كربلاء في عهد سليمان القانوني كما في رحلة مُطراقي زاده

Sunday 29th of August 2021 10:43:52 PM ,
5012 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

د .طارق نافع الحمداني

مثل )رحلة مطراقي زاده( مصدراً رئيساً من مصادر دراسة تاريخ العراق الحديث ومدنه، وبالذات

مدينة كربلاء المقدسة، فمن هوصاحب هذه الرحلة، وما قيمة المعلومات التي تحملها رحلته؟

أ- مطراقي زاده:

هونصوح أفندي السلاحي، ابن عبد الله قره كوز،الشهير بمطراقي زاده، مؤرخ ورحالة ورياضي عثماني، أصله من البوسنة التي كانت جزءاً من الدولة العثمانية. كان ماهراً في ألعاب الفروسية والأسلحة فاكتسب لقب )المُطراقي(، وهوالدرع المغلف بالجلد الذي يستخدمه الفرسان في أثناء القتال .

تنوعت مواهب مُطراقي زاده فهومؤرخ مُتقن، وفارس ماهر، وجغرافي واسع المعرفة، وشاعر بليغ،

ومترجم ضليع، ومهندس عسكري بارع، ورياضي مصنف، وله في معظم هذه الجوانب مؤلفات قيمة، علاوة على امتلاكه لثقافة تاريخية وجغرافية واسعة اسهمت في ضمه كاتباً في قلم الديوان السلطاني الكبير.

صاحب السلطان سليم الأول في حملته العسكرية،على دولة المماليك في بلاد الشام ومصر عام ) 926

927 ه/ 1516 - 1517 (، كما رافق السلطان سليمان القانوني في معظم حملاته العسكرية في أوربا وفي إيران. وظهرت براعته في التأليف والرسم حتى كلف بمهمة تسجيل وقائع الحملات العسكرية التي شارك فيها السلطان.والكتاب مزود بصور ملونة للمدن والقصبات التي مرّ بها الجيش العثماني أوفتحها، وكذلك المدن التي زارها السلطان سليمان فقام بالكتابة عنها، ورسم المشاهد التي رآها. يقول العزاوي في ذلك: «والكتاب فيه الواح مهمة، وصفحات في تصاوير البلدان العراقية، ومراقدها المباركة مما لم يبق له اليوم ذكر، أورسم إلا قليلاً .»

يأتي كتاب مطراقي زاده، المعروف ب)منازل سفر العراقيين للسلطان سليمان خان(، بمثابة سجل مفصل لوقائع حملة السلطان سليمان القانوني على الدولة الصفوية والعراق في عامي 940 - 941 ه/ 533 - 1534 م.

والواضح من أهداف الحملة أنها تتألف من مرحلتين، أولاهما ضرب الدولة الصفوية وتدميرها،

وثانيهما التقدم في محورين، جنوبي لاحتلال بغداد، وشرقي للتوغل في خراسان وتركستان. وقد أسفر

التحرك نحوالمحور الجنوبي عن احتلال بغداد وبقية المدن العراقية، فأكمل السلطان سليمان ما بدأه

السلطان سليم الأول باحتلال ولاية الموصل .

تلك هي الرحلة التي كتبها مطراقي زاده، بصحبة السلطان سليمان القانوني، والتي بدأت من القسطنطينية )استنبول(، مروراً بكوتاهية، فقونية فوان، في الأراضي العثمانية، ثم تبريز فهمدان، فقصر شيرين، فبغداد، وصولاً إلى الحلة فالنجف، فكربلاء.وفي هذه الحملة تم إنهاء الحكم الصفوي في العراق ) 1534-1508 م(، ودخول البلد تحت الحكم العثماني الأول .على أن ما يدفعنا لاتخاذ رحلة مطراقي زاده مصدراً لدراسة تاريخ كربلاء، أنها المصدر الوحيد الذي تناول تاريخ العراق ومدنه في القرن السادس عشر. ومما يزيد من أهميتها الوصف الدقيق للمدن والقرى التي مرّ بها

مؤلفنا، وهي معززة بالصور الملونة الخلابة البالغة الاتقان، فضلاً عن الصور التي خصصها للأضرحة في بغداد وكربلاء والنجف .

والرحلة إلى كربلاء بدأت في نهاية شهر جُادى الأولى من عام 941 ه/ 1534 م، إذ ترك السلطان

سليمان بغداد نحوالحلة فكربلاء. وقد اثبت المطراقي معلومات مهمة عن هاتين المدينتين وما فيهما من

أضرحة ومراقد، بوصفه شاهد عيان لها، إذ يقول:

«وفي مدينة )الحلة( المحروسة زار السلطان مقام المنتظر وغاية المختبر خليفة الرحمن )محمد المهدي صاحب الزمان ( ومرضي الأوصاف والشمائل حضرة الشيخ أبي الفضائل .»

ولكن مطراقي زاده كان أكثر تفصيلاً في وصفه لكربلاء، وأضرحتها المقدسة، إذ أورد الآتي:

وفي أرض )الكرب والباء(حيث يرقد حضرة صاحب القبة الخضراء في الجنة، وخاتم الخلفاء

الراشدين عند أهل السنة، والصابر على البلاء والمحنة الشهيد في أرض كربلاء، الإمام المقتدى وابن المرتضى )أبوعبد الله الحسين(، وكذلك مرقد سيد المجتهدين وسند المتعبدين )علي بن الحسين( .

وتابع مؤلفنا ذكر الأئمة في كربلاء فيقول:

«واللسان الناطق والأصل السابق، مقام الإمام)جعفر بن محمد الصادق( ، وجميل الذات وكريم

الصفات سيد الشهداء وسعد اللباس والمحمود عند الله والناس، ابن الإمام علي حضرة )العباس(

والمعتصم بعناية الله، الملك العاصم وسلطان الشهداء، وحضرة )قاسم ابن الإمام المرتجى وسبط المصطفى وابن المرتضى والكرم والمنن )ابو محمد الحسن».

ومما ذكره المطراقي أيضاً: «والنورين الأزهرين الأنورين، درتي الصدفة النبوية ونجمتي بحر الفتوة السيدين الشهيدين والمقتولين المظلومين )علي الأكبر وعلى الأصغر( ،ولدي )أبي عبد الله الحسن(، وبر جبل المحسن المدفون في صحراء )كربلاء(، أكرم أرباب السعد وأفخر أصحاب الشهد حضرة )حر الشهيد( .

وعليه ومن قراءة النصوص الواردة عن كربلاء،نجد سمة التمجيد والتعظيم الذي أضفاه مطراقي على

الأئمة من آل البيت المدفونين في هذه المدينة المقدسة.

كربلاء في القرن السادس عشر كما عكسته زاده

لم يكتف مطراقي بإيراد الأئمة في كربلاء، وإنما رسم صوراً مستقلة لكل ضريح من تلك الأضرحة،

رغبة منه في التبرك بأضرحتهم. ويشير الأمر في الوقت نفسه، إلى أهمية قدسية مدينة كربلاء، نظراً لما لهذه القدسية من تأثير في نفوس المسلمين الشيعة من جهة، بل وفي طبيعة الصراع العثماني-الصفوي من جهة أخرى.

ومما يجدر بنا أن نتذكر، أن الرحلة هي أشبه ما تكون بالتقرير الرسمي الذي كتبه مُطراقي زاده لتوثيق وقائعها ابتداءاً من خروجها من الأراضي العثمانية مروراً بالأراضي الإيرانية وانتهاءاً بالأراضي العراقية.

ولهذا فأنها لم تتطرق كثيراً إلى أحداث أخرى مهمة قد تكون في نظر القارئ أهم من سرد وقائع سير الحملة نفسها. على أن ما يأخذ على رحلة مطراقي زاده، أنه لم يذكر الأعمال الجليلة التي قام بها السلطان سليمان عند وصوله إلى كربلاء كشقه نهر السليمانية )أوالحسينية(، ولا إلى الاكرام والاحسان الكثير الذي خص به القائمين على الأضرحة الموجودة في هذه المدينة، على

عكس ما فعله مرتضى أفندي الذي نوه به بشكل واضح . على أن تغاضي مُطراقي زادة عن ذكر هذه الأمور قد يكون نابعاً من إدراكه أن مثل هذه الأمور هي واجب مفروض على السلطان، ولا يحتاج الأمر إلى ذكرها.وعلاوة على ذلك، فإنه لم يشر إلى الشواخص الأخرى الماثلة في ذلك العهد في كربلاء، كالمدارس الدينية والخانات والأسواق، أوإلى طبيعة الحياة الاجتماعية والاقتصادية لتلك المدينة المقدسة. وفوق ذلك كله، لم يتطرق مؤلفنا إلى موقف أهالي كربلاء من زيارة السلطان سليمان لها، علماً بأن هذه الزيارة قد جاءت لإظهار التودد إلى سكان المدينة وأضرحتها المقدسة.

على أن فحوى ما توصلت إليه الدراسة أن مطراقي زاده قد كتب ما أثار انتباهه من أعمال السلطان سليمان ذات الصفحة الدينية عند زيارته لكربلاء، ولكنه لم يكتب عن أمور أخرى كثيرة، ما تزال معرفتنا بها قليلة.

م . السبط ( العتبة الحسينية المقدسة ) ، تموز 2016