عبد اللطيف اللعبي: المقاوم شعراً

Wednesday 9th of March 2022 12:13:48 AM ,
5142 (منارات)
منارات ,

عثمان تزغارت

منحُ «غونكور الشعر» للكاتب المغربي المخضرم عبد اللطيف اللعبي. وتأتي الجائزة التي سيتسلمها صاحب «قصائد تحت الكمامة» في 12 كانون الثاني (يناير) المقبل، لتكافئ شاعراً طبع الحياة الأدبية والسياسية المغاربية، على مدى أربعة عقود... أي منذ أسّس، عام 1966، مجلته «أنفاس»

التي خرجت من معطفها أجيال من الشعراء والكتّاب، من محمد خير الدين إلى الطاهر بن جلون. أدّت هذه المجلة دوراً طليعياً في التأسيس لأنتلجنسيا يسارية مغاربية نشأت امتداداً لـ«حركات التحرير»، لكنها اصطدمت بالأجهزة البيروقراطية والقمعية لـ«الدول الوطنية» الناشئة، ما جعل الدائرة تتسع تدريجاً: من تجربة «أنفاس»، وُلدت «جمعية المقاومة الثقافية» ARC التي أسّسها اللّعبي مع رفيق دربه المناضل الكبير أبراهام سرفاتي. وإذا بهذا التيار الفكري الراديكالي ينتشر كالنار في الهشيم، ليخرج من إطار الشعر والأدب إلى آفاق أرحب، من الفلسفة إلى علم الاجتماع، ومن الفكر السياسي إلى النضال الراديكالي والمقاومة السرية، وخصوصاً مع إنشاء حركة «إلى الأمام» (1970) التي كانت التنظيم الأكثر طليعية في تاريخ حركات المعارضة اليسارية في المغرب العربي الكبير.

لم تلبث السلطة، في عهد الملك الحسن الثاني، أن انتبهت إلى مخاطر هذا المد الطليعي، فلم تتردّد في خنق «أنفاس». أوقفت المجلّة عن الصدور بتهمة المساس بالأمن العام. وكان اللّعبي وسرفاتي على موعد، عام 1972، مع «زوّار الفجر». إذ اعتُقل الأول، وحُكم عليه بالسجن عشر سنوات بتهمة التآمر لقلب النظام. بينما اختار الثاني النشاط السري، ثم اعتُقل بعدها بسنتين، وقضى 17 سنة في السجن (1974ـــــ1991)، ليصبح «شيخ المعتقلين السياسيين» في المغرب.

قضى اللعبي ثماني سنوات في سجن «القنيطرة» الرهيب. ثم أطلق سراحه عام 1980، إثر حملة تضامن دولية واسعة. تجربة السجن القاسية التي ذاق خلالها القمع والتعذيب والإذلال، لم تؤثر في روح الشاعر المتوثبة وطبعه المشاكس. ظل دوماً شخصية مرجعية لها حضور طليعي في النضالات من أجل الحقوق والحريات في بلاده، من المطالبة بالديموقراطية والعدالة الاجتماعية، إلى التصدي للتطرف والظلامية والانتصار لحقوق النساء والمثليين والأقليات المسحوقة... ولا بدّ من الإشارة إلى تضامن لا يلين مع الشعب الفلسطيني وقضيّته المركزيّة.

لكن تجربة المعتقل تركت بصمات على أعماله الأدبية التي توزعت بين الشعر والمسرح والرواية والفكر السياسي. برز ذلك في كتاباته الشعرية. بعد أشهر من إطلاق سراحه، أصدر مجموعتيه «مملكة الهمجية» (سوي ـــــ1980)، و«حكاية مصلوبي الأمل السبعة» (Table Raseـــــ1980). ثم تلتهما مجموعة «قصائد تحت الكمامة» (لارمتان ـــــ1981) ومجموعته الشعرية الأشهر «أزهرت شجرة الحديد» (البديل ـــــ1982).

اللافت أن تلك النبرة النضالية المشوبة بالألم والأمل لم تتراجع مع مرور السنين. ظل اللعبي الذي أصدر عام 1990 أنطولوجيا مترجمة لـ«شعر المقاومة الفلسطيني»، يرى الشعر «صرخة احتجاج ووسيلة مقاومة». كذلك فإن البعد البيوغرافي احتفظ بمكانة مركزية في أعماله الشعرية، من «الشمس تحتضر» (1992) إلى «قريني العزيز» (2007)، مروراً بـ«احتضان العالم» (2001).

لم تقتصر إسهاماته على الشعر، «منفاه الأثير»، فحسب، بل امتدت إلى النثر الذي يجمع بين الذاتي والفكري والسياسي: نشر بالفرنسية «يوميات من قلعة المنفى ـــــ رسائل من السجن» (1983)، و«قارة إنسانية» (1997). وأصدر بالعربية «الرهان الثقافي» (المركز الثقافي العربي ـــــ 1985)، و«حُرقة الأسئلة» (توبقال ـــــ 1986). ولعلّ الميزة الأبرز لهذه الكتابات السياسية التي مثّلت محطات حاسمة في الوعي السياسي المغاربي خلال الثمانينيات، تكمن في مزاوجتها بين النفَس النضالي اليساري والفكر الإنساني المستوحى من فلسفة التنوير.

في مجال الرواية، أصدر اللّعبي أربعة أعمال هي «العين والليل» (1969)، و«مجنون الأمل» (1982)، و«تجاعيد الأسد» (1989) و«قاع الخابية» (رواية بيوغرافية ـــــ 2002). أما في المسرح، فقد وضع أعمالاً عدة بينها «قاضي الظل» (1994)، و«رامبو وشهرزاد»(2000)...

إلى جانب هذه المؤلفات، يدين الأدب العربي لعبد اللطيف اللعبي بالدور الذي يؤديه كـ«مهرّب كلمات»، كما يحلو أن يصف عمله وهو مترجِم. بفضل قلمه، اكتشف القارئ الفرنسي عدداً من أهم الأعمال الأدبية العربية المعاصرة، من «عائد إلى حيفا» لغسان كنفاني، إلى «الشمس في يوم غائم» لحنا مينه، ومن «سيرة ذاتية لسارق النار» لعبد الوهاب البيّاتي إلى «الفرح ليس مهنتي» لمحمد الماغوط، مروراً بـ«فضاء النون» لحسن حمدان (الشهيد مهدي عامل).

تحتلّ فلسطين مكانة مركزية في ترجمات اللعبي. فضلاً عن «أنطولوجيا شعر المقاومة الفلسطينية»، نقل إلى لغة موليير «ورد أقل» لمحمود درويش، و«أحبكِ على وقع الموت» لسميح القاسم. كذلك جمّع مع زوجته جوسلين حكايات شعبية فلسطينية، وأصدرها في طبعة مزدوجة، عربية وفرنسية، تحت عنوان «عصافير العودة: حكايات من فلسطين».