة، ضمنها ذكرياته وانطباعاته الصريحة عن المثقفين العراقيين من مؤلفين وقراء ان ابين رواية المرحوم قاسم الرجب، اود ان اذكر الاستاذ احمد فوزي ان هناك اشارات واضحة الى حقيقة (معمر العدواني) كان قد اكدها الاستاذ كوركيس عواد في (معجم المؤلفين العراقيين) المطبوع عام 1969 في الجزء الثالث، كما اكدها المرحوم محمود العبطة المحامي في مقاله (الوطنية في سيرة مصطفى علي) المنشور في جريدة (العراق) ليوم 26 شباط 1986.

* ويذكر المرحوم الرجب ".. ان من عملاء المكتبة منذ ان فتحت الى سنة 1953 كان مصطفى علي، وكان لا يشتري كتابا ما من اي جهة كانت اذا وجده في هذه المكتبة، وهو ممن يهتم بالكتب الرصينة ولاسيما كتب التراث العربي القديم وفي بيته مكتبة قيمة فيها امهات الكتب والمراجع، واذا انشغل يوما ولم يمر بالمكتبة ذهبت بنفسي الى مقر وظيفته في مديرية الطابو العامة في الطابق الثاني، وكانت غرفته تطل على دجلة وكان معه في الغرفة نفسها عباس فضلي خماس المفتش في المديرية المذكورة. وكانا طوال النهار يبحثان في كل طريف من خلال مطالعتهما مختلف الكتب. وقد بقيت على ذلك سنوات دون ان يعكر صفوتا بيني وبينه شيء حتى حصل ما حصل.. وفي يوم من ايام سنة 1948 قامت مظاهرات معاهدة بورت سموت، وكانت حادثة الجسر القديم المشهورة التي وقع فيها كثير من الناس جرحى وصرعى، وكانت غرفته تطل على الجسر فشاهد بعينه ماحصل، فكتب رسالة طريفة مؤثرة سماها (الى الحليفة الغضبي) وجعلها بتوقيع مستعار هو (معمر العدواني) وطلب الي ان انشرها عندما اسافر الى مصر، فاذختها واخفيتها وسافرت بها. والرسالة هذه كتبت باسلوب مصطفى علي البليغ الرائع المؤثر فيها تلميح وتجريح بالوصي ونوري السعيد ولما كمل طبعها عملت علبا تشبه الكتب وشحنتها بهذه الطريقة الى بغداد، فوصلت كاملة فلما بدأت بتوزيعها، اذا بالشرطة والتحقيقات الجنائية تشعر بي وبالكتاب فكبست بيتي والمكتبة واقتادوني الى شرطة السراي بعد ان اخفقوا في العثور على نسخة واحدة لانني كنت قد اخفيت ما بقي منها لدى ادارة جريدة (اليقظة) لصاحبها سلمان الصفواني.. فلما مثلت امام شرطة التحقيقات الجنائية في السراي اقتادوني الى حاكم التحقيق وكان يومذاك السيد علاء الدين الوسواسي فطلب من الشرطة ان يخرجوا ويتركوني ثم اخبرني الوسواسي بالخلاص من هذه الورطة وهناني. كل هذا ومصطفى على لم يسال عني ولا عما حصل للكتاب ولم يكترث لما اصابني مع اني لم ابح باسمه..".

ومن الطريف اذكر هنا حادث مشابه لما ورد اعلاه، وبطله هو مصطفى علي نفسه فعندما كان موظفا في مجلس النواب في اوائل الثلاثينات شاهد رئيس الوزراء انذاك يلقي خطابا وكان يحمل مسدسا تحت السترة. وهاجم في خطابه الحركة الوطنية بقسوة، فرأى الاستاذ مصطفى علي ان يكتب عن ما شاهده وما قاله رئيس الوزراء، فكتب مقالا طريفا وسلمه الى المرحوم عبد الاله حافظ المدير المسؤول لجريدة (نداء الشعب) لسان حال حزب الاخاء الوطني جاء فيه، "وقف رئيس الوزراء خطيبا فغلبت عليه حدة طبعه، فبدت منه حركة دفعت الجانب الايمن من سترته فبدت قبضة المسدس من جيب سرواله الايمن، فما هذا الحذر على الانفس الغادرة بالوطن العابثة بمقدرات ثلاثة ملايين من ابنائه ؟ ذلك لانهم خائفون.

* وعلى اثر نشر المقال شنت الحكومة هجوما على الجريدة واوقفت مديرها المسؤول ومن المواقف النبيلة للمرحوم عبد الاله حافظ انه ارسل والده الى الاستاذ مصطفى علي يخبره بان مسودات المقال قد اتلفت ولاخوف عليه، وانه لن يخبر عنه مهما كان الامر، وبالفعل فدق حوكم المدير المسؤول للجريدة وحسب.

نشر مصطفى علي في كتابه عدد من المقالات التي ناقش من خلالها الوضع العام ووصف تلك المظاهرات ووقوع الشهداء بـ "أن الشعوب لا تحيا إلاّ بدماء ضحاياها وان الوثبة التي انتفض بها شعبنا الكريم ما هي إلاّ لمواجهة الظلم والاستبداد،حيث حيا المتظاهرين ابتهاجا بتلك الوثبة ووصف،بان حياة الإنسان أضيق من ان تتسع لهذا المشهد،مشهد اضمحلال الإمبراطورية إصدارة بنت الأجيال الغابرة الواسعة ارجاءها القوية شكيمتها الثابتة دعائمها .وأخذ مصطفى علي يهاجم المعاهدة ويوضح أن ما وصلت إليه العلاقات بين العراق وبين بريطانيا موجهاً كلامه " لا تؤخذونا أيها الانكليز على ما فرط منا فقد كنا قليلو الخبرة تسودنا السذاجة تتحكم فينا سلامة القلب فاندفعنا وراء العاطفة وأحسنا الظن بكم وبعد أن تكشفت لنا نياتكم السيئة فقد خذلتمونا وإن أخلصنا لكم الود فهي غير خليقة بالحياة بل هي جدير بالفناء والاضمحلال"(1) فهو لم يكتب بذلك بل ناقش وضع بريطانيا العام،لاسيّما بعد الحرب بالقول "وتحسبون بعد خروجكم بعد الحرب العالمية الثانية إن الأمم إذا تمكنتم من أن تخدعونها مرة أو مرتين ستبقى مخدوعة ومستسلمة لكم،مادامت الأرض والسماء ؟، أم ظننتم أن الشعوب أنعام تساق طوع أمركم ؟،كلا أيها الانكليز، كلا،لقد عرفت كيف تعاملكم لقد أصبحت بصيرة من أمرنا بعد أن جربتكم وتكشفت لها أخلاقكم الأساسية وها هي ذي الأمم المنتشرة في مشارق الأرض ومغاربها تشكوا من جوركم وظلمكم،وتصرخ مما لقيت من بطشكم وإرهاقكم والتجأت إلى السماء من كيدكم ومكركم نحن نختلف عنكم من هذه الناحية كل الاختلاف فان من مبادئنا تبدل الأحكام بتبدل الزمان،فلا غرابة إذا سخرنا منكم ومن دعاياتكم التي سلكتم فيها سبلاً عقيمة وطرقاً اعرض عنها السامعون،وفي مقال لمصطفى علي،عن دور بريطانيا في الضغط على الحكومات العراقية بمكافحة القوى الوطنية بأنها عملت على مسك السجون والمعتقلات بأحرار الرجال من أجل التغلب على مقاومته وإجباره على قبول المعاهدة وهذا ما فعلته وزارة صالح جبر، لكن الشعب كان واعياً لتلك المخططات،فتصدى لها وقاومها بكل قوه معبراً عن رأيه في أن يعيش حراً في وطنه.