عن رؤية رشيد الخيون في لاهوت السياسة ..

Wednesday 11th of August 2021 10:16:05 PM ,
5001 (عراقيون)
عراقيون ,

جاسم المطير

كنت في الأيام القليلة الماضية برفقة الصديق رشيد الخيون وكتابه المعنون لاهوت السياسة . أول شيء أقوله أنني كنت برفقة الخيون في كتاب ٍ ، هذه المرة ، وليس في مقالة ٍ كما في العادة ، إذ لا تفوتني قراءة أية مقالة من مقالاته النقدية الجميلة أو العلمية الثقيلة حتى ولو كانت معلقة على قمة جبل سيناء ..

الحق أقوله أنني قرأت ، للمرة الأولى ، أفكار الخيون في كتاب ٍٍ اعتبرته فتحا جديدا في موسوعية التأليف العراقي عن موضوعات إسلامية ، بل في موضوعات عن هويات القوى ، والأحزاب ، والمنظمات ، والشخصيات ، التي تقود وتنظم (حركة الإسلام السياسي) . يتكون الكتاب من 476 صفحة من الحجم الكبير . هي المرة الأولى التي يصلني فيها واحد من كتب رشيد الخيون من بغداد إلى هولندا ، رغم حاجتي الدائمة إلى متاع ثقافي بهذا المستوى ، خاصة وان هولندا محرومة من تسويق الكتب العربية ، والعراقية تحديدا ، إذ لم نجد فيها من يهتم ببيع وتسويق الكتب العربية الجادة منذ أن تخلى عن هذا النشاط ، قبل سنوات ، الفنان انتشال التميمي الذي كف عن استيراد الكتب ليزخر نشاطه بالمهرجانات السينمائية العربية .

كان كتاب (لاهوت السياسة) قد حط رحاله في مكتبتي ، كهدية من الصديق الكريم فيصل نصر ، فكلما يعود من زيارته إلى بغداد يكون أسمي ضمن حساباته بحمل بعض الكتب هدية لي . تلك هي صفة أبي غزوان الجالبة للسعادة

.قرأت هذا الكتاب ــ الصادر عن (دار دراسات عراقية بغداد – اربيل – بيروت) ومن توزيع دار الجمل ــ بنوع من اللهفة مأخوذة من عنايتي بمتابعة خارطة الحركات السياسية المعاصرة في العراق المعنية بالإسلام ، بعد تغيير نيسان 2003 وسقوط دكتاتورية صدام حسين . كان الكتاب ممتعا ومفيدا ومثيرا وربما بإمكاني وصفه بأنه ، حاجة ثقافية في المكتبة السياسية العراقية ، يبحث عنها المثقفون والسياسيون لصلتها الجذرية بواقع الحركات السياسية الكبرى في (عراق جديد) لم يخلو من ظاهرة (تطور جديد) في الحركة السياسية – الدينية داخل مجتمع متخلف يحتاج فيه غالبية الناس إلى وعي واستنارة ضروريتين باتجاه نشر أفكار الديمقراطية داخل نطاق المجتمع كله .

لا اكشف سرا حين أقول أن قراءتي لهذا الكتاب زودتني برؤية مهمة وبمعلومات غنية لحواس وأفكار البرية السياسية ، التي يجول فيها ، الآن ، كثير من السياسيين العراقيين . بعضهم كان من مكوّني العقل السياسي المعارض لنظام صدام حسين ، وبعضهم الآخر أفرزته كينونة الأوضاع السياسية المتصاعدة ، التي اتقدت ، بنزعات جديدة وبأهداف جديدة ، بعد سقوط الدكتاتورية فامتلأت الساحة السياسية ، في المنطقة الخضراء ببغداد ، وفي خارجها في كل أنحاء العراق ، بفيض من القوى والشخصيات والحركات الجديدة . بين هؤلاء السياسيين الجدد الكثير منهم لا يجول في تفكيرهم غير تحويل الدولة إلى تابع للدين وبعضهم الآخر لا يملك إحساسا عميقا بضرورة بناء المستقبل على أسس ديمقراطية لعدم اتساع معارفهم وتجاربهم السياسية المفترض فيها معاينة تجارب الدول الديمقراطية العالمية .

بل أقول بصراحة أن كتاب (لاهوت السياسة) أداة مكتبية ضرورية لمتابعة وقائع واحتمالات العملية السياسية الجارية ، في هذه المرحلة ، ببغداد ، حيث تهتز صخور الأرض تحت بناء حركات سياسية قديمة وأصيلة ، بينما يتثبت ، كما يبدو ظاهريا ، بناء جديد في عالم لاهوتي مرتبط ارتباطا وثيقا بعالم السياسة ، بل يمكن القول ، من خلال اطلاعي على ما قدمه رشيد الخيون في كتابه ، أن هناك حالة حب وغرام قوية بين (اللاهوت) و(السياسة) داخل فصائل واسعة في الحركة الوطنية والاجتماعية في العراق ، مما يعني وجود صعوبات جديدة ومعاناة جديدة يواجهها العلمانيون العراقيون ، الذين يريدون خطا مستقيما يفصل ، بين الدين والدولة ، بين الدين والسياسة ، كي يتم تحرير الشعب العراقي من آلام الطائفية ، التي تأتي أفكارها وسلبياتها من علاقة الدين بالسياسة ، أو من تبعية أحداها للأخرى ، أو من خلال إخضاع مصالح إحداها للأخرى . وهي ، بصورة عامة ، علاقة لا تخلو من وجود أخطار يومية تجعل حياة الإنسان في العراق ذي المكونات الاجتماعية والمذهبية المختلفة في ظلام وغموض . بل أنها علاقة تجعل الشعب العراقي ، كله ، مسجونا في جسد العلاقات الطائفية ، وتجعل جسورها المهتزة مهددة بكل حدث أو واقعة أو (قدر) ملتبس في أسبابه وحيثياته . تلك العلاقات يراها الكثير من السياسيين المتزنين ومن العقلانيين العلمانيين أنها مولّدة لمشاكل عديدة ولصعوبات عديدة تعيق تطور المجتمع ، بينما يراها كثير من أصحاب الدين والمذاهب أنها تساعد في الدعوة والتبشير بالرسالة الإسلامية عبر ما يسمى الإسلام السياسي .

بهذا الصدد أشار الدكتور رشيد الخيون ص 10 : ( اشتدت ظاهرة الإسلام السياسي في العراق بعد انتصار الثورة الإيرانية ، التي لم يكن بينها وبين اندلاع الحرب بين الدولتين إلا سنة وبضعة شهور شباط 1979 – أيلول 1980 والحرب التي خدمت تلك الظاهرة الدينية ، وما جهز الأحزاب الدينية بالكوادر والأتباع والمسلحين هي عمليات التهجير ، التي طالت الشيعة على وجه الخصوص ، وفي مقدمتهم طائفة الفيليين الكورد . فقد تأسس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق 1982 ، وتشكلت ذراعه العسكرية ، فيلق بدر بعد عام من ذلك ، وهناك أعاد حزب الدعوة بناء نفسه ، بعد الخسائر الكبيرة التي طالته في الهجمات الشرسة ضده ، من إعدامات واعتقالات ، حتى عاد إلى العراق 2003 بعد أن فقد الكثرة من أعضائه .

مستل من مقال للكاتب في ( الحوار المتمدن )