ثورة 14 تموز والأنسحاب من حلف بغداد

Sunday 11th of July 2021 10:41:41 PM ,
4984 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

إبراهيم هاشم معضد

كان من أهم أهداف اللجنة العليا للضباط الأحرار والهيئة الوطنية العليا لجبهة الاتحاد الوطني، الانسحاب من حلف بغداد، وأن من أولويات قادة الثورة التخلص من هذه التبعية والبعد عن المحيط العربي، بالرغم أن من أهداف هذا الحلف هو محاصرة الاتحاد السوفيتي وأفكاره الشيوعية من أن تتسرب إلى شعوب المنطقة العربية الطامحة للاستقلال والتخلص من نير العبودية ونهب خيراتها.

وعندما سئل عبد الكريم قاسم عن موقف العراق من الحلف قال: “إن دول الحلف لم تعترف بعد بالثورة، ولذلك فإن موقف العراق سوف يتحدد على ضوء مواقف دول الحلف”، ويستشف من هذا التصريح أن جزءاً من سياسة التهدئة التي يحاول قادة الثورة إتباعها خشية من التدخل الخارجي أو الأجنبي ضد الثورة وهي في مهدها. أما بعد ذلك فقد اتخذ العراق تجميد عضويته في الحلف منذ اليوم الاول للثورة حتى 24آذار1959، حيث إذ انسحابه منه رسمياً ونهائياً.

تجميد عضوية العراق في الحلف

اتخذت حكومة الثورة مؤقفا وسطاً إزاء هذا الموضوع، فهي لم تنسحب رسمياً من الحلف، ولكنها أنهت عضويتها عملياً وذلك باتخاذها عدة خطوات عملية لذلك. فقامت بإغلاق مقر الحلف بعد احتلاله من قبل القوات العراقية، ولم يدخله احد من أعضاء السكرتارية، ولم يعقد أي اجتماع فيه.ولم يرسل العراق وفداً لحضور الاجتماع الوزاري في لندن في 28تموز1958 وبقي مكان العراق شاغراً على الرغم من حضور سكرتير الحلف العراقي عوني الخالدي وفي الأشهر التالية حوكم العسكريون والمدنيون من ساسة العهد الملكي بتهمة عقد حلف بغداد.

كما كانت الصحافة والإذاعة تعد خروج العراق من الحلف امراً منتهياً، وقد طالبت الأحزاب والفئات والرأي العام والصحافة بالانسحاب من الحلف، فطالب الوزراء القوميون في الوزارة الخروج من الحلف.

كما طالبت جبهة الاتحاد الوطني والحزب الشيوعي والمنظمات الشيوعية الأخرى كأنصار السلام، وكذلك الاتحاد السوفيتي عبر إذاعة موسكو وتحذيره من اجتماع الحلف في كراجي في 26كانون الثاني1959 بأنه يستهدف الدول العربية ولاسيما العراق.

الانسحاب من الحلف

إن مبررات الانسحاب من الحلف كانت قائمة منذ العهد الملكي، وكان من المتوقع أن يتم الانسحاب منه بعد ثورة 14تموز مباشرة وذلك لجملة من الأسباب اواهمها:

معارضة الشعب العراقي له من خلال الأحزاب الوطنية والمظاهرات الشعبية في سنة 1956، ولم يكن تصديق مجلس النواب عليه صحيحاً لأن أعضاء المجلس كانوا قد فازوا بمناصبهم في انتخابات مزيفة لا تمثل إرادة الشعب، لاسيما بعد العدوان الثلاثي على مصر.

أدخل الحلف العراق في دائرة الانحياز الغربية ضمن شراك الحرب الباردة من دون أن تكون له مصلحة في ذلك، وكان بعض أطراف الحلف أعضاء في أحلاف غربية أخرى كحلف الأطلسي، وحلف جنوب شرق أسيا.

خلف الحلف عداءً للعراق مع دولة كبرى هي الاتحاد السوفيتي القريب من الحدود العراقية من دون مبرر، وجعل أرض العراق هدفاً عسكرياً في حال اشتعال حرب عالمية ضارية.

لم يحصل العراق على تجهيزات كافية لتسليح الجيش العراقي بسبب تواطؤ الدول الغربية وتهاونها في ذلك.

ضمن الحلف بقاء المصالح الأجنبية في العراق، ولاسيما الشركات النفطية.

عزل الحلف العراق عن المجموعة العربية وحركة التحرر العربية.

لم يمنع الحلف من ارتكاب أحد أعضائه (بريطانيا العدوان على دولة عربية هي مصر في عام 1956).

لم يساهم الحلف في أضعاف علاقاته (بإسرائيل) ومدها بالمساعدات.

لم يحافظ الحلف على السلام في الشرق الأوسط كما جاء في ميثاقه، وإنما ساهم في زعزعة السلام من خلال اعتداء بريطانيا على مصر عام 1956، وحشد تركيا لقواتها على الحدود السورية عام 1957.

كان الحلف ضماناً لأمن (إسرائيل).

عزل الحلف العراق من كتلة عدم الانحياز والحياد الايجابي.

إن انضمام بريطانيا للحلف فقد افقد الصفة الإقليمية له.

لم يستطع العراق حل خلافاته الحدودية مع إيران ضمن إطار الحلف.

لذلك أعلنت الحكومة العراقية الانسحاب منه رسمياً في 24آذار1959، وأرسلت مذكرات تحريرية إلى سفارات كل من بريطانيا وتركيا وإيران وباكستان بصفتهم اعضاءً فيه، والى السفارة الأمريكية شفهياً بإعتبار الولايات المتحدة عضواً في اللجنة العسكرية فقط.

وقد جاء في مذكرة الانسحاب «وجدت الحكومة العراقية إن بقاء العراق طرفاً في ميثاق بغداد لا يتماشى وسياسة الحياد الايجابي التي أعلنتها وسارت بموجبها فعلاً ثورة 14تموز1958، كما انه لا ينسجم مع رغبات الشعب العراقي الذي أعلن عن معارضته للحلف... فالحكومة العراقية ترى أن انسحابها من عضوية ميثاق بغداد وسيلة لتدعيم وإنماء الصداقة بين العراق وكافة الدول... وهي تؤكد رغبتها في استمرار العمل على تدعيم أواصر الصداقة والمودة مع تلك الدول بما يتفق ومبادئ الأمم المتحدة، وهي واثقة بأنها ستجد من الدول الصديقة ما تأمله من التعاون بروح المودة التي يحس بها العراق تجاهها لاسيما أن الروابط التاريخية والمنافع المتبادلة التي تربط العراق بهذه الدول عوامل أساسية أثبتت الأيام صلاحها في دوام تعاون مستمر وعلاقات ودية مزدهرة».

أما مبررات الانسحاب المذكورة فقد كانت قائمة بعد قيام الثورة فلماذا كان هذا التأخير على الرغم المطالب الملحة من الأحزاب والرأي العام العراقي بالانسحاب منه؟

وقد يكون الجواب أكثر إقناعا لو نظرنا إلى موقف الحكومة العراقية المتمثل في درء خطر التدخل الأجنبي المتوقع من قبل بريطانيا وأمريكا اللتين أنزلتا قواتهما في لبنان والأردن، أي إن الخطر المهدد للقضاء على الثورة بات في مرمى حجر، كما كان هناك توقع أن يكون هناك تدخل إقليمي من قبل تركيا وإيران وذلك بإثارة حركة التمرد الكردية في شمال العراق وهو أمر في غاية الخطورة وذلك بضرب وحدة الشعب والتراب العراقي بالصميم عن طريق إثارة وتغذية روح الانفصال لدى الجانب الكردي.

كما أن تردد عبد الكريم قاسم بانتظاره المدة القانونية للعضوية في الحلف وهي 5 سنوات والتي كانت تنتهي في 24شباط 1963 ولكن لم يحدث ذلك لأن الانسحاب تم قبل هذه المدة بسنة تقريباً، قد يكون سبباً آخر لعدم الانسحاب من الحلف.

وعلى الرغم من المطالب الملحة من قبل الأحزاب والرأي العام العراقي بالانسحاب من الحلف، إلا أن القرار الأخير يبقى للزعيم عبد الكريم قاسم بإعتباره محور اتخاذ القرارات السياسية الخارجية، فقد كان يرد على الطالبين بالانسحاب بضرورة التريث، كما انه كان يشير دائماً إلى أن من الضروري المحافظة على امن وسلامة البلاد وان ذلك يستوجب ذلك التريث بإتخاذ مثل هكذا قرار، وأن ذلك من اختصاصه وأن أغلب وزرائه من المدنيين فليس ذلك من اختصاصهم وان من ذلك الضرورات هو كيفية الحصول على السلاح والذخيرة لاسيما وأن اغلب تسليح الجيش العراقي من مصادر غربية والخوف من إثارة المسألة الكردية وإدامة العلاقات الحسنة مع الدول المجاورة كما يمكن اعتبار الضغط القومي الذي مارسه جمال عبد الناصر سبباً آخر للانسحاب من الحلف بعد ان اتهم عبد الكريم قاسم بأنه يريد الاحتفاظ بالحلف لمصلحة بريطانيا فكان رد الفعل هو الانسحاب من الحلف ويمكن إضافة ضغط الحزب الشيوعي في الداخل بشن حملات صحفية مباشرة تطالب بالانسحاب سبباً آخر للانسحاب.

موقف أعضاء الحلف من انسحاب العراق

موقف العراق تجاه الحلف بعد الانسحاب

وبعد ذلك قدم الوفد الإيراني تقريراً يشير إلى تحسن العلاقات بين البلدين، بعدما كان الأتراك طلبوا منهم ترك خلافاتهم مع العراق في اجتماعات طهران، في تشرين الأول1959، ولاهور في شباط1960، ولعل ما يوضح موقف العراق من الحلف ما ذكره عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء بقوله:»إن حلف بغداد (السنتو) لا يزال يحاربنا، وهو وان قضينا على قاعدته في العراق، إلا انه يحاول إخضاعنا لنفوذ وإنشاء قاعدة له في قلب العراق عن طريق البرزاني» وهذا القول لم يأتي اعتباطاً، فإن المندوب البريطاني في الحلف قال في أنقرة بأن السفير البريطاني زار الملا مصطفى البرزاني». إن وثائق الحلف شحنت كاملة من العراق إلى القاهرة، ولكن دول الحلف طالبت بإعادة تلك الوثائق، ووافقت الحكومة العراقية على مذكرة بريطانيا في 3تشرين الثاني1958 بتسليمها وثائق الحلف، وتم نقل هذه الوثائق عن طريق إيران إلى المقر المؤقت للحلف في تركيا.

بعد انسحاب العراق قرر أعضاء الحلف تغيير اسمه من حلف بغداد إلى منظمة المعاهدة المركزية، تم ذلك في اجتماع الحلف في 21آب1959 في أنقرة، كما إن الصحف العراقية هاجمت اجتماعات الحلف في طهران في 17تشرين الثاني1959، وعدت ذلك تآمراً على العراق وتشجيع للنشاطات التخريبية ضده. وكانت دول الحلف قد بحثت انتشار الشيوعية في المنطقة، والعلاقات بين العراق والجمهورية العربية المتحدة، وقررت أن النظام القائم في العراق يقاوم الشيوعية والناصرية، ومن الأفضل عدم التدخل في شؤونه بل تقويته، وان كميل شمعون رئيس وزراء لبنان، منع وقوع هذا البلد تحت تأثير ونفوذ الجمهورية العربية المتحدة.

عن رسالة: وزارة الخارجية العراقية 1958- 1968.