شهادة تنشر لأول مرة عن تحرير عبدالكريم قاسم لمدينة جنين

Monday 6th of September 2021 01:45:22 AM ,
5017 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

عبد الستار البيضاني

في نهاية العام 1988، اجريت حوارا طويلا مع الشخصية العسكرية المعروفة الفريق سعيد حمو ضمن باب جديد اقترحته لمجلة (الف باء) بعنوان (عراقيون)، ولم اتمكن من نشره وذلك لصدور توجيهات لاتسمح بنشر اي حوار مع العسكريين إلا بعد موافقة دائرة التوجيه السياسي، وأرسلت المجلة الحوار لدائرة التوجيه السياسي لكنها لم تعده وفقدته للأبد، ولسوء الحظ انني لم احتفظ بمسودته.!

امتد الحوار على ثلاث جلسات في بيت المرحوم حمو. وكان البعض يتداولون (اساطير) عن هذا القائد الجبلي المخضرم، طرحت عليه اغلبها، ومنها انه كان اثناء الاشتباكات لايختبيء، بل يقف على علو بمواجهة الرصاص المباشر. طبعا نفى هذه الحالة نفيا قاطعا، واشار الى ان مصدر الحكاية هي معركة (كلي علي بيك) التي اشتهر بها حمو انذاك. وأوضح (صحيح انني شاركت بالمعركة شخصيا لكني كنت اتحصن خلف دبابة واحيانا خلف صخرة..) ثم استدرك (لايوجد انسان في لايختبيء من الرصاص اثناء المعارك مهما كان شجاعا..لكني شاهدت شخصا واحدا في حياتي لم يختبيء وواجه الرصاص بالوقوف على اعلى منطقة فأربك العدو).

سألته: من هو؟..اجاب بعد تردد: عبد الكريم قاسم. قلت له بامكانك سرد القصة وأعدك بأنني لن انشرها. واستأنف حديثه قائلا: في العام 1948 واثناء الحرب العربية الاسرائيلية، كنت ضابط استخبارات احد الافواج برتبة ملازم أول، وكان فوجنا منتشر الى جانب الفوج الذي يقوده المرحوم عبدالكريم قاسم، وفجأة شاهدت الفوج يتقدم باتجاه (جنين)، واغرب ما أذهلني هو ان عبدالكريم قاسم كان في المقدمة يواجه رصاص الاسرائيليين من دون ان ينحني او يختبيء بل يقف على طوله ويطلق النار عليهم ما اربكهم وشجع فوجه بالاندفاع خلفه سريعا ويحرر المدينة.

هذه الحكاية تتطابق تماما مع ما رواه لي اللواء المرحوم عبدالجبار عبدالكريم احد اعضاء تنظيم الضباط الاحرار، وكان صديقا مقربا للزعيم قبل ان ينقلب عليه بعد 14 تموز لأنتمائه الى القوميين، وكثيرا ماكان يعبر لي عن ندمه على موقفه هذا بقوله (قشمرنا عبدالناصر)..وقد عرفني على لواء عبدالجبار (ابو صلاح)، الناقد والمترجم المرحوم يوسف عبدالمسيح ثروت، عندما طلب مني ذات يوم مرافقته الى مدينة الطب لزيارة صديق له من الضباط الاحرار، وحدثني ثروت اثناء الطريق بالرغم من ان هذا الضابط غير مشهور اعلاميا لكنه الوحيد الذي يعرف سر ثورة 14تموز!، حيث يعتقد ثروت ان لثورة تموز سر لم تكشفه جميع الكتابات والمذكرات التي صدرت عنها لانهم لايعرفونه!!. كان ذلك في العام 1983 على ما اتذكر. بعد ان دخلنا الردهة وسلمنا عليه قال له ثروت (انا اعرف انك كتبت مذكراتك.. انطينياها قبل ماتموت..)، في البداية نفى عبدالجبار الامر، ومن ثم قال انها موجوده عند ابنه الذي يعيش في بولونيا، بعدها غير قوله بانه كتبها لكنه حرقها!. لاحقا تمتنت علاقتي بهذا الضابط، حيث كنت اجلب له حبوب ضغط من وحدتي العسكرية في البصرة، وعلى اثرها راح يتردد على مقهى البرلمان وتعرف عليه الكثير من الادباء.

ومن بين القصص التي رواها لي عن عبدالكريم وتنظيم الضباط هي معركة تحرير (جنين)، قال انا كنت في فوج عبدالكريم قاسم برتبة ملازم اول وكنت مقرب منه كثيرا بحكم انضمامي الى تنظيم الضباط الاحرار الذي بدا به الزعيم هناك في فلسطين..وفي احد ايام اشتداد معارك حرب 48 تلقينا برقية من رئيس اركان القوات العراقية غازي الداغستاني، تطلب منا التحرك الى منطقة...،وكان الوصول الى تلك المنطقة يتطلب عدة ايام لوجود عدة مدن محتلة تفصل بين مكاننا وتلك المنطقة ومنها مدينة (جنين) التي نتحشد على مداخلها، فجأة طلب منا قاسم الاستعداد لاقتحام (جنين)، وبدأ الهجوم وكان عبدالكريم قاسم في المقدمة يقاتل ببندقية، وكنت اشاهده يقف على اعلى صخرة او مرتفع، فيطلق الاسرائيليون عدة رصاصات وعندما يرونه لا يختبيء مثل الاخرين يهربون امامه، فيتقدم الى مكان اخر ومعه تشكيلات الفوج، وتكرر الامر عدة مرات (كان يقف لهم مثل الجني.. ويجوز عبالهم جني فهربوا..).. وبعد عدة خطوات هرب جميع الاسرائيلين.. وطلب عبدالكريم من رتل الفوج التوغل في المدينة وكان هو واقفا في مقدمة سيارة جيب كشف ممسكا بندقية تتقدم الرتل، وعندما طلبت منه ان لايبقى واقفا في مقدمة السيارة قال لي (ما عليك اليهود جبناء بعد مايكدرون يسوون شي..). وفعلا كنا نخترق شوارع (جنين) واليهود على الجانبين يتفرجون علينا مذهولين بعد ان القوا اسلحتهم.. وصلنا المنطقة بعد 8 ساعات، وهناك خرج اللواء غازي الداغستاني وقال للزعيم (ها ولك اشاجبك..عبالي بعد اربعة ايام ماتوصل)..فاجاب الزعيم (سيدي ذول جبناء(.

عن صفحة الكاتب