إنتخابات سنة 1948 والصراع في مجلس النواب

Sunday 3rd of October 2021 09:48:31 PM ,
5035 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

د.بشرى سكر الساعدي

بعد حلّ المجلس النيابي اثر وثبة كانون الثاني 1948، سعت وزارة محمد الصدر إلى اجراء انتخابات نيابية حرّة، حدَّدت وزارة الصدر الاسبوع الاول من نيسان عام 1948 بداية لإجراء الانتخابات، ودعت الجماهير إلى ضرورة احترام حرية الناخبين والمنتخبين، وانتخاب الممثلين الحقيقيين بحرية كاملة، مع وجوب احترام القانون.

عقد مجلس النواب الجديد جلسته الأولى من الاجتماع غير العادي في الحادي والعشرين من حزيران عام 1948، لإلقاء خطاب العرش وانتخاب رئيس المجلس ونائبه، وتم اختيار حسين جميل من ضمن النواب الثلاثة ليشرفوا على سير انتخاب رئيس المجلس الذي فاز به عبد العزيز القصاب. وفي الجلسة الثانية للمجلس طلب من حسين جميل وأركان العبادي وعبد المجيد عباس الاشراف على انتخاب كاتبي ديوان الرئاسة الدائمية، اللذينِ فاز بهما متي سيرسم وعلي رفيق، وقدّم حسين جميل خلال تلك الجلسة اقتراحاً حول تشكيل اللجنة العرائضية الجوابية على خطاب العرش، من بعض النواب، منهم محمد حديد وداود السعدي وعلي حيدر سليمان، وأصبح حسين جميل أحد أعضاء لجنة إدارة المكتبة، وتمّ توزيع أسماء النواب على الشعب الأربعة، فظهر اسم حسين جميل ضمن أسماء الشعبة الثالثة.

وبعد تشكيل وزارة مزاحم الباجةجي في 26 حزيران عام 1948، بعد استقالة وزارة محمد الصدر التي حاولت تحقيق بعض المطاليب الوطنية، إلاّ أنّها كانت عاجزة عن فعل الكثير، أشار حسين جميل إلى أنّ الحكومة المستقلـة فشلت في تحقيق الاستقرار، ولاسيّما بعد إعلان الاحكام العرفية نتيجة تأزم الوضع في فلسطين، وبدء حرب عام 1948 التي كان لها صدى واسع وكبير لدى الرأي العام العراقي والأحزاب السياسية، ولم تستطع السيطرة على الوضع، كما لم تنجح في تحقيق أيّ تغيير في أوضاع العراق، الأمر الذي جعل الوزارة تقّدم استقالتها بعد الانتهاء من عملية الانتخابات، الذي يعدّ العمل الوحيد الذي قامت به الوزارة رغم التدخل والتزوير والاضطهاد.

أوضحت وزارة الباجةجي سعيها إلى إجراء تغيير واسع في أوضاع العراق العامة، وقدمت الوزارة لائحة قانون الميزانية العامة، لأجل مناقشته في الجلسة العاشرة للمجلس، التي صوّت لها بطريقة الاستعجال،

ومن الأمور التي أثارت غضب حسين جميل في المجلس، حدوث الضوضاء نتيجة اعتراض بعض النواب على اقتراح عبد الرزاق الشيخلي بالوقوف دقيقتين حداداً على أرواح شهداء الوثبة، ذاكراً أنّ على النواب قبل إحداث أيّ فوضى أن يرجعوا إلى مناقشة الأمور عن طريق الجدل والبحث، كما ليس للنائبين المعترضين الحق في إلغاء الأمر بعد التصويت عليه من قبل رئيس المجلس. وأمّا بخصوص ادعائهما بأنّ النائب لم يقدّم طلباً تحريرياً بهذا الاقتراح، ولم تحصل الموافقة عليه، فقد أجاب حسين جميل بقوله: “إنّ هذا الاقتراح جائز، لأنّ هناك اقتراحات مماثلة لهذا الطلب تمّت الموافقة عليها بصـورة شفهية، ومنها قبول اقتراح وزير العدلية حول قانون أصول المحاكمات، فضلاً عن وجود المادة 61 التي لا توجب تقديم الاقتراحات بصورة تحريرية. ومن المعلوم أنّ الاستاذ عبد المجيد عباس هو احد المعترضين، قد درس أصول القانون في كلية الحقوق، ويعلم المبدأ القانوني القائل: إن لم يكن محضوراً فهو مباح، وهذا مبدأ قانوني. واستمر حسين جميل في معارضة بعض المواقف غير الديمقراطية، التي تحدث داخل المجلس، ومنها منع بعض النواب من ابداء آرائهم وتعليقاتهم حول خطاب العرش في الجلسة الرابعة والعشرين، إذ قال حسين جميل: “إنّ عدد النواب الذين طلبوا الكلام للتعليق على الخطاب حوالي 33 نائباً، لكن لم يتكلم منهم سوى أربعة فقط، أمّا الباقون فلم يحق لهم التحـدث على الرّغم من أنّ الخطاب ألقي في 21 حزيران 1948 إلاَّ أنّ تأجيل المجلس لعدة مرات، سواء من قبل ديوان الرئاسة أو بإرادة ملكية، كما وقعت تأجيلات طويلة خلال هذه المدة، لذلك لم يستطع النواب التكلم، رغم أنّها المناسبة الوحيدة التي يستطيع فيها النائب عرض جميع مشاكله، لأنّ فيها استعراضاً لجميع شؤون البلاد، لكنّ المجلس اقترح الاكتفاء بالمذكرة، في حين أنّ الاقتراح وضع ليناقش مادة قانونية مستنفذة الغرض، أمّا خطاب العرش فإنّ النواب لا يبحثون في نقطة معينة، أي: إنّ النقاش لا يمكن أن يكون قد استنفذ غرضه، لذا على المجلس الاستماع إلى آراء النواب كلّهم دون استثناء، لأنّهم يعبرون عن وجهة نظرهم، وكلّ منهم بطريقته الخاصة”، وأضاف حسين جميل قائلاً: “ إنّ الاقتراح يسيء للحياة النيابية التي لم يبقَ من مظاهرها الديمقراطية إلاّ القليل، لأنّه بهذه التصرفات يحرم النائب من التعبير عن آلام الشعب وآماله، فإذا منع النائب من التكلم والتعبير عن آرائه، فأين يجد النائب مجالاً للكلام، أَفي الصحف الموضوعة تحت الرقابة أم في مجلس يكتفي بالمذكرة، أَم بحرمان النائب من حضور جلسات المجلس؟!، لهذا نطالب الحكومة والنواب أن يحرصوا على صيانة سمعة المجلس من أيّ شوائب، ودعم الحياة النيابية التي نحن بأمسّ الحاجة إليها”. وعند قيام مزاحم الباجةجي بتعديل وزارته في20 تشرين الأول عام 1948 وإدخال شاكر الوادي وهو من وزارة صالح جبر المستقيلة، عدّ حسين جميل هذا التعديل أمراً مستغرباً ومفاجئاً للرأي العام، وأثار استياء واستغراب الشعب، باعتباره رمزاً جديداً ليس في صالح البلاد في شيء بدليل وجود أحد اعضاء وزارة صالح جبر التي قاومها الشعب، كما عدّ هذا التعديل مناقضاً للأماني الوطنية التي عبّر عنها الشعب بوثبته الكبرى.

ورغم ما يعانيه الحزب من ضعف بسبب الاحكام العرفية ومطارة الحكومة لبعض أعضائه، واغتيال بعضهم، وسجن وتخويف بعضهم، لأجل إضعاف دور الحزب وتقليص نشاطه ونضاله الفعال في الحياة العامة، عقد الحزب مؤتمره الثالث لدراسة الوضع الراهن في البلاد، ولإنتخاب الهيئة الادارية المركزية للحزب، التي تضم كامل الجادرجي رئيساً، ومحمد حديد نائباً، وحسين جميل سكرتيراً، وعلي الصفار محاسباً. ونتيجة اشتداد الرقابة على الصحف، ومنها صوت الأهالي التي لم تستطع نشر محاضر وخطب نائبي الحزب في المجلس، وهما محمد حديد وحسين جميل، ولاسيّما ما يتعلق منها بنقد الحكومة. وعلى الرغم من أنّ حسين جميل ومحمد حديد لم يكونا النائبين الوحيدين المعارضين لاستمرار الحكومة في أعمالها الإرهابية وأساليبها غير القانونية التي أدّت إلى إضعاف النشاط الحزبي بوجه عام، وكادت أن تشله عن أداء واجبه السياسي، ظهرت فكرة تجميد الحزب لمدة زمنية حتى يستطيع إيجاد الظروف الملائمة لأعادة نشاطه وعمله السياسي، والفكرة نفسها كانت لدى حزب الاحرار، لهذا حصل اتفاق بين قيادتي الحزبين، فأعلن تجميد أعمال حزبيهما. لكن رغم كلّ تلك الظروف والاضطهاد والارهاب، واصل حسين جميل ومحمد حديد نشاطيهما في المجلس النيابي، من خلال مشاركتهما في مجمل قضايا المجلس، وكذلك إبداء الآراء وطرح بعض المقترحات ومناقشتها، وكأنّ الحزب لم يجمد نشاطه في تلك المرحلة.

عن رسالة (حسين جميل ودوره السياسي)