بعد هروب الوصي عبد الاله الى البصرة عام 1941 .. محاولة غامضة لألقاء القبض عليه

Sunday 4th of July 2021 10:48:56 PM ,
4979 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

د. زينب كاظم احمد العلي

ورد في تقرير لمديرية شرطة لواء البصرة ان الامير عبد الاله الوصي على العرش قد وصل في الساعة الثامنة من مساء يوم 3 نيسان1941 قادماً من الحبانية بطائرة بريطانية الى الشعيبة ومنها الى البصرة بصحبة كل من علي جودت الايوبي والرئيس ( النقيب ) عبيد عبد الله المضايفي وحلوا في فندق شط العرب في المعقل ، وطلب الوصي حضور بعض المسؤولين للالتقاء بهم ،

وكان صالح جبر متصرف البصرة اول من حضر،كما زاره كل من قائد قوات شط العرب احمد رشدي وآمر حامية البصرة العقيد رشيد جودت وكذلك زاره الكولونيل وارد مدير الميناء والكابتن ميلنك ضابط الاستخبارات البريطاني، كما شوهد قائد القوة الجوية والبريطانية في قاعدة الشعيبة في فندق شط العرب ايضاً ، ويذكر العقيد عامر حسك مقدم اللواء السابع يومئذ في كتابه (احداث البصرة في ثورة 2 مايس 1941) بان الوصي طلب من آمر حماية البصرة العقيد رشيد جودت تهيئة اللواء السابع للتقدم نحو بغداد للقضاء على حكومة الدفاع المدني لان “ بقية الضباط في بغداد وقطعات الجيش في المناطق الاخرى “ حسبما اوضح الوصي “ غير راضين على تصرفات اولئك الضباط المتمردين وانهم سوف ينضمون الينا « .واضاف عامر حسك ايضاً بان الوصي قد ذكر بان “ قوات انكليزية كثيرة ومزودة بالاسلحة الحديثة على وشك الوصول الى البصرة وسوف تنضم الينا عند تقدمنا نحو بغداد «.

اما آمر حماية البصرة العقيد رشيد جودت فأنه لم يذكر هذا الامر في تقريره الذي رفعه هو الى رئاسة اركان الجيش في 6 نيسان 1941 ، سوى ما ذكره الوصي من شرح للموقف الذي حصل في بغداد وكيفية مجيئه الى البصرة،الا انه (اي العقيد رشيد جودت) ذكر بان صالح جبر اخبره عن خطة الوصي ووعود الانكليز بالمساعدة “ فأيقنت ان هذه لعبة انكليزية محظة يتوخى منها تدمير البلاد «.ومما يجدر ذكره ان العقيد رشيد جودت بصفته آمر لحماية البصرة قد تسلم برقية من رئاسة اركان الجيش تقضي “ بضرورة السيطرة على الموقف في البصرة “ ، لذا فقد عقد اجتماعاً عسكرياً حضره قادة البصرة العسكريون آمروا الافواج وهم المقدمون مهدي صالح ويوسف عمر وعزيز حكمت والرئيس ( النقيب ) نوح عبد الله آمر القوة النهرية واخبرهم بمضمون برقية رئاسة اركان الجيش السابق ذكره ، كما اخبرهم بالوقت نفسه بوصول الوصي الى البصرة واوصاهم بضرورة العمل على مقاومة تحركاته ، ومعنى ذلك ان امراء الافواج لم يكن لهم علم بوجود الوصي في البصرة الا ان رشيد جودت اكد صحة وجوده وانه التقى به في فندق شط العرب وشرح لم ما حصل .

وبعيداً عن كل التفصيلات الاخرى فقد كانت الرؤيا واضحة لدى امراء الافواج فيما يتعلق بتولي رشيد عالي الكيلاني والعقداء الاربعة زمام المسؤولية وهروب الوصي وعدم المتلاكه اية سلطة تنفيذية خلال وجوده في البصرة ، وان السلطة الشرعية الآن بيد الحكومة الرسمية في بغداد ، وقد توصل هؤلاء الامراء بعد المناقشة الموقف الى قرار مفاده “ ان عمل الوصي خلافاً لمصلحة المملكة “ كذلك اتفقوا على عدم السماح بتشكيل اية حكومة او ادارة مدنية او عسكرية في البصرة لان هذا سيؤدي حسبما اعتقدوا الى” عدم استتباب الامن باعتباره ضد الحكومة الشرعية في بغداد “ ، وقد حاول الوصي بعد ان استدعى هؤلاء الامراء التاثير عليهم وطلب اليهم ان يستمعوا لمنشور قرأه صالح جبر عليهم واخبرهم انه سينشر في جريدة الثغر ( لصاحبها شاكر النعمة ) لاضهار سخط البصريين على حكومة الدفاع الوطني، ثم اخذ علي جودت الايوبي بالكلام وذكر لهم بان حكومة الدفاع الوطني مخالفة للدستور وان البلاد التي لا يحترم دستورها لا يمكن المعيشة فيها ، وطلب منهم العمل الجاد لدعم الوصي وتأييده .

الا ان الامراء بدلا من الانصياع للوصي ولمنشور صالح جبر اتخذوا ما يالي من الاجراءات :

1 ـ السيطرة على المطابع وعدم نشر اي شيء يصدر من الوصي او المتصرف صالح جبر .

2 ـ السيطرة اعلى الهواتف والبرق ومراقبة الاتصالات الهاتفية .

3 ـ منع المتصرف وحاشيته من الاتصال مع اية جهة كانت.

وهذا يعني ان القادة العسكريين في البصرة بالرغم من علمهم بقوة الانكليز ودعمهم للوصي الا ان ايمانهم العميق بوطنيتهم دفعهم لاتخاذ تلك الاجراءات لدعم الحكومة الشرعية في بغداد .

اما بالنسبة الى الوصي فقد تعقد موقفه بعد قطع الخطوط الهاتفية الخاصة بفندق شط العرب للحيلولة بينه وبين الاتصال باية جهة كانت ، وقد اشر تقرير لمديرة البصرة بان هذا الاجراء مع عملية القاء القبض على المتصرف وسوقه الى بغداد....

قد اثارت الوصي وسببت استاء له ولمرافقيه وتوقعوا ان هنالك اخطار تنتظرهم لذا تركوا فندق شط العرب وتوجهوا بصحبة الكولونيل وارد مدير الميناء الى مقر القوة الجوية البريطانية في الشعيبة...

ثم هناك تم الاتفاق على نقلهم الى احدى البواخر الراسية في شط العرب ،اما اجراءات السلطة الرسمية في بغداد اتجاه ذلك فانها اوفدت بعد يومين من وصول الوصي الى البصرة كلاً من الرئيس (النقيب) محمود حسن الدرة والرئيس الاول (الرائد) محمد حسن الطريحي الى البصرة ( فوصلاهما يوم 5 نيسان 1941) وقد اوضحا ان الغرض من ارسالهما الى البصرة كان لاطلاع مقر حاميتهما على التطورات التي حصلت في بغداد اولاً ، وتنفيذ ما جاء من قرارات مجلس الدفاع الاعلى ثانياً ، ومعرفة موقف حامية البصرة ومدى استعدادها للمحافظة على امن البصرة ومنع الفوضى ثالثاً ، وبعد انتهاء مهمتهما ورجوعهما الى بغداد قدم الطريحي تقريراً الى قائد الفرقة الثالثة في 7 نيسان 1941 اوضح فيه تفاصيل المهمة التي ارسلا من اجلها.

وفي حديث لي مع محمد حسن الطريحي قال كلفت من قبل قائد الفرقة الثالثة صلاح الدين الصباغ بالذهاب الى البصرة والقاء القبض على الوصي وجلبه الى بغداد لاعتقاله او تسفيره الى الاردن ، وقد ارسلوا معي محمود الدرة ، وقبل سفري اتصلت هاتفاً بعامر حسك لتنفيذ الامر ، ويظهر ان المخابرة سرقت من قبل الاستخبارات البريطانية وهذا الاحتمال هو الارجح ، اذ عندما وصلت الى البصرة مع الدرة علمنا بان الوصي هرب من فندق شط العرب قبل ذهاب عامر حسك اليه ، فأشعرت الصباغ هاتفياً بذلك فأمرنا بالعودة ، وقد تأخر رجوعنا بالطائرة بسبب الظروف الجوية الرديئة في اثناء وجودنا في البصرة أخبرنا طارق الزهير ضابط الاستخبارات العراقي بمشاهدته للوصي على البارجة البريطانية في شط العرب ، وقد اجتمعنا في مقر اللواء بصالح حمام وكيل المتصرف (الذي كان قائممقام لقضاء ابي الخصيب) ورشيد جودت ومهدي العاني وعامر حسك ومحمود الدرة وطارق الزهير لنبحث ماذا نعمل وقبل ان نتخذ اي شيء جاءت الاوامر بمنع الوصي من الاتصال بأي شخص في البصرة.

اما الوصي قفد بدء من مقره الجديد في احد البوارج الراسية في شط العرب محاولاته اليائسة بأثارة الناس ضد حكومة الدفاع الوطني عبر سلسلة من الحملات الدعائية كان ابرزها انه أذاع في 4 نيسان 1941 بياناً الى الشعب العراقي طلب فيه من الجيش العراقي العمل على اسقاط حكومة رشيد عالي الكيلاني .

وقد اذاع البيان مرتين كما ان وقت اذاعته انحصرت بين الساعة التاسعة والعاشرة مساءاً.

وقد اشار في بيانه هذا الى ان استقالة وزارة طه الهاشمي كانت استقالة غير شرعية لانها حصلت بدون موافقته ، ثم هاجم رشيد عالي الكيلاني وصحبه واسند اليهم التهم المختلفة وشكك في اخلاصهم ووطنيتهم ، وأضاف بأنه اضطر لمغادرته بغداد الى البصرة بعد ان احاط اتباع رشيد عالي الكيلاني بقصره وانه اراد ان يخاطب الشعب العراقي قبل الآن الا ان الظروف لم تسمح له ، واختتم بيانه بالطلب من الناس الى ان يدعموه ويسندوه والتمرد على حكومة الدفاع الوطني.

قد استلم مدير شرطة البصرة امراً من وكيل المتصرف صالح حمام باجراء التحقيق عن الاذاعة التي اذاع الوصي فيها بيانه السابق، وكانت نتيجة التحقيق هي ان الوصي ما يزال على ظهر البارجة البريطانية ، اما البيان الذي اذاعه فقد كان من محطة لاسلكية عائدة الى مديرية الميناء وقد عمل على تهيئتها مدير الميناء الكولونيل وارد نفسه.

عن كتاب : البصرة خلال ثورة مايس 1941