بمناسبة إعادة تأهيل شارع المتنبي..مكتبات بغداد في العشرينيات

Monday 10th of January 2022 12:19:24 AM ,
5101 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

احمد راشد الفهداوي

بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى (1914-1918) ظهرت في العراق تجارة الكتب حتى اصبحت ظاهرة استوقفت انتباه عدد كبير من الناشرين العرب والاجانب وشجعتهم على التوجه الى العراق بعد ان وجدوا فيه سوقاً تجارياً مربحاً للكتب العلمية والادبية , وكان في اغلب مدن العراق مكتبات لبيع الكتب لها نشاطها الكبير وعلاقاتها الواسعة بالناشرين والمكتبات الكبرى في بلاد العرب ومنها ما ساهم بشكل كبير في الحركة الثقافية من خلال نشر او اعادة نشر الكتب النادرة والمخطوطات المحققة والدواوين والدراسات المختلفة.

شهد سوق السراي غي بغداد انتشار مكتبات بيع الكتب لا سيما بعد قيام الدولة العراقية عام (1921) وقد تخصص بعضها ببيع نوع معين من الكتب فيما تنوعت الكتب عند بعضها الاخر من ادبية وعلمية ودينية وتاريخية ونوادر المخطوطات فضلاً عن القرطاسية , واللوازم المكتبية .

أصبح سوق السراي بمثابة منتدى ثقافي تقام فيه الندوات الثقافية ويتواجد فيه الادباء والمثقفون على الدوام للحصول على الكتب النادرة فانتعشت حركة بيع الكتب مع مرور الزمن بعد ان كثر اهتمام البغداديين بالقراءة ونتيجة لذلك ظهرت مكتبات عدة اصبح لها اسمها ومكانتها, ومن ابرزها المكتبة العربية التي اسسها المرحوم نعمان الاعظمي عام (1905) وهي اول مكتبة تفتح في سوق السراي بل انها من اقدم مكتبات بيع الكتب في العراق , وكان صاحبها يجلب الكتب من الدول المجاورة حيث كان يقصدها المثقفون والباحثون لاقتناء ما يحتاجونه من مصادر , وقد ساهمت المكتبة في طبع العديد من الكتب العربية والاجنبية في داخل العراق وخارجه , ثم انتقلت المكتبة من مكانها الاول في راس سوق السراي الى وسطه وهي مازالت تعمل لحد الان ويديرها حالياً السيد ربن احمد النقشبندي.

قام السيد محمود حلمي في عام (1942) بانشاء المكتبة العصرية وهي ثاني مكتبة تفتح في سوق السراي واول مكتبة تنقل منه الى شارع المتنبي عام (1947) وقد ذاع صيتها واصبحت لها مكانة بارزة لا تقل منزلتها عن مكتبة نعمان الاعظمي اذ عمل صاحبها على رفدها بالكتب والمصادر القيمة التي كان يستورد معظمها من مصر , فضلاً عن المجلات المصرية التي كان الوكيل الوحيد لتوزيعها في العراق , وهذا ما ادى الى ازدياد رواد هذه المكتبة من المثقفين الذين اخذوا يعقدون فيها الندوات الثقافية ومن ابرزهم الدكتور مصطفى جواد والمحامي عباس العزاوي وعبد الرزاق الحسني وطه الهاشمي والاديب احمد حامد الصراف وعبد المطلب الامين وغيرهم .

وكان يساعد محمود حلمي في ادارة المكتبة شخص يهودي اسمه (اسحق ابو نسيم ) , الذي كانت له اليد الطولى في تنشيط المكتبة , تنقلت المكتبة الى اكثر من مكان حيث بدأت في سوق الصياغ المرتبط بسوق السراي ثم انتقلت بعدها الى المكان الذي تقام عليه حالياً مكتبة عواد عبد الرحمن ثم انتقلت الى مكان المكتبة الحديثة لبيع القرطاسية حالياً , ثم انتقلت الى شارع المتنبي مقابل المخبز العسكري سابقاً قبل ان تنتقل الى بناية المكتبة البغدادية ومن المكتبات الاخرى التي ظهرت في بغداد هي المكتبة الاهلية التي اسسها عبد الامير الحيدري عام (1922) في سوق الاستربادي بالكاظمية ثم سرعان ما نقلها الى سوق السراي وبعد وفاة صاحبها الحيدري عام (1954) تولى ادارتها نجله السيد شمس الدين الحيدري الذي قام بنقلها من سوق السراي الى شارع المتنبي , حيث يقصدها الادباء وطلاب العلم والباحثون للحصول على ما يريدون من مصادر خاصة وقد اخذت المكتبة على عاتقها طبع عدد كبير من الكتب العربية والاجنبية , ومازالت المكتبة تعمل في مكانها بشارع المتنبي (عمارة طه ابو الكاشي) مقابل دار الانبار للنشر ويديرها السيد (سرمد) احد احفاد عبد الامير الحيدري.

ويمكن عد مكتبة (مكنزي) التي اسسها رجل اسكتلندي عام (1925), مكتبة متخصصة في بيع الكتب الاجنبية في بغداد , وبعد وفاة صاحبها دفن في مقبرة الارمن ببغداد فتولى ادارتها ابن عمه (دونالد) الذي كانت تربطه علاقة وطيدة مع اليساريين في العراق , وعندما توفي عام (1944) الت المكتبة الى احد العراقيين وهو السيد عبد الكريم مراد وبقيت تعرف بالاسم نفسه بل ان صاحبها الجديد قد لقب ب(عبد الكريم مكنزي) .

اشتهرت هذه المكتبة ببيع كتب الطب والهندسة المطبوعة باللغة الانكليزية التي كانت تصل من بريطانيا على وجه الخصوص , لذلك كان طلاب كليتي الطب والهندسة واساتذتهم يقصدونها على الدوام ليطلعوا على كل ما هو جديد.

وظهرت مكتبات اخرى لبيع الكتب وظلت مستمرة مثل مكتبة الطلبة التي اسسها يوسف سعيد حافظ عام (1927), ومكتبة الشبيبة التي انشاها رشيد عبد الجليل عام (1930) في سوق السراي واختصت ببيع الكتب والمجلات العراقية والعربية منذ تاسيسها حتى عام (1980) حيث تحولت الى مكتبة لبيع القراطاسية واللوازم المدرسية ومازالت مستمرة بالعمل حتى الوقت الحاضر ويديرها السيد صباح رشيد نجل المرحوم رشيد عبد الجليل صاحب المكتبة والذي توفي عام (1988) , وهناك ايضاً مكتبة الزوراء التي تأسست في عام (1930) لصاحبها حسين الفلفلي في سوق السراي , ومكتبة المعارف التي أسسها محمد جواد حيدر عام (1932) , والمكتبتان مستمرتان في العمل لحد الان.

ومن المكتبات المهمة التي برزت في بغداد هي مكتبة المثنى التي أسسها الناشر الكتبي المعروف ( قاسم الرجب) عام (1936) وقد بذل جهداً كبيراً لإعمارها وتوسيعها وفتح لها فروعاً متعددة في الموصل والبصرة ولبنان حتى اصبحت من اكبر مكتبات العراق فذاع صيتها ووصلت شهرتها الى البلدان العربية والاسلامية والاجنبية , لما ضمته من نوادر المخطوطات التي اشتريت باسعار عالية بل انه ادى دوراً فاعلاً في تزويد المكتبات العراقية المختلفة بالمصادر والمراجع , ولم يتوان عن مساعدة الطلبة والباحثين من خلال تساهله معهم في بيع الكتب وحسب مقدرتهم المادية , ومازالت المكتبة باقية لحد الان رغم تاثرها بالحريق الهائل الذي التهم الاف الكتب النادرة منها عام (1999) ، وهناك مكتبات اخرى انشئت في الكاظمية مثل مكتبة المفيد لصاحبها الشيخ صالح الكاظمي الذي كان يبيع فيها اجزاء القران الكريم ومختلف الكتب الدينية ,وعند وفاة صاحبها عام (1910) تولى أبناؤه وأحفاده إدارتها ورفدوها بالكتب الثمينة واستمرت لغاية عام (1980) , حين انتهت بوفاة الشيخ محمود عبدالله صالح ولم يبق منها شيء, والمكتبة الاخرى هي مكتبة الاعتماد التي اُنشئت في الغرفة الثامنة داخل الصحن الكاظمي الشريف على جهة اليمين من باب القبلة وادارها الشيخ علي محمد الكتبي منذ عام (1905) وبعد توسعها نقلها الى خارج الصحن في داخل السوق وكان ذلك في بداية الاربعينات وبعد وفاة صاحبها الحاج علي محمد عام (1955) تولى ادارتها ابنه الحاج مرتضى.

ومن المكتبات القديمة الاخرى في الكاظمية (مكتبة النجاح) التي اسسها الشيخ عبد علي في العشرينات من القرن الماضي ومكانها في منتصف الشارع العام عند باب الدروازه ,وكانت ايضاً بمثابة ملتقى لوجهاء البلدة الذين يأنسون باحاديث صاحبها , وفي عام (1952) انتقل الى غرفته في الصحن الكاظمي الشريف وهي مجاورة لباب مرقد ابي يوسف , واستمر يباشر بيع الكتب وطبعها ونشرها وتوزيعها الى وفاته في منتصف السبعينات من القرن الماضي.

عن: رسالة (الحياة الثقافية في مدينة بغداد للمدة من1921 ــ 1939(