الكاظمية كما وصفها البريطاني فيلكس جونز في منتصف القرن التاسع عشر

Sunday 27th of February 2022 08:30:04 PM ,
5135 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

ترجمة: جعفر الخياط

في ربيع سنة 1850 قام الكوماندر جيمس فيلكس جونز بسياحات جغرافية للمسح و الاستقصاء العلمي في المنطقة الواقعة غربي دجلة في شمال بغداد، و كتب عنها مذكرة بعنوان (تتبعات في جوار سور الميديين، و في المنطقة الواقعة على مجرى دجلة القديم، و تثبيت موقع أوييس القديمة).

فرفعت هذه المذكرة الى الحكومة البريطانية في الهند خلال شباط 1851.

و طبعت في سلسلة المختارات الجديدة من سجلات حكومة بومبي، المجلد الثالث و الأربعون لسنة 1857.

و في خلال هذه الأعمال مر جونز بالكاظمية فكتب يقول عنها:..

و بعد ان خرجنا من بغداد و اجتزنا اسوارها المتهدمة (في جانب الكرخ) سرنا في طريق لا بأس به مدة خمسين دقيقة فوصلنا الى الكاظمية. التي كانت قبابها المطلية بالذهب و منائرها الرشيقة تكون منظرا خلابا و هي ترتفع في الأفق البعيد، و تتلألأ ما بين بساتين النخيل الخاشعة من حولها.

على ان ذلك المنظر سرعان ما تبين حقيقته حينما يدنو الناظر اليه من البلدة فيجد ذلك المشهد الجميل محاطا بمجموعة متراصة من البيوت الحقيرة المتهدمة، المبنية بالطين و الطابوق المفتت. و يسكن البلدة سكانها العرب مع عدد غير يسير من الأيرانيين، و الهنود الشيعة المنفيين من بلادهم لاسباب سياسية او المقيمين للعبادة و التبرك. و يزور الضريح المقدس في هذه البلدة كل سنة عدد هائل من الزوار الذين يتواردون عليه من أنحاء العالم الأسلامي كله، و حيثما يقدس الأمام علي و ذريته. و لذلك يجتمع هنا خليط عجيب غريب يجمع بين مظاهر الثراء و الأبهة و مباذل الفقر و الشحاذة، كما يجمع بين ملابس الحرير و الأسمال أو الخرق البالية. و من المحظور على النصارى و اليهود التقرب من المشهد المقدس، غير اننا استطعنا أن نشاهد ما يعجب من الأشياء، و ما يجعل المرء يأسف على عدم مشاهدة الكثير من أمثال هذا المبنى الجميل الضخم في بلاد يمكن ان يبنى فيها على طرازه.

فقد وجدنا الصحن المربع المحيط بالحضرة مزدانا بزينة الموزاييك الغنية بالقيم الفنية، و الجدران مزوقة بالآيات القرانية و الجمل الدينية المكتوبة بالأحرف العربية الجميلة. و لما كنا و نحن نمرّ بالبلدة المقدسة في عشية يوم النوروز فقد كان من الممكن للمرء أن يشاهد في كل مكان امارات الفرح و الحبور ترتسم على وجوه الناس و تمتزج بتعابير العبادة و الخشوع الظاهرة عليهم. و قد كان ذلك يبدو على شي‏ء غير يسير من الروعة حينما كانت الشمس المائلة الى المغيب ترسل أشعتها الأخيرة الباهته على المنائر و القباب المذهبة فتلوح للرائي كالنجوم المتلألئة التي تجتذب الزوار اليها من بعيد.

هذا و قد مررنا في طريقنا بأناس قادمين من كل حدب وصوب، و منتمين الى كل عنصر و عرق، فمن سكان التيبت و كشمير و الأفغان و أيران، جانب من صحن الامامين الكاظمين اسكن

الى المغول و العرب المواطنين. و كانوا يغذون السير-و هم-راكبين أو راجلين ليصلوا الى مبتغاهم فيستطيعوا إداء الزيارة في صباح اليوم التالي من دون تأخير. كما مررنا بآخرين كانوا قد فرشوا سجادهم أو عباءاتهم.

على قارعة للطريق، و أخذوا يؤدون الصلاة بكل نشاط و أخلاص. و قد كانوا، و هم يستقبلون القبلة للقيام بهذا الواجب الديني المفروض، تبدو في وجوههم شتى المشاعر و الأحاسيس و مختلف المخائل و السمات. و من المكن ان يقال أنه لا يوجد أي مكان آخر في العالم يجتمع فيه مثل هذا الخليط من الناس و هذا الاختلاف في المشاعر و التعبير. على ان تقاسيم وجه العربي المعبرة، اذا ما ضمت الى لباسه الجذاب وحدة نظره و استقلال شخصيته، مع سلاحه المطروح الى جانبه، لتدل كلها على مخائل عرق ممتاز متفوق حتى عندما يلاحظ في حالات الانحناء و السجود.

و بعد ان يبتعد المرء قليلا عن البلدة تبدأ منطقة التاجي التي تمتد البادية من حولها الى جنب بساتين النخيل التي لا تمتد عن ساحل النهر الى أبعد من ثلاث مئة يارده. و تأتي بعد ذلك مستنقعات عقرقوف المتكونة من فيضان الفرات الذي يبعد عنها بمسافة خمسين ميلا، و يتصل بدجلة عن طريقها. فتحاط الكاظمية و بساتينها على هذه الشاكلة بالماء من جميع الأطراف، و تصبح و كأنها جزيرة في وسط بحر متلاطم بالأمواج.

و في سنة 1866-67 جاء الى العراق الرحالة الهولندي لكلاما نايهولت (نيجهولت)، و مكث في بغداد مدة من الزمن درس فيها الكثير من شؤونها و أحوال مجتمعها، فكتب رحلته القيمة التي ترجمت الى الانكليزية.

و كان مما كتبه في هذه الرحلة نبذة وجيزة عن الكاظمية آثرنا ان نوردها هنا نقلا عن الترجمة العربية التي اضطلع بها الأستاذ مير بصري. فهو يقول:.. و كانت من الزيارات الممتعة التي قمت بها زيارة الكاظمية،

و هي بلدة صغيرة أقامها أخلاص الشيعة حول جامع الأمام موسى على مسافة فرسخ من بغداد. و لأجل الذهاب الى الكاظمية، نخرج من السوق الكبير الى شاطي‏ء دجلة الأيمن و نصعد عدة دقائق الى منحنى النهر حيث نطل على منظر جميل لمدينة بغداد. و بعد مسيرة نصف ساعة على الشاطي‏ء نصل الى غابة صغيرة رائعة من النخيل. و نلتقي في كل دقيقة بالعرب و العجم و الهنود، مما يضفي على الطريق حركة عظيمة. و يمتطي‏ء أكثرهم ظهور الحمير، و هذه الدواب تكرى قرب قصر أخي شاه أيران حيث يقف عدد كبير منها. و هذه الحمير من جنس ممتاز أصله من جزيرة العرب (لعله يقصد الحمير الحساوية المعروفة) و تتفوق بكل صفاتها على حمير أوربة. و هي بيضاء اللون تسير كالخيل. فاذا ما تركنا الغابة التي أشرت اليها، أدرنا ظهورنا الى دجلة و لاحت لنا في البعد قبتان ذهبيتان لجامع الأمام موسى الأكبر. و لا تمر نصف ساعة حتى نصل الى أولى منازل الكاظمية.و الكاظمية بلدة صغيرة حسنة البناء، فيها سوق كامل التجهيز.

عن موسوعة العتبات المقدسة ــ قسم الكاظمية

مجلة اهل النفط 1961