100 عام على تأسيس الدولة العراقية..التعليم.. بدايات ونهوض

Monday 9th of August 2021 01:13:14 AM ,
4998 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

خنساء زكي شمس الدين

اذيع بيان الانتداب البريطاني على العراق يوم 13 ايار 1920 بموجب قرارات مؤتمر سان ريمو 25 نيسان 1920 وكانت قراراته من بين الاسباب المهمة لقيام ثورة العشرين في 30 حزيران 1920.

وسارعت بريطانيا لإمتصاص الغضب الشعبي المتفجر، فاتخذت مجموعة من القرارات من بينها نقل السير (ارنولدولسن) وكيل الحاكم المدني وتعيين السير برسي كوكس مندوباً سامياً على العراق والاسراع بتشكيل حكومة وطنية تتولى تحديد نظام الحكم الذي يناسب العراق وعليه قدّم السير برسي كوكس مشروعه الذي قضى بتأسيس حكومة عراقية مؤقتة من وزراء عراقيين ومستشارين بريطانيين وعلى اساس ذلك المشروع المقترح تم تشكيل الحكومة المؤقتة التي ترأسها عبد الرحمن النقيب في 25 تشرين الأول 1920، والتي دخل معه في تشكيلتها ثمانية من الوزراء.

أما بالنسبة لوزارة المعارف فقد عين لها عزت باشا الكركولي الذي اصبح وزيراً للمعارف والصحة العمومية (كانت المعارف والصحة وزارة واحدة) ولكن بسبب عدم اتقانه اللغة العربية، كلفت سلطات الانتداب البريطاني شخصية اخرى لذلك المنصب هو محمد بحر العلوم وذلك في 22 شباط 1921.

وعين إلى جانب كل وزير مستشار بريطاني، كان له الدور المباشر في ادارة شؤون الوزارة ومنها وزارة المعارف التي انصرفت في بادئ الامر إلى الاهتمام بالمدارس الابتدائية الرسمية ولم تول اهتماما بالمدارس الثانوية.

إذ بلغ عدد المدارس الابتدائية حتى عام 1921 (83) مدرسة للبنين و (5) مدارس للبنات في عموم العراق وبلغ مجموع الطلبة رقماً فيه شيء من المبالغة، إذ ورد في احد المصادر المتخصصة في موضوع التربية التعليم وإن عددهم حوالي (8000) طالب.

إلاَّ أَنَّ واقع التعليم قد أخذ بالتغير والتطور نحو الأحسن بعد قيام الحكم الملكي، بموجب قرارات مؤتمر القاهرة الذي عقد خلال المدة من 12-23 آذار 1921، والذي تقرر فيه ترشيح الأمير فيصل ملكاً للعراق.

وتم التتويج في حفل اقيم في ساحة (برج الساعة) في القشلة ببغداد يوم 23 اب 1921. حيث حضر هذا الحفل الموظفون المدنيون والعسكريون وشيوخ القبائل ورؤساء مختلف الطوائف الدينية ووجهاء البلد.

وقد القى الملك بهذه المناسبة خطابا، تعهد فيه بأن يستعيد العراق مجده الغابر ومنزلته الرفيعة بين الامم.

وبعد حفل التتويج قدم عبد الرحمن النقيب استقالة وزارته الاولى في 23 اب 1921، إلاَّ أَنَّ الملك فيصل الأول كلفه بتشكيل وزارته الثانية، فتشكلت الوزارة النقيبية الثانية، يوم 12 ايلول 1921. وفيها اصبحت وزارة المعارف وزارة مستقلة عن الصحة وعهد بمسؤوليتها إلى محمد هبة الدين الشهرستاني. في يوم 27 ايلول 1921 وعين معه المستشار البريطاني (المستر نورتون) E.L.Norton ليكون الموجه الحقيقي لوزارة المعارف. وبعد رحيله تولى وظيفة المستشار ناظر المعارف العام المستر (ليونيل سمث)Lionel F. Smith.

نشرت وزارة المعارف منهاجها الجديد الذي حاول من خلاله الشهرستاني توجيه التعليم توجيهاً وطنياً قومياً، وعمد إلى تأسيس مجلس للمعارف في بغداد يضم عدداً من ذوي الخبرة والكفاءة في شؤون التعليم من بينهم سليمان فيضي الذي سبق له أَنَّ اسس مدرسة اهلية في البصرة واقتصر عمل المجلس على تقديم الاستشارات إلى وزارة المعارف وتكثيف الدعوات إلى الاهالي لارسال ابنائهم إلى المدارس وضرورة توسيع الابنية المدرسية.

إن اهتمام الوزارة بالتعليم ما هو إلاَّ انعكاس لرغبات نظام الحكم الجديد ورغبة الملك فيصل الأول الجادة للنهوض بشؤون التعليم وقناعاته بان ((لا حياة للامة إلاَّ برفع مستواها التعليمي والثقافي)) وهذا ما أكده بإستمرار في لقاءاته بالمختصين في مجال التعليم وفي المؤتمرات التربوية منها على سبيل المثال حينما عقد في عهده اول مؤتمر تربوي في تاريخ العراق يوم 9 نيسان 1932، والقى فيه الملك خطابا قال فيه:

((تأكدوا أَنَّ العمل الذي تقومون به هو أعظم من عمل الملك واعظم من عمل الوزير))، مؤكداً استيعابه لقدسية العمل التربوي ودوره في بناء المجتمع العراقي.

إستمر الملك فيصل الأول يستفسر عن حالة المعارف من خلال المذكرات والتقارير، التي كانت تقدم اليه من المسؤولين عن شؤون المعارف وفي المقدمة منهم وزير المعارف، ومدير المعارف العام ساطع الحصري ومستشار الوزارة البريطاني.

وهنا لابد من الاشارة إلى أَنَّ قيام الحكم الملكي واهتمامه بالتعليم، رافقه اهتمام شعبي بشؤون التعليم أيضاً، لكونه الدعامة الاساسية التي يمكن أَنَّ يستند اليها الاستقلال الحقيقي للبلاد.

وبذلك تكون مرحلة الحكم الوطني هي البداية الصحيحة والحقيقية لتطوير التعليم وقد انعكس الاهتمام الحكومي والشعبي بشؤون التعليم ايجابياً من خلال الزيادة التي طرأت على عدد الطلاب حينما كان عدد الطلاب في المدارس الابتدائية الرسمية في العراق خلال العام الدراسي 1920-1921 حوالي (8) الاف طالب، ارتفع هذا الرقم ليصل إلى نحو (15) الف طالب خلال العامين (1921-1922) (1922-1923) إن تلك الزيادة انما تعكس الرغبة العامة عند الناس بارسال ابنائهم إلى المدارس وقد أدت الصحف والاحزاب والمعهد العلميدوراً كبيراً في تشجيع الناس على ارسال ابنائهم الى المدارس.

ومن الشخصيات البارزة التي عملت في شؤون التعليم في العراق إلى جانب الوزراء العراقيين وكانت لهم بصمات واضحة فيه ساطع الحصري، الذي استدعاه الملك فيصل الأول إلى العراق للاستفادة من خبرته في مجال التعليم وبحكم العلاقة التي كانت تربط بينهما في اثناء تولي الملك فيصل الحكم في سوريا 1918-1920 وقد تشاور الملك فيصل الأول مع المستر فارل مستشار وزارة المعارف، بصدد تعيين ساطع الحصري في وزارة المعارف، فصدرت الارادة الملكية بتعينه في الخامس من اذار 1922 معاوناً لوزير المعارف.

إن المهمات التربوية التي اضطلع بها ساطع الحصري في العراق، كان لها تأثير كبير في مسيرة التعليم، وقد وردت تفاصيلها في مذكراته المنشورة، على الرغم من بعض التحفظات عليها.

ومن الشخصيات الاخرى التي شغلت وزارة المعارف، وزيرها المزمن الحاج عبد الحسين الجلبي الكاظمي، الذي كان من الملاكين الكبار، ولم يكن على مستوى عالٍ من التعليم، وقد تولى وزارة المعارف سبع مرات، خلال الاعوام: (1922، 1925، 1929، 1930، 1931، 1934، 1935)، وكان استيزاره الدائم استجابة لتسويات سياسية، وحفاظاً على التوازن بين الطوائف العراقية.

ولعل اول وزارة عراقية وضعت منهجاً تعليماً واضحاً في مناهجها، هي الوزارة السعدونية التي تشكلت يوم 16 تشرين الثاني 1922 حيث اكد فيها تقوية الشعور الوطني والقومي واتخاذ الوسائل الفعالة لتثقيف ابناء الشعب فكراً واخلاقاً وفقاً للمبادئ الدينية السامية وقد اخذت الوزارة توجه اهتمامها نحو التعليم الثانوي وفي عهدها تخرجت اول مجموعة من الطلبة في العام الدراسي 1922-1923، وبلغ عددهم (11) طالباً، (8) من بغداد و (3) من الموصل.

ثم اخذ العدد يتزايد تدريجياً، ويتزايد معه عدد المدارس الثانوية في العراق ليصبح عددها اربعاً، الاولى في العاصمة بغداد والثانية في الموصل والثالثة في البصرة والاخيرة في كركوك. وذاك ما أكده ساطع الحصري في تقريره الصادر خلال السنة الدراسية 1922-1923، عن واقع المدارس الثانوية في العراق جاء فيه: ((إن في العراق اريع مدارس ثانوية، وان مدرستي العاصمة والموصل الثانوية، اصبحتا كاملتي الصفوف وفيها عدد لا بأس به من التلاميذ... أما مدرستا البصرة وكركوك، فلم تتوفر فيها شروط التكامل، لانهما لم تكونا مبنيتين على اساس متين)).

(الإعدادية المركزية للبنين 1919-1939–دراسة تأريخية-)