حسين مردان وأسرار السيرة الشعرية

Wednesday 9th of March 2022 10:25:43 PM ,
5143 (عراقيون)
عراقيون ,

د.علي جواد الطاهر

ولد-إذاً- في سنة 1927 او نهاية عام 1926، ولا يذكر من طفولته في طويريج والحلة شيئاً، ولكنه يذكر جيداً ما كان منها في الخالص من بعقوبة حيث استقر والده. ولم يكن تلميذاً موفقاً ولعله لم يكمل((المتوسطة)) ولكنه كان متمرداً ومبكراً وقارئاً خارج الدرس، ولاسيما حينما استقر والده في بعقوبة نفسها. وقد نبت في المطمح الأدبي، واقتنع في أن يصير شاعراً بارزاً جداً، ولابد من أن يصير مهما يكلف الأمر.

ويحدثنا عنه الذين عرفوه من الأدباء في بعقوبة تلميذاً أو تاركاً للمدرسة فيروون الكثير عن نهمه إلى القراءة، وعن أسئلة تؤرقه يبحث لها عن أجوبة في الكتب على اختلافها ما بين الفلسفة المادية والكتاب المقدس. قرأ كل شيء. وكان يستعير من الأدباء((الرزمة)) من الكتب بعد((الرزمة)) لم يستثيرهم بأسئلته التي لا تنتهي وأحكامه المتطرفة.
وحين طلعت مجلة((الكاتب المصري)) وما فيها-وفي غيرها- عن الوجودية هام بها وفهمها على طرازه الخاص وعد نفسه وجودياً. ثم لما وصلت إليه ترجمة من((أزهار الشر)) لبودلير تمكنت من فكره ووجد نفسه في بولدير فأعلن نفسه بودليرياً.
ثم خضع إلى التجنيد الإجباري، وها هو ذا في جلولاء لم يغير كثيراً من نهجه وما أسرع ما عرف المسؤولون نمطه فمنحوه امتيازات خاصة(بنظر مقال عبد المسيح ثروت عنه في مجلة((الكلمة))-تشرين الثاني 1972).
ويلطفه طموحه الهجرة إلى بغداد، فجاءها في الأربعينات، ويحدد هو ذلك عام 1947 وينص على أنه كان في العشرين.
ولا يهمه كيف يعيش في بغداد، لأن همه الأول أن يكون أديباً شاعراً كبيراً، ولابد في سبيل ذك من التضحية بكل شيء. ولقد كان يضحي ولا يحسب ما يأتيه وإنما يفعل ما يفعل استجابة للتمرد واستطابة لما يترتب على ذلك:
في السابق قرأت عنترة..وفي العاشرة نظمت أول بيت. وبدأت أمي تضايقني. لابد من الانقطاع إلى الأدب! وهكذا تركت المدرسة..ثم بدأ الخصام مع العائلة! واضطررت إلى هجر البيت. إلى أين..أنا لا أملك غير رأسي! وإنه لرأس. وإني لقادر أن أشق الصخر بإصبعي وحملت عصاي وجئت إلى بغداد المدينة الغامضة المغلفة. وبعد يومين فقط دخل الفراغ إلى جيبي(...) وذهبت مع السحر إلى سوق((الفضل)) لأصبح من عمال البناء. كنت أقول لنفسي وأنا أضع الطابوق على صدري ليكن! سأضع رجلي فوق الجميع. وبعد أيام جلست مع الشاعر الرصافي..)).
وألف حياة تشرد بمعنى الكلمة، جر إليه بلند الحيدري(وغيره)، وهو يكتفي للعيش بأقل القليل مما يشبع أو لا يشبع ويكسو أو لا يكسو ويؤوي أو لا يؤوي. وحين وجد معاش عامل مصحح في جريدة((الأهالي)) عد ذلك فوزاً كبيراً...
وزدات قراءته، وزاد إعجابه بإلياس أبو شبكة وبودلير، وشرع يكسب وينظم، واطأن إلى شاعريته أو ازداج اطمئناناً إلى شاعريته وطراوزه الخاص فيها. وكان يلتقي بأمثاله من الشباب المتمرد الغاضب في المقاهي والحانات والبيوت ثم بمن عرف((بجماعة الوقت الشائع)) ومقهى واق واق.
وها هو ذا يدخل إلى عالم الشعر في صخب ولجب وجرأة هي ضرب من وقاحة حين أصدر أواخر عام1949 ديوانه الأول الذي سماه بما ينسجم وما هو فيه:((قصائد عارية)) أهداه إلى نفسه في 26-11-1949:
لم أحب شيئاً مثلما أحببت نفسي، فإلى المارد الجبار الملتف بثياب الضباب إلى الشاعر الثائر والمفكر الحر. إلى..حسين مردان..)).
وخاطب القارئ أن((...ثق أن لا تفضلني على الرغم من قذارتي إلا بشيء واحد..هو أني أحيا عارياً بينما تحيا ساتراً ذاتك بألف قناع. فنصيحة مني أن لا تقدم على قراءة هذا الديوان إذا كنت تخشى حقيقتك وتخاف رؤية الحيوان الرابض في أعماقك)).
وتدل هذه الكلمات-في أقل تقدير- على ثقته المطلقة بنفسه ووعيه بما يقول ويرمي إليه وكأنه الذي ينطلق من وجهة نظر مختمرة منسجمة وكيانه مستحيلة فلسفة فيه تقييمه وتقعده.
وشعره في ديوانه لا نقاش فيد صدقاً وعمقاً ودلالة على الموهبة وجِدَّةً في الصورة وعنفاً في التعبير ونفاذاً إلى الشعر العمودي بما لم يسبق إليه عنفاً ورغبة وتميُّزاً من أي آخر من شيوخ وشباب بشخصية لا تستعار.
ولفلسفة، أو حياة على الأصح، من هذا النوع ثمنها. وأقل ما يتهم بها صحابها: إفساد الأخلاق ولخروج على التقاليد ومن ثم لابد من مصادرة الديوان ومحاكمة الشاعر. وهو الذي حصل. ولكن المحكمة استمتعت جيداً إلى دفاع المحامي واستعانت بلجنة من الأطباء وكأنها-في كل ذلك- تقف بوجه مشروع إلى جانب الشاعر وتنتهي إلى تبرئته. وهو ما حصل مع ما في الديوان مما يدعو إلى الشدة مع الشاعر وإلى وقوف المتزمتين بوجهه. ويكفي ما فيه من صراحة((العري)).
وإذا ورد طعن في أخلاق الشعر فلم يرد مس بسلامة الشاعرية. وإذا تركنا كل شيء بقي صاحب الديوان شاعراً له من عنفه وجرأة صوره وجدة أفكاره دلائل على الأصالة. وهو مختلف في هذه الأصالة حتى عن((أبو شبكة)) صاحب((أفاعي الفردوس))، وبودلير صاحب((أزهار الشر)).
وإذا التقة معها في شيء من الروح أو الإخاء الروحي، فإنه تميز منهما بنفسه فهو حسين مردان من العراق، وهما واحد من لبنان وواحد من فرنسا. و((قصائد عارية)) أكثر عرياً مما في الديوانيين وأكثر صراحة في الخروج على المألوف الأخلاقي...وربما كان ما لقي((أزهار الشر)) من منع ومحاكمة...في مطامح صاحب((قصائد عارية)).
ثم لم يلبث أن اجتاز الأزمة. ومهما قيل في الدفاع عن الشاعر فان شعره يقدمه على أنه كان يحيا تلك الحياة لدرجة الإغراق. ويبلغ في جبروته أقصاه:((لن أحب إلا المرأة التي تحتقر جميع الرجال وتسجد تحت قدمي أنا وحدي...)) واين يجد هذه المرأة؟ ولماذا؟ وماذا فيه؟
وهيأت الشاعرية-ولا أقول الجرأة وحدها- للديوان الانتشار وكثرة الفقراء، ويدخل في القراء متزمتون يقرأونه سراً ويستطيبونه فناً!!
لقد أثبت هذا المتشرد المتمرد أنه شاعر، وفتح هذا الشاعر لقومه أو لجيله الطريق إلى الجرأة بنوعيها الأخلاقي والفني، وأقصد بقومه الشعراء الشباب خاصة، واقصد بالفني إلى عنف الصورة خاصة. وإلا فهو عمودي، وإذا اختلف قليلاً-أو كثيراً- عن القصيدة التقليدية فبمقدار ما جدد أهل المهجر وعلي محمود طه وإلياس أبو شبكة...
لقد حقق الشاعر في أمره. ولك ان تقول أنه استطاب الشهرة، وأن تقول أنه كان جاداً في أمره، صادقاً في تصرفه مؤمناً بموقفه مطمئناً إلى((فلسفته)). ولك أن تجمع بين العاملين أو أن ترجح الثاني. ولا أدل على ذلك أنه أصدر-في العام الذي أفرجت المحكمة عنه وعن ديوانه(1950)- قصيدته((اللحن الأسود)) في كراس خاص على المنهج الذي سارت عليه((قصائد عارية)) ولم يكن للسلطة معدى من مصادر القصيدة وتقديم صاحبها إلى المحاكمة...وقد فعلت، إلا أن حسين مردان نجا هو وقصيدته هذه المرة كما نجا في المرة السابقة.
وفي نظرة إلى((اللحن الأسود)) يبدو حسين مردان كمن يبتز((قصائد عارية)) مادة وشهرة مع إنه دونها في الشاعرية وفي كل شيء، وقد اتسم برود وتكلف واستحال((نظماً)) ثم إنه صار يقول:
أشكو إليك برودة في أعظمي
لا تستجيب إلى الهوى أحياناً
ومت هو أكثر من هذا(ص80، ص82) ويقول(ص37):
كم ليلة قضيتها متسهداً
كالكلب يلعق مرشفي قدميك
فأين صار ذلك المارد السادي الجبار الذي يريد من المرأة أن تسجد على قدميه هو وحده؟!
لقد تغيرت الحال: ومال إلى الضعف عموماً...
أهو الشبع؟ أهو الملل؟ أم ماذا؟
ويكتب في((اللحن)):((آه يا إلهي هبني قدرتك لحظة لأخلق المرأة التي تستطيع أن تفهمني)) وليس في العالم الذي يعيش فيه من تفكر أن تفهمه،ثم من هو؟
وابتعد قليلاً عن عالم العُري دون أن يبتعد كثيراً حين((حاول أن يصور حياة الحشاشين ومتعاطي المخدرات)) فأصدر سنة 1951 كتابه((صور مرعبة)) مع ملاحظة أن هذا العالم هو أحد عوالم بودلير في((جنانه المصطنعة)) وفي نبيذه وحشيشه، وأن الشاعر العراقي لم يقدم شعره على النمط العمودي أم شارع ينظم عليه عدد من الشباب باسم الشعر الحر قائماً في وزنه على التفعيلة، وإنما قدمه بنمط لعله لم يعرف له اسماً ولم يجد له اسماً لأنه شعر يأخذ صورة الشعر في روحه وصوره ولكنه ليس بالعمودي وليس بالتفعيلي، لأنه، في حقيقته، لا يجري على وزن مقرر فهو نثر إن شئت، وهو نثر في صورة شعر أو أية صفة أخرى يمكن أن تميزه بها...
وقد نجد في جذر هذا النمط ما سمعه حسين مردان أو قرأ أمثلة مترجمة منه...مما كان لبودلير-أجل، بودلير أيضاً- باسم poemes prose (قصائد في نثر) أو(قصائد النثر)- إن شئت.
وإذا كان حسين مردان مبكراً فيه ومن رواده إن لم يكن رائداً، فيصعب أن يكون قد خلقه دون المام برائد سابق عليه، لا سيما إذا علمنا إمكان أن يكون هذا الرائد السابق عليه بودلير، وتذكرنا مكانة بودلير من مطمح حسين مردان ومزاجه.
لقد نظم حسين مردان((صور مرعبة)) على نمط لم يعرف له اسم فلم يسمع بعد((بقصيدة النثر)) ولم يصل بعد إلى اسم((النثر المركز)) ويقرر أنه((خلقه خلقاً)) بمعنى أنه ذهب إليه دون سابق عليه من قدوة أو دعوة. ومع أننا نعرف سبق أمين الريحاني على ما سماه((الشعر المنثور)) متابعاً والت وتمن، ثم كان الريحاني رأساً فيه، ثم صار عهد الريحاني بعيداً، وصار متابعوه وكأنهم لم يكونوا. والحقيقة أن الفارق ملحوظ، وحسين مردان أكثر شاعرية واقل تكلفاً، وهو فيه سابق-كذلك- على ما عرف بقصيدة النثر وعلى مجلة((شعر))(وقد تاسست سنة1957). وربما كان مصطلح((قصيدة النثر)) الذي ورد فيها-لأول مرة- يرجع اساساً إلى العالم الذي تحدث فيه أدونيس مستعيناً-ومترجماً- بكتاب- أو مقدمة كتاب- سوزان برنار((قصيدة النثر)) الصادر بباريس سنة 1959).
ويبقى-مع هذا- السؤال عن المصدر كما هو؟ وكيف يتسنى لأمرئ كحسين مردان أن يخلق((النثر المركز)) خلقاً؟ ثم لابد من عودة إلى أخبار وصلت إليه عن بودلير...على أن حسين مردان يقرر- وهو يريد أن يحدد مهمته في الموضوع- أنه((قد أدى الضيق بالوزن والقافية عند الشاعر المعاصر إلى نوع من التمرد والالتجاء إلى هذا النوع من النثر الفني، والذي شاع في عهد جبران وأمين الريحاني عن طريق ترجمة الشعر الأوربي على اللغة العربية. فعمل بعضهم على تطويره والاعتناء به لكي يأخذ شكل القصيدة من ناحية الاهتمام بوضع الكلمة وموسيقية الألفاظ واختصار الجمل وتركيزها، للاستعاضة عن الجهد الذي يبذل في القصيدة الموزونة. أما السبب الحقيقي الذي دفعني إلى كتابة هذا النوع من النثر فهو اكتشافي أن الوزن يحد من إظهار الحيوية النفسية ونقل العالم الباطني بصورة دقيقة)) وواضح أنه لا يعد((النثر المركز)) شعراً رغم ما فيه من عناصر الشعر-((ولذلك أطلقت عليه اسم النثر المركز..في الوقت الذي كان ينعت بالشعر المنثور...))-وتنر له مقالة((النثر الشعري)) في كتابه((الأزهار تورق...)).
واستطاب((الكراسة)) وربما عاد ذلك إلى قلة ما تكلف من أجور الطبع وسهولة البيع والتوزيع والظفر بالمردود الممكن القريب، فأصدر في نهاية عام 1951((رجل الضباب)) قصيدة، ولكنه أصدرها((عمودية)) أي أنه لم يلتزم ما دعاه بالنثر المركز. والقصيدة تمثل الخطوة الثانية التي آل فيها إلى((الجد)) أو الظهور على حقيقته خلافاً لما يبدو للناس ولما يحكمون به علينه من التهتك فهو أعف من متهميه ومزدريه، وهو مفكر حر القول بل وطني ثائر يستهين بالسجن في سبيل الإصلاح، وإنه يتفجر لما يسود البلد من ظلم الحاكم والمستعمر ولما يرى في الناس من تواكل وخضوع على الرغم من بوادر الثورة التي يتنبأ بها، ويستعد لها::
...هذا أنا((رجل الضباب)) ومن له
في كل موبقة حديث يُذكر
فليعلم المتزلفون إذا التوت
قدم على قدم باني أكبر...
وأصدر عام 1952((عزيزتي فلانة))- رسالة بالنثر المركز وبدا عليه تغير أو تعديل في الفكر.
ولابد من أن يكون لاشتغاله في جريدة((الأهالي))- وهي جريدة ملتزمة بالديمقراطية- ولصداقته مع هيئة الجريدة والمحررين فيها أثر في التغير زد على ما في جذور الرجل من فقر، وما في قلبه من طيبة، وما في نفسه من خير وتأثيره بالروح الوطنية السائدة.
ومضى به التغير إلى الاهتمامات الوطنية العامة، ومضت به الاهتمامات الوطنية العامة إلى الاعتقال بعد انتفاضة تشرين 1952 فالتقديم إلى المجلس العرفي العسكري فالحكم عليه بـ((كفالة، على أن لا ينشر كتاباً لمدة سنة واحدة)). ((ولما يقدم الكفالة المطلوبة)) دخل السجن- سجن الكون الرهيب- أوائل سنة 1953، وفيه((بدأ التحول الكبير في مجرى حياتي الأدبية فقد أقسمت مع نفسي على السير في خدمة الشعب والعمل على قلب ذلك النظام الذي يستل شوق الإنسان إلى الحرية بالسجن والحراب)).
زادته هذه السنة من السجن إصراراً على التغيير والاتجاه الوطني والفكر الإصلاحي الثوري. وقد أذى هذا الإصرار ثقافة تلقاها في السجن على يد مسجونين التقى بهم وقراءة((ما يقرب من مائة ألف صفحة[!] من الفلسفة الماركسية)) ((وانتقلتُ إلى الجانب الآخر من القضية)).
وخرج من السجن ليزداد التحاماً بـ((قضايا الشعب)).
وعاد إلى الأشتغال بالصحافة(جريدة صوت الأهالي) وإلى التأليف فأصدر سنة 1953(؟) كتابه((الربيع والجوع)) على نمط((صور مرعبة)) في نثره المركز.
ان الاهتمام الوطني الاجتماعي وما يدل عليه من نظافة وترفع عن الكسب الحرام واعتداد بالشخصية واختيار الفقر..كل أولئك لا يعني التنكر لأشعاره الأولى ومواقفه من((العري)) و((التعري)) مما اختاره اختياراً لرأي وليس القصد في إشاعة الفساد والتحلل...
وقد يؤيد ذلك إصداره سنة 1955 طبعة ثانية من0(قصائد عارية)) و((اللحن الأسود)) في كتاب واحد. وقد لقيت هذه الطبعة رواجاً، فقد نفدت نسختها الـ2000 سريعاً، وما كان أحد يجرؤ آنذاك أن يبلغ هذا العدد من نسخ الطبع. ومرت الطبعة بسلام...
والرجل يوسع من أفقه كل يوم تجربة وفكراً وأدباً وقراءة وكتابة متابعاً هواه فيما يعجبه ويستثيره ويؤيده ويعمق تجربته...وامتد أفقه إلى((العهد القديم من الكتاب المقدس)) واستفزه((نشيد الإنشاد للمكل سليمان)) بحيث رآه((قصيدة من أروع قصائد الحب في الآداب القديمة)) ورأى الملك سليمان قلقاً في ظمأ روحي((فهو من ناحية يشعر بحاجته إلى نوع من الجمال الحقيقي الذي يرضي خياله ويشبع روحه وجسده معاً ويود من ناحية أخرى أن يكون الشخص الكامل الذي رسم صورته في أعماق شعوره)).
ولابد من أن يكون حسين مردان قد وجد في((النشيد))((وسليمان)) أشياء غير واقعية أو يريدها أن تقع له...وعالمه في طرفيه وفي اللغة التي تجسد فيها هو عالم الشعر ولغة الشعر التي يفهمها ذواقة، يختلف عن ذوق قومه، مثله. وهذا بعض ما بعثه إلى أن يعيد صياغة((نشيد الإنشاد)) نثراً شعرياً، ((مركزاً)) ويصدر عمله بهذا الاسم: نشيد الإنشاد(1955؟) في كراس مستقل.
وتسأل مرة أخرى: لماذا نشيد الإنشاد؟ وتجيب أن حسين مردان وقع عليه- وقد تكون لإلياس أبو شبكة يد في ذلك-فرأى فيه انسجاماً مع كيانه، وانسجاماً مطلقاً معه: مادة ومعنى، شكلاً ومضموناً، فيما هو كائن فيه وما يحمله إياه من نفسه، وما سبق أن جرَّ من جنس انتهى فيه إلى نتيجة في نفسه وفي المرأة.
* مقدمة كتاب (من يرجع الصدى)