في ذكرى يوسف سلمان (فهد) .. إعتقال ( فهد ) ومحاكمته وإعدامه

Monday 14th of February 2022 12:19:44 AM ,
5126 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

د . سيف عدنان القيسي

وعلى الرغم من النشاط والفعاليات للحزب الشيوعي العراق كان نوري السعيد يتظاهر بأن لاشيوعية في العراق، لانه وحسب اعتقاده "أن الشيوعية تظهر في البلدان الصناعية، أما نحن فلا صناعة عندنا"، جاء ذلك في مؤتمر صحفي لنوري السعيد يوم الحادي والعشرين من تشرين الثاني 1946.

وفي خضم هذا النشاط السياسي للحزب الشيوعي على الساحة الوطنية، تم إعتقال سكرتير الحزب يوسف سلمان يوسف (فهد) ومعه عضوا المكتب السياسي حسين محمد الشبيبي وزكي محمد بسيم، يوم الثامن عشر من كانون الثاني 1947 في أحد الدور الموجودين فيها بالصالحية.وجاء إعترافه أمام محكمة الجزاء ببغداد بأنه يفتخر بكونه شيوعياً، بل دافع عن الحزب الشيوعي بالحرف الواحد "أني كمواطن شخص لي تيار خاص في الحركة الوطنية هو المعروف بالشيوعية، وقد إعتنقت هذا المبدأ منذ عام 1932- 1933.

وفي الثالث والعشرين من حزيران 1947، حكمت المحكمة على فهد بالاعدام وعلى زكي محمد بسيم وأبراهيم ناجي الصيدلي، الذي قبض على فهد في بيته إضافة الى ثلاثة عشر شيوعياً بالاشغال الشاقة مدًدا مختلفة، وجراء الضغوط الدولية ولاسيما الاحزاب الاشتراكية التي نددت بالحكم، عدلت تلك الاحكام في الثالث عشر من تموز 1947، فأصبحت عقوبة (فهد)الاشغال الشاقة المؤبدة وزكي محمد بسيم بالاشغال مدة خمسة عشر عاماً وتم نقلهم الى سجن الكوت.

بعد اعتقال فهد تسلم يهودا صديق المسؤولية بإعتباره عضواً بارزاً في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، وأرسل عبد الكريم رشيد الى الالوية لاطلاع مسؤولي الحزب هناك على صورة الحزب الجديدة وتسلم الاشتراكات.

والملاحظ ان يهودا صديق لم ينفذ أمر فهد في تسليم قيادة الحزب الى مالك سيف (كمال) مسؤول المنطقة الجنوبية، وعضو اللجنة المركزية، ولكنه هو الاخر لم يبق طويلاً متربعاً على قيادة الحزب الشيوعي بعد أن علم من أحد أقاربه ان دائرة التحقيقات الجنائية تبحث عنه لالقاء القبض عليه فغادر الى كركوك، وهكذا أصبح مالك سيف المسؤول الأول وتزامن ذلك مع عودة بقايا منظمة "رابطة الشيوعيين العراقيين" بأمر داود الصائغ الى الحزب في أيلول 1947، وأبرزهم سليم الفخري وغضبان السعد وحسين خضر الدوري وجلال عبد الرحمن وشماس توما وعزز رجوعهم مركز الحزب في مدينة الموصل لمعرفتهم طبيعة الحياة فيها.

توالت الاحداث السياسية في العراق، وكان للحزب الشيوعي موقف واضح منها، ومنها وثبة كانون الثاني 1948،أشترك الحزب الشيوعي العراقي في المظاهرات الحاشدة،التي جرت في ايام الوثبةوأستغل الحزب الشيوعي تلك المظاهرات والاجتماعات الجماهيرية في الدعوة لاطلاق سراح قادة الحزب الشيوعي.

ومن جانبها اتهمت الحكومة المشاركين بالوثبة بأنهم صنيعة الشيوعية "عملاء موسكو"، ودعت في بيانها إلى وحدة العناصر المعادية للشيوعية.

وتجددت المظاهرات يوم السابع والعشرين من كانون الثاني بعد عودة صالح جبر من لندن وأطلقت الشرطة النيران على المتظاهرين ذهب فيها العشرات بين قتيل وجريح، ممّا أدى الى استقالة وزير المالية يوسف غنيمة ووزيرالشؤون الاجتماعية جميل عبد الوهاب ورئيس مجلس النواب عبد العزيز القصاب و(عشرون) نائباً آخر، وعلى أثر ذلك قدم صالح جبر إستقالته في اليوم نفسه وهذا يؤشر مدى الدور الذي قام به الحزب الشيوعي العراقي مع بقية الاحزاب السياسية العراقية من دور وطني لافشال إبقاء العراق تحت الهيمنة البريطانية.

وعلى الرغم مما قامت به وزارة السيد محمد الصدر،التي أعقبت وزارة صالح جبر من إلغاء معاهدة بورتسموث رسمياً وحل مجلس النواب وإطلاق سراح المعتقلين، والتحقيق في أسباب إطلاق النار على المتظاهرين، عدّ الحزب الشيوعي تشكيل حكومة محمد الصدر وقراراتها ماهي الا لتهدئة الناس وإعادة المياه الى مجاريها.

وفي ظل هذه الظروف العصيبة دعا فهد من سجنه في الكوت الى ضرورة تقوية صلات حزبه مع الحزبين الوطني الديمقراطي والاحرار لتشكيل جبهة وطنية موحدة.

ولما أقر مجلس الوزراء فكرة حل مجلس النواب وإجراء انتخابات جديدة، رفع الحزب الشيوعي شعارات تطالب بـ "لا الانتخابات والأحرار في السجون" و"إطلاق الحريات الديمقراطية".وهذا يدل على أن دوره ومكانته السياسية بدأت تأخذ مكاناً وحجماً أوسع مما مضى، ولهذا فلا عجب امام موقفه ذاك ان انضم الى الحزب المزيد من الاعضاء بل زادت شعبيته.

ان تلك المساحة الضيقة من الحرية في العمل السياسي قد أنتهت من جديد بأعلان الاحكام العرفية التي أعلنت في الرابع عشر من أيار 1948، مع إعلان حرب فلسطين التي إستغلتها الحكومة، وضيقت الخناق على المعارضين وبشكل خاص على الشيوعيين، ومع عودة نوري السعيد الى الحكم انتهت كما يرى حنا بطاطو، مرحلة الحرية، وتلاشى الانجاز الايجابي الوحيد للوثبة.

ومن جانبهم أضرب أعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي في سجن الكوت خلال شهر أيار 1948، مطالبين بالتمتع بحقوق السجين السياسي، وأعتبارهم سجناء سياسيين، وفي رده الى والدته التي ناشدته بأنهاء الاضراب، كتب فهد "كوني على ثقة من عدالة مطاليبنا، فأذا قضيت نحبي فأغفري لي، وأني لست أول ضحية من ضحايا الاستعمار والرجعية وأعلمي أن قضية الحرية ستنتصر في النهاية.وأمام ذلك الاصرار الذي تزامن مع دوافع محلية ودولية استجابت الحكومة وكسرت القيود عن فهد التي كانت تكبل يديه وجسده بالحديد.

استغلت السلطات الحاكمة موقف الشيوعيين من القضية الفلسطينية وبدأت بالتنكيل بأعضائه وتنظيماته، إذ صدرت الاوامر من وزارة مزاحم الباجه جي بإلقاء القبض على الشيوعيين واعتقال اللجنة المركزية ومنهم يهودا صديق ومالك سيف.

ويبدو أن السرية والكتمان في تنظيمات الحزب قد تعرضت للاختراق، اذ داهمت الشرطة المنزل الذي كان يجتمع فيه قادة الحزب، مثلما كبست وكراً حزبياً آخر في كركوك وفي الليلة نفسها اعتقلت أعضاءه، وبدأت المعلومات تصل الى دائرة التحقيقات الجنائية.

وأمام هذه الظروف وجدت الحكومة ان الفرصة سانحة للتخلص من فهد وقادة الحزب الشيوعي الاخرين، فأعادت محاكماتهم في الواحد والعشرين من كانون الاول 1948، بعد أن كشفت رسالة حملها يهودا صديق مضمون نشاط فهد واتصالاته مع الحزب في الخارج ، وشكلت وزارة نوري السعيد التي تشكلت في السادس من كانون الثاني 1949، مجلساً عسكرياً عرفياً لمحاكمة الموقوفين بتهم الشيوعية، وفي العاشر من شباط حضر فهد المحاكمة ومعه اعضاء المكتب السياسي بتهمة قيادة الحزب من داخل السجن.

وأصدر المجلس العرفي قراره بإعدام فهد ورفيقيه زكي محمد وحسين محمد الشبيبي شنقاً، وفق الفقرة الثالثة من المادة (أ) من قانون ذيل العقوبات البغدادي رقم (51) لسنة 1938، كما حكم أيضاً على يهودا صديق بالاعدام شنقاً وعلى عزيز الحاج بالاشغال الشاقة المؤبدة.

ونفذت الاحكام فجر يومي 14 وأعدم فهد وحسين الشبيبي و15 شباط 1949أعدم زكي بسيم في ساحات مختلفة من بغداد,وردد فهد حينما صعد المشنقة"الشيوعية أقوى من الموت وأعلى من أعواد المشانق".

وأستنكر الحزب الشيوعي في بيان له حكم الاعدام، كما أستنكرته الاحزاب الشيوعية العربية والعالمية، واعتبرت اذاعة موسكو ذلك العمل "جريمة شنعاء ضد المناضلين من أجل صيانة استقلال العراق".

وهكذا انتهت صفحة من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي لتبدأ مرحلة وصفحة جديدة لاتقل مخاطرة عما سبقتها، لان الحزب عمل في وسط سياسي ينتمي في نظرته الى الغرب، ووسط ديني- أسلامي- من الصعب اختراقه بشكل واسع.

عن رسالة : الحزب الشيوعي العراقي ودوره في الحركة الوطنية العراقية.