رحل الشاعر الاميركي جاك هيرشمان (1933- 2021)، له أكثر من خمسين كتاباً منشوراً كما أنه ناشط معروف بمناهضته لكل الحروب ومدافع شرس عن الحقوق والحريات في الولايات المتحدة والعالم. لما كان في التاسعة عشرة من عمره أرسل بعض قصائده إلى الروائي إرنست همنغواي الذي أجابه في رسالة يقول فيها “لا يمكنني إعانتك يا ولد، فأنت تكتب أحسن مني لما كنت في التاسعة عشرة من عمري،
ولكن المشكلة أنك تكتب مثلي وهذا ليس بجريمة، غير أنك لن تذهب بعيدا بهذا”. كان شاعراً سياسياً ولا ينكر التهمة. يسأله مذيع في لقاء تلفزيوني عن البروبغندا فيكون رده أن الكلمة ليست سلبية عنده ولا تزعجه وأن الجميع في الواقع يقومون ببروبغندا. يقول للمذيع: “قمت بكثير من البروبغندا للحب».
وقد بزغَ هيرشمان شاعراً، مع جيل البِيتْ The Beat Generation»... منتصف السبعينات حدث تحول لديه بعد إن أمضى فترة اثنتي عشرة سنة يعمل في الصحافة. إذ توصل إلى أن ( بإمكان الأدب والفن أن يعطي ويغير الكثير). يقول في الشعر: “هو سلاح حقيقي. انه سلاح روحي لتغيير العالم. وطبيعي أن تكون قصائدي قصائد حب. أجمل الأشياء قاطبة في العالم هي أن تثقّف للحب”. ويرى أن أعظم الشعراء هم الاستفزازيون، النبوئيون، وهو بحسب ما كتب المترجم المغربي الحبيب الواعي “دافع عن مبادئه بشراسة بالرغم من الفقر المدقع الذي دفعه الى السكن هو وزوجته في غرفة وحيدة فوق مقهى وكان يتقاسم ما يكسبه مع رفاقه من شعراء الشارع. سعى هيرشمان من خلال قصائده الى نشر الوعي وإيقاظ الضمير الأميركي وفضح النظام السياسي القائم الذي ورط الانسان العادي في سباق متوحش تجني أرباحه كبريات الشركات الرأسمالية”. ويندد بالرأسمالية فيعلق: “علاقات السوق هي نكوص للمواطن تتجاوز حدود البيع”. ثم يعقب موضحا: “أعني بذلك كل ما يساعد السوق في الدفع باتجاه البيع إنما هو من زيف الرأسمالية”. الجميع اجتمع على نعته بـ”الجنون” واحتقر نشاطه التحريضي الذي يعود إلى زمن آخر وأدار ظهره لصراخه “المزعج” من أجل العدالة وتجاهل نمط حياته المتقشفة والتزاماته النبيلة ومحبته الصادقة للفقراء وخصوصا موهبته الشعرية الفريدة. والسبب، هامشيته القصوى وحضوره القوي وجانبه الشعبي العاطفي وظهوره بوصفه أحد مخلّفات جيل “بيت» (Beat) الذي مضى، كما يقول انطوان جوكي...
ولد هيرشمان عام 1933 في مدينة نيويورك ونشأ في برونكس. عُرف بمزجه السياسة بالشعر، وهو عضو في جماعة “شعراء الشارع” الذين يوزعون صفحات من الأشعار المطبوعة على المارّة في الشوارع. أسهم في تشكيل رابطة الكتاب اليساريين في سان فرانسيسكو، وحظي بلقب أمير شعراء هذه المدينة عام 2006... اعتبره الفرنسيون شاعراً شيوعياً من الطراز الأول، كما أنشأ علاقة دائمة مع فريق البيتلز وسائر العصبات اليسارية الأميركية، وطالب الشعراء والفنانين بالتوحد وتشكيل ما يشبه “أممية ثقافية».
درّس هيرشمان في جامعة لوس أنجليس. ومن بين طلبته المغني والشاعر جيم موريسون مؤسس فرقة “ذا دورز”. وقد طُرد من الكلية لأنّه وهب طلبته أعداداً عالية تتيح لهم الإفلات من الإنخراط في حرب فيتنام. هجر التدريس في الجامعات، ورفض النشر في المؤسسات التي تسير مع التيار العام، فكان يطبع على نفقته 150 نسخة، أو ينشر لدى دور نشر يسارية صغيرة.
من أعماله: “الأميركيون” 1960، “ليريبو” 1976، “الخطوط الأمامية” 2002، “كلّ ما تبقّى” 2008. ترجم أعمالاً عن الروسية والفرنسية والألمانية واليونانية والإيطالية والإسبانية والفييتنامية وسواها.
قصيدة من جاك هِرشمان :
أنْـتَ تَــعرِفُ مـا أقــولُ
كم من أبناء وبناتِ
كلِ المئاتِ من الرجال والنساء في الكونغرس
يحاربون في العراق ؟ اثنان .
حسناً ، إنه لَجيشٌ تطوُّعيّ
ورجالُ الكونغرس ونساؤه ، ذوو الصفقات والاستثمار الخاص
معظمُهم ذوو ملايين . أنت تعرف ما أقول .
ليس على أولادهم أن يأخذوا غسيلاً عسكرياً
لأنهم متّسخون بالعنصرية
مخترَمون بمخافة السجن
مطارَدون بالبؤس ، مثل الـ 20بالمائة من الأميركيين الأفارقة في القوات المسلحة
(الأميركيون الأفارقة يمثلون 12 بالمائة فقط من السكان )
أو مثل نسبة اللاتينيين الثقيلة
والفقراءِ البيض أيضاً
يتلقّون الأوامرَ ، ويحاربون في بلادٍ
نصفُ سكانها أطفالٌ في الخامسة عشرة أو أقلّ .
أنت تعرف ما أقول .
أمّـا أنا ، فالمفترَض فيَّ أن أكون وطنياً
أؤيِّـدُ اندفاعةَ السيطرة على العالَم من جانب عصابة رؤوس الموت
الطافية يومياً مع كل فسادها الأخلاقي
على قنوات يأسنا .
الرعبُ النووي أيقظَ الإله من موته ،
والحروبُ المقدسةُ تتلاحظُ في خضمّ أكاذيبها ،
بينما الأطفالُ هنا ، والأطفالُ هناك
مطحونون حتى عروقِ ابتساماتهم البريئة التي لا تزال ممكنةً .
وفي رؤوسهم الصغيرة
في عتباتهم
وفراشهم
يتمنون لو دفنوك أيها القاتل الخسيس
جزاءَ ما ارتكبتَه بحقّ الأطفال الذين آذيتَــهم ،
ولسوف يُهيلون وسَــخاً سعيداً على جثتك .
أيها السيد الرئيس . أنت تعرف ما أقول !