ابن سينا ..الطريق الصاعد إلى الحكمة

Tuesday 17th of August 2021 10:30:42 PM ,
5005 (منارات) (نسخة الكترونية)
منارات ,

علي حسين

“ كنت ارجع بالليل الى داري وأضع السراج بين يدي ، وأشتغل بالقراءة والكتابة ، فمهما غلبني النوم او شعرت بضعف ، عدلت الى سكب المياه على رأسي ، ريثما تعود إلي قوتي ، ثم ارجع الى القراءة ، ومهما أخذني أدنى نوم أحلم بتلك المسائل باعيانها ، حتى ان كثير من المسائل اتضح لي وجوهها في المنام “ .

قبل الف عام قرر رجل بلغ الخمسين عاما ، وأصدر ما يقارب مئتي كتاب تنوعت موضوعاتها من الطب الى الفلسفة ومن الموسيقى الى علم النفس ، ومن علوم الطبيعيات واللغة و الدين والفلك ، ان يدون سيرة حياته ، التي أنتهت بان أصيب بمرض الصرع ، وكان قبل مرضة باشهر كتب رسالة عن أعراض هذا المرض ، وحين وصف له بعض الأصدقاء أدوية للشفاء قال لهم “: المدبر الذي في بدني قد عجز عن التدبير ، فلا تنفعني المعالجة “ .

ولد ابو علي الحسين بن عبد الله بن سينا عام 980 ميلادية قرب مدينة بخارى ، والاسم “ سينا “ يعني بلغة اهل بخارى بـ” المقاتل الشجاع “ ، كان ابوه من اهل بلخ ، اعجب بالأسماعيليين فصار واحدا منهم :” وكان والدي ممن اجاب داعي الأسماعيلية ، وقد سمع منهم ذكر النفس والعقل ، على الوجه الذي يقولونه ويعرفونه هم به ، وكذلك اخي ، وكانوا يتذاكرون فيما بينهم ، وانا اسمعهم ، وادرك ما يقولونه ، ولا تقبله نفسي “ .

عندما بلغ العاشرة قال له أبوه :” سأرسلك الى من يعلمك الحساب والمنطق “ ، كان المعلم رجلاً يبيع البصل في النهار ، ويلقي محاضرات عن النفس والعقل والحساب في الليل ، ثم جاء إلى بخارى ابو عبد الله الناتلي الذي كان يسمى انذاك بـ “ المتفلسف “ فاصر الأب ان يُضيفه في داره من أجل ان يعلم ابنه أصول التفلسف ، إلا أن الفتى كان قد مر بتجربة اخرى ، فقد استهواه الفقه فقرر دراسته :” ترددت على على اسماعيل الزاهد ، لاشتغل بالفقه ، وكنت أجود السالكين ، وقد ألفت طرق المطالبة ، ووجوه الاعتراض على المجيب ، على الوجه الذي جرت فيه عادة القوم به “ .

أخذ التلميذ الصغير يقرأ على استاذه “ الناتلي “ كتاب “ إيساغوجي “ في المنطق وضعه “ فرفوريوس الصوري “ ليكون مدخلاً للمنطق. وكلمة إيساغوجي لفظة يونانية بمعني المقدمة ، وكتاب “ الاصول “ في الهندسة لـ “ اقليدس ، وكتاب “ المجسطي “ في علم الهيئة ، واكتشف الاستاذ ان التلميذ بذكائه الحاد يتفوق عليه في هذه العلوم ، ثم ما لبث الوضع ان انقلب ، فاصبح التلميذ معلما ، والمعلم تلميذا ، حيث اخذ التلميذ الصغير يوضح لمعلمه ما غمض من هذه العلوم ، ويضع لها تفاسير وتأويلات لم يكن يعرفها من قبل ، ويفهمه اشكالات لايدري لها وجها ، وفي ذلك يقول ابن سينا :” ثم ابتدأت بكتاب (ايساغوجي ) على الناتلي . وكانت أي مسالة قالها لي أتصورها خيراً منه ، حتى قرأت مقدمات المنطق عليه ، واما دقائقه ، فلم يكن عنده منها خبرة . ثم اخذت اقرأ الكتب على نفسي ، واطالع الشروح ، حتى أحكمت علم المنطق ، وكذلك كتاب أقليدس الذي توليت بنفسي حل مشكلاته ، ثم أنتقلت الى المجسطي ، ولما فرغت من مقدماته ، وانتهيت الى الاشكال الهندسية ، قال لي الناتلي : “ تول قراءتها ، وحلها بنفسك ، ثم اعرضها عليَ ، لأبينَ لك صوابها من خطئها . وما كان الرجل يقوم بالكتاب ، وأخذت أحل ذلك الكتاب .فكم من مشكلة ما عرفها الى وقت ما عرضتها عليه ، وفهمتها اياه “ .

يصف لنا المؤرخون ابن سينا بانه طويل القامة ، قوي البنية ، محبا للطعام والشراب ومعاشرة النساء ، سريع القراءة ، سريع الكتابة ، واذا حصل على كتاب جديد ، قصد الموضوعات الصعبة منه . ما ان بلغ الخامسة عشر من عمره ، حتى كان قد استوعب علوم الطب والمنطق والألهيات ، وعندما تمكن من علاج سلطان بخارى نوح بن منصور سمح له بدخول مكتبته ، ولأنه كان يتمتع بقوة ذاكرة استطاع ان يحفظ المئات من الكتب :” دخلت داراً ذات بيوت كثيرة ، في كل بيت صناديق كتب منضدة بعضها على بعض ، في بيت منها كتب العربية والشعر ، وفي آخر الفقه ، وكذلك في كل بيت علم مفرد فطالعت فهرست كتب الأولين ، وطلبت ما أحتجت اليه منها ، ورايت من الكتب ما لم يقع اسمه ألى كثير من الناس قط ، وكما كنت رايته من قبل ولا رايته ايضا من بعد “ .

في السادسة عشر من عمره يعثر وبالصدفة على مخطوط يحل له لغز كتاب ما بعد الطبيعة لارسطو ، كان ابن سينا قد قرأ كتاب ارسطو أربعين مرة حتى حفظه عن ظهر قلب ، ولكنه لم يفهم منه شيئا ، وفي يوم من الايام ذهب الى سوق الوراقين ، فعرض عليه احد نساخ الكتب ، دفترا صغيرا بعنوان شرح ما بعد الطبيعة لارسطو ، فرده الى البائع قائلاً : لافائدة من هذا العلم .فقال له الوراق اشتره بثلاثة دراهم لأنني محتاج ألى ثمنه ، فاشتراه منه ، وما ان فتح الصفحة الاولى حتى اثار اهتمامه العنوان “ شروح على كتاب ارسطو ما بعد الطبيعة “ المؤلف ابو نصر الفارابي ، وكان الفارابي قد مات قبل 46 عاما . يسحره الكتاب ، ويصف لنا شعوره وهو يقرأ شروح الفارابي بقوله :” أسرعت الى البيت ، ولم أخلع ملابسي حتى أنتهيت من الكتاب ، فانفتح علي ما استغلق في أمر كتاب ارسطو ما بعد الطبيعة “ . وفي السابعة عشر من عمره أهتم بدراسة الطب وقرأ كل ما يتعلق بهذا العلم :” :” رغبت في علم الطب وصرت اقرأ الكتب المصنفة فيه ، وعلم الطب ليس من العلوم الصعبة ، فلا جرم اني برزت فيه في اقل مدة ، وتعهدت المرضى فانفتح علي من ابواب المعالجات المقتبسة من التجربة ما لايوصف “ .ويستدعيه سلطان بخارى نوح بن منصور لمعالجتة من مرض الم به عجز الاطباء عن معالجته ، وكان شفاء السلطان موضع دهشة اعجاب من الجميع ، فتقلد ابن سينا منذ ذلك التاريخ مناصب رفيعة في الدولة .

بعد وفاة والده تحولت حياته الى سلسلة من المغامرات الغريبة ، تنوعت ما بين التشرد والترحل من بلد الى بلد ، ولما كان طوال حياته ، قلقا ، لا يرضى عن شيء ، متمرداً ، فانه كان يتلقى المنح والمراتب العالية حيناً ، وأحيان اخرى يعيش عيشة بائسة ، مطاردا او حبيسا في احد سجون الامراء ، يكتب ول ديورانت ان :” ابن سينا لم يعتد الحياة الهادئة المطمئنة ، وهو الدائم التطلع الى العوالم المجهولة ، والى الاجواء والاعمال التي تتجدد باستمرار “ .

************

في كتابه تاريخ الفلسفة يكتب المستشرق الروسي “ ستكوفسكي “:” حين كانت تسود اوربا بالقرون الوسطى نظرية واحدة ، هي نظرية خلق العالم

من العدم ، كان الفلاسفة العرب يعالجون كل القضايا وكل شؤون الطبيعة . ولم يبدأ الكلام في اوربا على قضايا الطبيعة ، ألا بعد ان تعرفوا على مؤلفات ابن سينا . فمنذ ذلك التاريخ اخذوا يطرحون الاسئلة عن الحي والجامد “ .

يقال دائما ان الفلسفة العربية ابتدأت مع الكندي وازدهرت مع الفارابي ورسخت مع ابن سينا ونضجت مع ابن رشد ، وقد أدرك ابن سينا منذ بداياته ان الأحتياج الحقيقي للفلسفة هو في صياغة منهج دقيق لدراسة الاشياء المحيطة بنا ، ولم يكن ابن سينا مقلدا للفلسفة اليونانية على رغم شغفه بها ، ولا شارح لكتب ارسطو ، وانما أنفرد من بين فلاسفة الاسلام بانه أول من تجرأ على نقد فلسفة ارسطو افلاطون ، وحاول ان يضع مذهبا فلسفيا مستقلاً .

الفلسفة عند ابن سينا هي العلم بالوجود بما هو موجود ، بمعنى العلم بالوجود المطلق دون النظر الى نوع هذا الوجود ، والغاية من الفلسفة هو تهذيب النفس واستكمالها لتحصيل السعادة . فالفلسفة :” صناعة نظرية يستفيد منها الأنسان ، تحصيل ما عليه من الوجود كله في نفسه ، وما عليه الواجب بما ينبغي ان يكسبه فعله ، لتشرف بذلك نفسه وتستكمل وتصير عالما معقولا ، مضاهيا للعالم الموجود ، وتستعد للسعادة القصوى “ . وفلسفة ابن سينا فلسفة عقلية في اصولها ومبادئها ، فهو يؤمن بالعقل الفعال مصدرا للعلم والمعرفة ، والانسان من حيث هو كائن مفكر عند ابن سينا تنقل في اطوار ثلاثة .كان في اولها ساذجا يتصور الاشياء ، ويعتقد انها في حقيقتها وواقع امرها ، كما تبدو له ، وكما يتصورها . وكان في ثانيها شاكا ، او شبه شاك ، في ان تكون لديه القدرة الكافية لادراك حقائق الاشياء والاطلاع على مكنوناتها .وكان في ثالثها قانعا بما تبلغه طاقته المحدودة راضيا بها .

ويشتق ابن سينا وصف للانسان حسب الطور الحياتي الذي يمر به فهو في الطور الاول حكيم ، وفي الثاني محب للحكمة ، وفي الثالث باذل كل ما في وسعة من اجل الحصول على الحقيقة .

وقد تمكن ابن سينا من تحديد تعريف للفلسفة بالغ الوضوح والدقة يقول فيه :” الحكمة استكمال النفس الأنسانية بتصور الامور والتصديق بالحقائق النظرية والعملية على قدر الطاقة الانسانية ، فالحكمة المتعلقة بالامور التي نعلمها وليس لنا ان نعمل بها تسمى حكمة نظرية وهي التي تتعلق بما في الحركة والتغيير ، ويسميها ابن سينا بالحكمة الطبيعية ، والحكمة المتعلقة بالامور العملية التي لنا ان نعلمها ونعمل بها ، تسمى حكمة عملية والتي تبحث في في شؤون الانسان والمجتمع والاخلاق « .

واذا كان الكندي اول فيلسوف عربي يقدم نسقا فلسفيا شاملا لمباحث الوجود والمعرفة والاخلاق والرياضيات ، فان ابن سينا قدم لنا فلسفة ذات بناء متكامل منظم يتميز بالوحدة العضوية والديناميكية بين سائر اجزائه .

ان الله عند ابن سينا صنع العالم ويعني به اشد العناية ويريد له الخير ، اما عن وجود الشر في العالم يقول :» هذا الشر نسبي وان لاوجود للشر المطلق . وان على العاقل ان ينظر الى الكل لا الى الجزء ، فاذا نظر الى مجموع الاجزاء وجد الخير غالبا على الشر لان الخير مقتضى الذات ، اما الشر فمقصود بالعرض ، وهو عرض زائل « .

اما وصف ابن سينا للفيلسوف فهو :» هش بش ، بسام يبجل الصغير من تواضعه مثل ما يبجل الكبير ، ويتبسط من الخامل مثل ما يتبسط مع النبيه ، ولافرق عنده بين الكبير والصغير لانه يعرف الحق في كل منهما ولايعرف الطمع سبيلا الى قلبه ، وهو لايفرح لوجود الشيء ولا يحزن على فواته . العارف لايعنيه التجسس والتحسس ولا يستهويه الغضب عند مشاهدة المنكر كما تعتريه الرحمة فانه مستبصر بسر الله في القدر . واذا أمر بالمعروف أمر برفق ناصح لا بعنف معير . العارف شجاع وكيف لا وهو بمعزل عن تقيثة الموت ؟ العارف جواد وكيف لا وهو بمعزل عن محبة الباطل ؟ العارف صفاح وكيف لا وهو نفسه اكبر من ان تحرجها زلة بشر ؟ العارف نساء للاحقاد وكيف لا وذكره مشغول بالحق ؟ « .

والفلسفة عند ابن سينا يجب ان تكون العلم الشامل الذي لايعني بصفة خاصة بالاشياء الجزئية ، ولكنها تشمل كل ما يمكن للانسان معرفته .

والفيلسوف هو الذي يتصدى لمعرفة الاشياء الصعبة ، التي لاترتقي للانسان العادي . والمعرفة الحسية المشتركة بيننا جميعا ، هي معرفة سهلة ، وليس فيها شيء من الحكمة ، وفضلا عن ذلك فان الفيلسوف الذي يعرف الاسباب على نحو دقيق ، يكون اكثر قدرة من غيره ، على تلقينها وتعليمها الى الاخرين .

******

ذكر فلاسفة عديدون ان مؤلفات ابن سينا فيها إشارات واضحة إلى مشاكل فلسفية حديثة لا بل وجد البعض ان فلاسفة عصر النهضة الاوربية تاثروا كثيرا بكتب الفارابي وابن سينا وابن رشد .

ربط العديد من الباحثين في تاريخ الفلسفة بين مفهوم العقل في الفلسفة الحديثة ووصف العقل الذي وضعه ابن سينا في كتبه ، ففي عام 1927 حاول الباحث الايطالي فورلاني ان يربط بين نص لابن سينا عُرف باسم الرجل الطائر والذي ورد في كتاب الشفاء ، وبين مقولة ديكارت الشهيرة « انا افكر اذن انا موجود « التي وردت في كتابه « التاملات « .

يكتب ابن سينا في الشفاء :» يجب أن لا يتوهم الواحد منا كأنه خلق دفعة وخلق كاملاً لكنه حجب بصره عن مشاهدة الخارجات وخلق يهوي في هواء أو خلاء هويا لا يصدمه فيه قوام الهواء صدماً ما يحوج إلى أن يحس، وفرق بين أعضائه فلم تتلاق ولم تتماس، ثم يتأمل أنه هل يثبت وجود ذاته، ولا يشك في إثبات لذاته موجوداً ولا يثبت مع ذلك طرفاً من أعضائه ولا باطناً من أحشائه ولا قلباً ولا دفاعاً ولا شيئاً من الأشياء من خارج بل كان يثبت ذاته ولا يثبت لها طولاً ولا عرضاً ولا عمقاً، ولو أنه أمكنه في تلك الحالة أن يتخيَّل يداً أو عضواً آخر لم يتخيله جزءاً من ذاته ولا شرطاً في ذاته. وأنت تعلم أن المثبت غير الذي لم يثبت والمقرب غير الذي لم يقرب. فإذن للذات التي أثبت وجودها خاصية لها على أنها هي بعينه غير جسمه وأعضائه التي لم تثبت. فإذن المثبت له سبيل إلى أن يثبته على وجود النفس شيئاً غير الجسم بل غير جسم، وأنه عارف به مستشعر له وإن كان ذاهلاً عنه يحتاج إلى أن يقرع عصاه « .

ويؤكد فورلاني ان :» هذا هو قول ديكارت المشهور، أنا أفكر فأنا موجود لان الصورة التي يقدمها ابن سينا تبرهن على أن نفس إنسان كاملة ولكن محجوبة هي التي تظهر له دون وساطة الجسد إنه موجود وإنه يفكر « .

يقول ديكارت: « قد أستطيع أن أفترض أن لا جسم لي وأن لا عالم ولا مكان أحل فيه، ولكني لا أستطيع لهذا أن أفترض أني غير موجود، بل على العكس ينتج قطعاً وفي وضوح من شكي في حقيقة الأشياء أني موجود. . . فقد عرفت إذن أني جوهر ذاته وطبيعته التفكير، ولا يحتاج في وجوده إلى مكان ولا يخضع لشيء مادي، وعلى هذه الصورة الأنا أو النفس التي هي أساس ما أنا عليه متميزة تمام التميز من الجسم، بل هي أيسر معرفة منه، حتى في حال انعدامه لا تنقطع هي عن أن توجد مع كل خصائصها» .

ولا يجد القارئ صعوبة في إدراك وجوه الشبه بين مقولة ديكارات وما كتبه ابن سينا وقديماً لاحظ أرنست بلوخ أن ديكارت قرأ مؤلفات ابن سينا ، اذا عرفنا أن ترجمة كتاب الشفاء الى اللاتينية، ظهرت آخر ترجمة منه قبل ميلاد ديكارت بخمسين عاما فقط.

لقد وجد ابن سينا ومن بعده ديكارت ان الحواس تخدع الانسان باستمرار ، ولذلك من الافضل عدم الثقة بها ، ومثلما تذكر ديكارت انه حلم في ليلة انه يرتدي عباءته ويجلس قرب النار ، بينما كان نائما في فراشه ، فربما يكون يحلم الان ، وقد لايكون على الاطلاق في المكان الذي يفترض نفسه فيه في الواقع ، وجد ابن سينا انه من الممكن نظريا الشك في شهادة الحواس ، والذاكرة والافكاره ووجود العالم الخارجي ، لكنه وجد شيئا لايمكن الشك فيه ، وهو وجوده الخاص والذي عبر عنه ديكارت فيما بعد بعبارته الشهيرة :”انا افكر اذن انا موجود” ، ويسأل ديكارت مثلما سأل ابن سينا نفسه في الحلم : “ما عساي ان اكون ؟” واجابتهما ( ديكارت وابن سينا ) انهما شيء يفكر ، شيء يشك ويفهم ويتصور وينكر ويريد ويرفض ويتخيل ويشعر، ان الذي يفعل ذلك كله لا بد ان يكون نفساً اي جوهراً روحيا يكون التفكير صفته الاساسية ، يكتب ديكارت :” لا يمكن ان تكون هناك افكار بدون مفكر ، وقبله كتب ابن سينا :” لايمكن لصفة التفكير ان توجد ، اذا لم يكن هناك جوهر يلازمها “ .

وهناك محاولة ثانية لربط فلسفة ابن سينا بتيارات فلسفة عصر النهضة، فقد جعل ارنست بلوخ ، الفيلسوف العربي من انصار ما دعاه “ الارسطو طالية اليسارية “ ، فابن سينا على حد قول بلوخ يشكل حلقة في التطور التاريخي الذي وصل بالفلسفة الارسطية الى فلاسفة العصر الوسيط من امثال جوردانو برونو وتوما الاكويني ، فابن سينا عند هذا القول هو حجر زاوية هنا لانه “ينطلق بهذا الاتجاه من مفهوم المادة والصورة الارسطي معرضا عن القدرة الالهية ذاتها لصالح المقدرة الفعالة لتي للمادة ، وهذا هو طريق اليسار الارسطي الذي يشكل ابن سينا قطبا فيه ونقطة التحول في حقبة ما بعد الفلسفة اليونانية “ وتكمن يسارية ابن سينا حسب قول بلوخ في انه جعل القوة الفاعلة الجامعة ما بين المادة والصورة ، اي القوة واهبة الصور لا تتجه باتجاة الالوهية ، بل باتجاه الطبيعة والانسان ، فكل ما كان ينسب في الفهم الميتافيزيقي للفلسفة لله حول هذه القدرة ، اصبح لدى ابن سينا للمادة .ذاك ان العقل واهب الصور ، العقل الفعال هو خصوصيات الانسانية وليس روحا يرفرف فوقها .