بلدية بغداد في العهد العثماني

Monday 6th of September 2021 01:46:38 AM ,
5017 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

د. عبد الله حميد العتابي

يمكن القول إن قرار المجلس الأعلى للإصلاح في الدولة العثمانية بتشكيل لجنة تقوم بإعداد دراسات عن أنظمة البلديات وأصول تشكيلها في الدول الأوربية عام 11845 البواكير الأولى لتأسيس دوائر البلديات في ولايات الدولة العثمانية، ومهما يكن الأمر، فقد تأسست أول بلدية في بغداد عام 1484 بجانب الرصافة،

بعد صدور مجموعة الأحكام الخاصة بقانون البلدية )بلدية نظامنامه(وتولى رئاسة البلدية إبراهيم الدفتري، وهو الجد الأكبر للأستاذ محمود صبحي الدفتري، وعلى عهده زار الشاه الإيراني ناصر الدين العتبات المقدسة في بغداد والنجف وكربلاء، فاحتفت به بغداد احتفاءاً كبيراً. وقد زُينت المدينة وما حولها بشكل مميز. واستمر إبراهيم الدفتري في منصبه حتى توفي عام 1876 ثم عين بعده ثابت باشا لرئاسة بلدية بغداد وكالة.

كان تعيين مدحت باشا والياً على بغداد نقطة نحول مهمة في تاريخها على طريق الإصلاح، فالأخير قام بإصلاحات عديدة، أبرزها إدخال التنظيمات الإدارية الحديثة، واقترح إنشاء مجالس الولاة و مجالس البلديات والمجالس الخاصة بالمتصرفيات، تأسيسا على ما تقدم، تشكل أول مجلس بلدي عام 1481 وكان أخياره عن طريق الانتخابات، وعهد إدارة البلدية إلى رئيس البلدية ومجلسها الذي يتكون على الأغلب من إحدى العوائل المعروفة في بغداد او موظفاً حكومياً. لقد واصلت الدولة العثمانية في ثمانينيات القرن قبل الماضي، اهتمامها بتطوير الخدمات البلدية من خلال اصدار جملة من القوانين والانظمة، اذ اصدرت عام 1870 نظام ادارة الولايات العمومية، والذي نص على تشكيل المجالس البلدية في كل مدينة مع بيان طبيعة أعمال.) موظفي البلدية وواجباتهم، فضلا عن موارد البلدية وفي السياق نفسه، صدر قانون بلديات الولايات الجديد آنذاك في الخامس من تشرين الأول 1488، الذي أكد تشكيل المجالس البلدية، وتوسيع خدمات الدوائر البلدية ومهماتها وتقسيم البلديات في المدن الكبرى إلى بضعة أقسام على إلا يقل عدد السكان في كل قسم عن 81 ألف نسمة.

ونص القانون على تأليف المجلس البلدي من اثني عشر عضوا. ينتخبهم المواطنون لمدة أربع سنوات، ويخرج نصفهم كل عامين . ومن الجدير بالذكر، تألفت أول بلدية في العراق من رئيس وخمسة أعضاء مع مهندس و مفتش صحي وطبيب،والارتباط بالدائرة قلم خاص، تألف من عدد من الكتاب،و مأمور المحلات، ومفتشين، ونبطية البلدية، فضلا عن الحراس الليليين وعمال التنظيف، وارتبط بدائرة البلدية أيضا إدارة مستشفى الغرباء بالكرخ وإدارة مدرسة الصنائع.ولغرض مواكبة التطور الحاصل في مدينة بغداد، و بُغية تقديم أفضل الخدمات لأهالي بغداد، تأسست دائرة بلدية ثانية في العام 1878 وكان موقعها في رأس القرية، وكان ملاكها الإداري يتكون من رئيس وستة أعضاء ومحاسب زد على ذلك، عدد من الموظفين والعاملين من الحراس الليلين وعمال التنظيف، تلاها وفي العام نفسه، تأسيس بلدية أخرى في صوب الكرخ، ضمت في ثناياها رئيس وخمسة أعضاء وقلم البلدية الذي يتكون من رئيس القلم ومعاونه والمحاسب وأمين الصندوق وعدد من المراقبين وعمال التنظيف، وقد وضحت دائرة البلدية الأخيرة بكونها أكثر البلديات تقديماً للخدمات، فقد أنجزت إضاءة شوارع الكرخ عام 1878.

كان إسماعيل الدفتري رئيساً لبلدية الرصافة – القسم الأول - للمدة من 1880 ــ 1885، ومصطفى جميل للمدة 1891 ــ 1892، والشيخ عبد الرزاق افندي رئيساً لبلدية منطقة باب الشيخ – القسم الثاني – وعبد الله جلبي رئيساً لبلدية الكرخ – القسم الثالث – وكان لكل بلدية ميزانية خاصة بها، إلا أنها سرعان ما واجهت ضائقة مالية اضطرتها في النهاية الى دمج البلديات الثلاث تحت اسم بلدية بغداد عام 1907، وكان عبد الرحمن الحيدري رئيسا لبلدية بغداد بالوكالة يتم اختيار رئيس البلدية من جانب أعضاء المجلس البلدي، ولا تتجاوز مدة رئاسة البلدية أربع سنوات، ومن واجبات المجلس البلدي تعيين الموظفين والمراقبين، وابرز الشخصيات التي تناوبت على رئاسة بلدية بغداد خلال المدة 1911ــ 1916:

-1 اسماعيل بسيم

-2 مظهر بك

-3 عزت الفارسي

-4 رفعت الجادرجي

-5 سليمان فائق

واعتمدت البلدية في تمويلها على عدد من الواردات التي تمثلت بالآتي:

1.الغرامات المالية

2.مبيعات البلدية

3. ا لرسوم المختلفة التي تجبيها السلطات البلدية

4.الاكتتابات والهبات

نستخلص مما تقدم، عانت بلدية بغداد خلال العهد العثماني ومازالت العديد من المشكلات، إذْ كثير ما اشتكى المواطن البغدادي من ضعف أدائها وعدم قدرتها على معالجة مشكلاتها وتلبية احتياجاتها وتقديم الخدمات الجديدة لها ولعل ذلك يرجع في بعض الأسباب إلى القوانين في العهد العثماني، التي لم تكن تنسجم مع واقع بغداد، ومع خصائصه، إذ لم توفر الإدارة العثمانية فرصة فاعلة للمواطنين في تسيير الشؤون البلدية وإدارتها والمشاركة في إعمالها وخدماتها.

وكان الاحتلال البريطاني إلى بغداد في الحادي عشر من آذار 1917، إيذاناً ببدء مرحلة جديدة في إدارة بلدية بغداد، لاسيما الوضع المزري الذي كانت تعيشه المدينة بسبب انسحاب الموظفين العثمانيين مع القوات العثمانية، ولم تكن للبغداديين خبرة في شؤون الإدارة بسبب سياسة التتريك التي كانت يمارسها الاتحاديون بتفضيلهم الأتراك على العرب، لذا حاولت سلطات الاحتلال البريطاني إيجاد أسلوب جديد للإدارة وتنظيم الأمور نتج عنه إدارة عسكرية للبلدية في الرابع من نيسان 1917 برئاسة قائد حملة احتلال بغداد. الجنرال ستانلي مود Stanly Maude يساعده الحاكم العسكري لبغداد الجنرال هوكر Hawker، ونائب الحاكم العسكري لشرق بغداد الرصافة الميجر كوردن Gorden ونائب الحاكم العسكري لغرب بغداد الكرخ الميجر اوليفر Oliver. في حين تولى الكابتن مارشال Marshal الإشراف على مدينة الكاظمية، ويصف المؤرخ العراقي المعاصر قيس جواد الغريري شدة تعامل البلدية مع المواطنين البغداديين وقسوتها، بالقول: كانت تعاقب بضرب الأشخاص الذين يخالفون السير في الشوارع ولاسيما الجسور و فكان المفروض عبور الجسر من الجهة اليمنى، فإذا عبر من الجهة اليسرى يعاقب بالضرب .

مجلة التراث العلمي العربي. العدد الثاني 2017