في فيضان 1954 عندما أرادت الحكومة إخلاء جانب الرصافة من بغداد

Sunday 20th of June 2021 09:34:58 PM ,
4969 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

د . عبد الرحمن ادريس صالح

دعا رئيس الوزراء محمد فاضل الجمالي الى اجتماع موسع ، عقد في تمام الساعة العاشرة من مساء يوم 29 آذار ببناية مديرية الري العامة ، حضره أعضاء الوزارة وعدد من رؤساء الوزراء السابقين واعضاء من مجمس الاعيان والنواب وكبار المسؤولين في الدولة.

وكانت الغاية من عقد الاجتماع مناقشة الوضع الراهن لمواجية اخطار الفيضان ، وتخمل الاجتماع مناقشات مستفيضة لموضوع الفيضان وطرحت خيا رات عديدة امام المسؤولين ، واستقر الامر على إتخاذ قرار باخلاء جانب الرصافة من السكان ونقميم الى جانب الكرخ. وكان من المتحمسين لذلك القرار صالح جبر ) أحد رؤساء الوزراء السابقين ( الذي أكد إن نخوة أهل الكرخ

تسمح بإيواء سبعة عوائل في كل دار من دورىم ، وأشار العين صادق البصام الى ضرورة إخلاء الرصافة ، غير ان سعيد قزاز كان من المعارضين لعملية الاخلاء وفي حوار بينه وبين مدير الري العام الميندس ) أف.اهاردي)الذي كان أحد المتحمسين لعملية الاخلاء ، اشار سعيد قزاز الى ما يمكن ان يمثله قرار الاخلاء من خطر على حياة السكان ، فأجاب ىاردي بإنه يمكن ان يمثل 95 % ، فما كان من القزاز إلا ان يؤكد بأنه يخالف قرار الاخلاء على الرغم من أن خطر الفيضان كبير.

. وأوضح ان مخاطره تكمن في عدة جوانب أبرزها ،حدوث أعمال سلب ونهب أثناء عملية الاخلاء وبعدها ، واىهاء الحفاظ عمى السدود بعد ان ينسحب المحافظون عليها بينما مواجهة الفيضان الاجدر في مثل تلك الظروف مع احتمال فشل التخلية ،هذا فضلاً من ان عملية الاخلاء قد لا تُنجز بمدة قصيرة وذلك لوجود جسرين قديمين صالحين للعبور وقد يتعطلان في أي لحظةمن جراء الفوضى التي تحدث عند اعلان قرار الاخلاء ، علاوة على حوادث المرور التي من الممكن ان تقع اثناء الاخلاء.

وخلال المناقشات التي دارت في الاجتماع وجه سعيد قزاز كلامه الى هاردي مؤكداً بأنه على خطأ في تأييد قرار الاخلاء ، وانه أي ) سعيد قزاز ( سيظل معارضاً لقرار الإخلاء حتى ولو وافق عليه جميع الحاضرين ، وكونه وزيرا للداخلية فالمسؤولية تحتم عليه عدم الأخذ بالقرار ، وفي خضم تلك الأجواء وصل ولي العهد عبد الاله ، الى مقر الاجتماع ، فوجد المجتمعون امام رايين مختلفين . وفي ختام معارضته لقرار الاخلاء اكد سعيد قزاز لولي العهد بأنه مسؤول أمام الله في تحمل مسؤولية عدم إخلاء الرصافة وحذر من مخاطر الإخلاء ، وانه لا يتحمل عواقب مثل هذا الاجراء .

إستمرت المناقشات بين الحاضرين واستقر الراي على مضاعفة الجهود والعناية بالسداد من جميع الاطراف العسكرية والأمنية والشعبية ، كما وضاعفت وزارة الدفاع جهودها في سبيل درء خطر الفيضان. ومن بين الاجراءات التي إتخذتها االوزارة الاستعانة بفوج من الموصل مهمته المشاركة في تقوية وحماية السدة الشرقية ، كما إستنفرت قطعات عسكرية اخرى لانجاز مهمة الدفاع عن العاصمة ، وكان من بينها اللواء التاسع عشر الذي كان بأمرة الزعيم عبد الكريم قاسم.

صُرف النظر عن إخلاء الرصافة ، واستمر العمل لمجابهة الاحتمالات المتوقعة ، وأعلن وزير الداخلية ) سعيد قزاز ( بياناً أهاب بالمواطنين إلتزام الهدوء والشعور بالمسؤولية في اداء الواجب في تلك اللحظات الحرجة ، وألقى البيان بنبرات حزينة طالبا الناس بالوجود والترقب والأمل ، ومن بين ما أكد عليه القزاز في بيانه ذلك ، هو تطمين السكان من خطر الفيضان ، داعياً المواطنين الى مساعدة الزمر العاملة على حماية العاصمة بالوسائل الممكنة ، فضلاً عن دعوتهم للتصدي للدعايات المقلقة ، والحصول عمى المعلومات الصحيحة من الدوائر الرسمية ، واختتم القزاز بيانه بالدعاء لاجتياز المرحلة العسيرة بسلام .

وتجدر الاشارة الى ان سعيد قزاز اشار الى المؤرخ الحسني من ان المخاوف كانت تساوره من تدخل العناصر المعارضة في الموقف واستغلالها الفيضان لارباك الوضع ونشر الشائعات المغرضة لبث الفوضى في اوساط الاهالي مما كان سيزيد الطين بلة ، ولو انها فلمت لأثرت في المسار الصحيح بشكل واضح .

إلا ان هذا لا ينفي وجود بعض الدعايات المقلقة للسكان ، كانت قد اثيرت اثناء حدوث الفيضان وهىذا واضحاً في ديباجة البيان الذي ألقاه وزير الداخلية سعيد قزاز وتأكيده على ان يحصل المواطنون على المعلومات من الدوائر الرسمية المختصة .

ان الجهود التي بذلت في سبيل درء خطر الفيضان ، والخطوة الجريئة التي اقدم عليها سعيد قزاز حظيت باهتمام بعض الشخصيات الوطنية التي اشادت بدوره في تلك الاوقات الحرجة ، مكبرين فيه شجاعته التي كان لها دور في إنقاذ العاصمة بغداد من خطر الفيضان . فتحدث النائب توفيق السمعاني في هذا الصدد قائلاً « ان العقول التي قررت البيان ] بيان الاخلاء [ لا تصلح لهذه المسؤولية لانه قرار أشد وقعاً على الناس من الفيضان « ، وأعلن في مجلس النواب بأنه يُكبر في سعيد قزاز تلك الرجولة التي أنقذ بها العاصمة من الخطر . ويذكر العميد المتقاعد خليل إبراهيم حسين بأنه كان برتبة ملازم أول ايام فيضان بغداد عام 1954 ، وعمل مساعداً لمدير الفيضان العميد الركن خليل جميل )أمر صنف الهندسة( ، وبينما كانت الجهود تبذل للحد من خطر الفيضان ، إتصل المقدم سعيد حمدون )احد ضباط الحرس الملكي( بمقر

إدارة الفيضان )غرفة العمليات( وبتوجيه من الوصي عبد الإله، طالبَ بتزويد أمير ربيعة بالمواد التموينية والبطانيات ، وعند الاتصال بوزارة الداخلية ، امتنع سعيد قزاز ) وزير الداخلية ( عن تنفيذ ذلك الطلب مشيرا ً الى ان المواد التي هيئتها الحكومة مييئة لتزويد فقراء الناس والمحتاجين ، اما امير ربيعة فيملك اموالا كثيرة ، ويمكنه شراء المواد من الاسواق أو اخراجها من مخازنه وتوزيعها على اتباعه وفلاحيه .

عن (فيضان عام 1954 فصل من تاريخ بغداد الاجتماعي) مجلة ديالى 2010