الملكة عالية.. وحياتها الأسرية

Sunday 1st of August 2021 10:28:11 PM ,
4993 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

قاسم حلو الغرابي

منذ أن وطأت أقدام الأميرة عالية بغداد عاصمة العراق مع والدتها وشقيقهاعبد الإله وبقية الحاشية المرافقة لها لأول مرة في حياتها في مساء 6 آيار 1926, أدركت الألم االذي يعيشه والدها الملك علي بعد فقدانه لعرشه بالطريقة التي فرضها البريطانيون , فأخذت تواسيه ووقفت الى جانبه في محنته القاسية وتهون عليه واقع المصيبة وتخفف منها ,

وتتحاشى ان تبدر منها كلمة تجدد آلامه أو تزعجه , وتردد دائما ان الثروة والسلطان يأتي ويذهب , ولم يخلد لأحد لاجاه ولا سلطان , وكفى جدهم الملك حسين فخراً انه بقى الى ساعته الاخيرة حارساً لقضية العرب مطالباَ بحقوقهم في فلسطين مستنكرا على الحلفاء وعودهم وغدرهم , فكانت تردد دائما كلمة ملك بلجيكا لويس السادس (خسرنا كل شيء الا الشرف).

كانت الملكة عاليه شديدة التعلق بوالدها الملك علي حيث كان يهفوا عليها ويرق لها , وكان كثيرا ما يحمد الله عليها ويطلب من الله أن يمنحها عناية ملحوظة ، لأنه كان يتوسم فيها مستقبلا باهرا لما تتمتع به من عقل راجح وذكاء وفطنة , فكانت مواساتها له تخفف عنه فعلا هول المحنة , فهو يأنس بها ويرتاح لها ويعاملها معامله خاصة.

ومن الجدير ذكره ان بنات الملك علي ومنهن بالطبع الأميرة عالية قد ادخلن في البداية مدرسة الاطفال في الباب الشرقي ولكنهن انقطعن عنها بعد مدة , وقررت والدتهن الملكة نفيسة ارسالهن الى المدارس الأمريكية في بغداد ليتعلمن اللغة الانكليزية , ولما كان من شروط هذه المدارس قراءة الانجيل قررت والدتها لهذا السبب عدم ارسالهن لها , واقتداءا بتجربة الملك فيصل قرر شقيق الملك علي فتح صف لكريماته وكانت الأميرة عالية في مقدمة اللواتي اقبلن على الدراسة .

ويبدو ان الاميرة عالية قد تبلورت شخصيتها ، لاسيما بعد ان اختار عمها الملك فيصل لها ولشقيقاتها وبالتعاون مع والدتهن معلمات عراقيات لتدريسهن , ومن بين هؤلاء (عصمت السعيد) عميدة كلية الملكة عالية في بغداد, والانسة (نجلاء معلوف) شقيقة الفريق الدكتور امين معلوف رئيس طبابة الجيش العراقي سابقاً وصاحب المؤلفات العلمية واللغوية الثمينة (معجم الحيوان والمعجم الفلكي) .

كما اشرفت على تعليمها السيدة( سلمى صبيحة) و(وديعة صبيحة) شقيقتا الطبيب المعروف ببغداد (وديع صبيحة) وهما بالأصل لبنانيتا الجنسية ، لكنهما عاشا في العراق زمنا طويلا , وبهذا نجد ان الأميرة عالية قطعت في تعليمها شوطاَ طويلا واثبتت لمعلميها انها تتمتع بذكاء وعقل يخزن موهبة فطرية قوية , وقد سطرت معلمتها الست عصمت السعيد مانصة :” انها كانت تلميذة لم تبطرها أبهة الامارة , بل زادتها من تواضعها , ولم يصرفها نعيم المجد المؤثل من ايفاء دين العلم فكانت احرص ما تكون على قيام بالواجب وضبط الوقت واستغلاله “.

وفي عام 1928 انتقل أهلها الى بيت كبير في كرادة مريم كان لوجيه من البصرة أسمه أغا جعفر فالبيت كان العامة يطلقون عليه قصراَ , لكنه لم يكن قصراَ بالمعنى الحقيقي , انما تعارف الناس عليه , كونه كبيراً وبات معروفاَ بينهم بـ(قصر الملك علي), وكان يطل من الجهة الخلفية على نهر دجلة .

كانت الأميرة عالية نحيفة القوام هادئة الطبع تشبه شقيقها الامير عبد الاله كثيراً في تقاطع وجهه وملامحه وهي فتاة ذات حساسية مفرطة، وقد وصفها طبيب العائلة المالكة (سندرسن باشا) بأنها :»امرأة ذات جمال ومرح ولطف وذكاء نادر وعينين واسعتين ووجه بيضوي يمتاز بإشراقة وبكلامها الذي ينم عن أدب اصيل وكرم خلق اذ لم يكن في حديثها أي تكلف الى جانب ما تمتاز به من بساطة في مظهرها , وبهذا فشخصيتها توحي بالاحترام , كما انها ترعى تقاليد الدين الإسلامي وقيمه وتتمسك بأهدابه فهي ولدت وعاشت في بيت مجاور للكعبة الشريفة ويشرف على المسجد الحرام فتشاهد يومياَ افواج المسلمين وهم يصلون ويبتهلون لله (عز وجل) فانغرس الإيمان في نفسها منذ ولادتها , الى جانب ذلك فهي هاشمية الانتماء فنراها متمسكة بفرائض الدين الحنيف وبشعائره , القت الظروف القاسية التي مرت بها الاميرة عالية وهي بصحبة أهلها سواء أكان ذلك في الحجاز ام سوريا ذات أثر إيجابي كبير على شخصيتها , فقد طبعتها بطابع العقل والحكمة والصبر والعناد والتحمل الظروف القاسية بجلد وصبر , وكانت بحق مدرسة كاملة أبدعت في صقل موهبتها وجعلت منها شخصية ذات عقلية كبيرة , وعلى هذا المنوال عاشت الأميرة عماداً لأسرتها في التدبير و التفكير فلا يقدم احدهم على فعل شيء قبل استشارتها وسماع رأيها حتى في حالة غيابها عن البلد , فلا يتخذون قرارا ما لم تعد من سفرتها , وفي احيان كثيرة يكتبون لها رسائل لمعرفة رأيها ويترقبون حكمها في المسألة .

وبهذا نجد ان نصيب الأميرة عالية كان واضحاً على خلاف الاهتمام بالأمير عبد الاله ، إذ أن أغلب المصادر تشير الى الأمير عبد الاله كان في بيت والده الملك علي انسان بسيط محدود الثقافة ، وكانت تضرب به الامثال في الكسل.

لم يقتصر دور الأميره عالية على التعلم بل زاد على ذلك اهتمامها إلى جانب والدتها الملكة نفيسة وشقيقاتها في النشاطات الخيرية الواسعة ، التي تمثلت في حملات التبرع بالاموال وخياطة الملابس وتوزيعها على الفقراء , الى جانب إنشاء عدد من المراكز الصحية ودور الايتام تحت رعاية واشراف مباشر من لدن الملكة نفيسة والاميرة عالية واقامة الحفلات الخيرية وايداع اموالها للجمعية وبالتالي توزيعها على المحتاجين، ومن جانب آخر كانت الاميرة عالية شغوفة برحلات الاصطياف ، إذ قامت بعدد من الرحلات قبل اقترانها الملك غازي سواء بمفردها ام مع اسرتها وآخرها رحلة استانبول في صيف 1933 للاصطياف ولزيارة جدتها لامها (ملك خانم) والتي هي من اصول شركسية من بلاد القفقاس.

أما علاقة الاميرة عالية في محيطها الاسري فكانت علاقة متماسكة ،إذ كانت المدبرة الفعلية لشؤون البيت ، ويمكن التعرف على علاقة الاميرة عالية مع افراد عائلتها من خلال معرفة علاقتها مع والدتها التي كانت تحبها وتحترمها كثيرا في حياتها , ولهذا اناطت بها عدد من المسؤوليات البيتية قد كانت عند حسن ضنها وطالما اثنت على مقدرتها , وكانت تحبها وتحترمها كثيراً.

أما علاقتها بوالدها فكانت مستشارة لوالدها ولها كلمة الفصل في كثير من الامور حتى بات رأيها محل اعتزاز من أفراد أسرتها وضل تأثيرها واضحا حتى بعد اقترانها بالملك غازي و كانت تتردد الى بيت والدها للوقوف على احتياجاته .

عن رسالة(الملكة عالية سيرتها ونشاطها الاجتماعي في العراق1911-1950)