عندما أقتربت السلطة من الحركة الديمقراطية..الحزب الوطني الديمقراطي يشارك في وزارة نوري السعيد !

Sunday 13th of March 2022 11:07:03 PM ,
5145 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

د. بشرى سكر الساعدي

بعد استقالة وزارة أرشد العمري في عام 1946، أَصدر الحزب الوطني الديمقراطي بياناً استعرض فيه الوضع السياسي، وماقامت به الوزارة من اجراءات، وطالب أن تكون الوزارة الجديدة فاتحة خير على البلاد، وأن تعمل على إطلاق الحريات الديمقراطية،

وفسح المجال للعمل الحزبي وللنقابات والتنظيمات الشعبية، وأن تجري انتخابات حرة دون تدخل من الحكومة بأيّ شكل من الأشكال، وتمهيد السبيل لتطبيق أحكام الدستور بالشكل الذي يحقِّق أماني الأمة. وفي الحادي و العشرين من تشرين الثاني عام 1946أَلَّف نوري السعيد الوزارة على أمل تهدئة الضجة التي أثارتها وزارة العمري، كانت خطة السعيد تتركز في، كسب بعض المعارضة واحتضانها من خلال زرع بذور الانشقاق في صفوفها، وذلك عن طريق اشتراك الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاحرار في حكومته التي أَسماها ائتلافية.

اجتمعت الجنة الادارية المركزية للحزب، وكان من ضمنها حسين جميل باعتباره سكرتير الحزب، لبحث الأمر من كلّ جوانبه، ووضعت شروطاً لاشتراك الحزب في الوزارة، ومنها ان تكون الوزارة انتقالية، مهمتها اجراء انتخابات حرة واطلاق الحريات المنصوص عليها في الدستور، بما في ذلك حرية الصحافة والاجتماع وحرية العمل للاحزاب بفتح الفـروع لها حسب ما يتطلبه وضعها وعملها. وقد وافق الحزب على الاشتراك بالوزارة، أدّت مشاركة الحزب الوطني الديمقراطي إلى انتقاد الاحزاب السياسية الأخرى لهذه المشاركة، التي وصفت هذه المشاركة بالوصولية والانتهازية، كما ظهرت معارضة داخل صفوف الحزب. وخلال تلك المدَّة عقد المؤتمر الأول للحزب، وألقى فيه كامل الجادرجي خطاباً شرح فيه غاية الحزب من الاشتراك في الوزارة، كما ألقى حسين جميل سكرتير الحزب تقريراً عن نشاط الحزب في تلك المدَّة. وفي ختام المؤتمر جرى انتخاب اللجنة الادارية المركزية الجديدة للحزب، ففاز بعضويتها كامل الجادرجي ومحمد حديد وحسين جميل وزكي عبد الوهاب وصادق كمونة ورجب الصفار، وبهذا انتهت المعارضة داخل صفوف الحزب بشأن المشاركة في الوزارة. لكنّ عدم استجابة نوري السعيد لمطاليب الحزب، دفعت اللجنة الادارية المركزية إلى عدم الاستمرار في الوزارة، فسحبت ممثلها. وقد حاول البعض تشويه موقف الحزب الوطني الديمقراطي عن طريق الادعاء بأنّ سبب انسحابه من الوزارة يعود إلى مطالبته بالمناطق المقفلة، أي تخصيص مناطق انتخابية لمرشحي الحزب والعمل دون ترشيح منافسين لهم. وقد رد حسين جميل على ذاك، نافياً هذه المزاعم التي لا أساس لها من الصحة، فالحزب، حسب قوله، لم يفكر قط في المناطق المقفلة، ولم يتحدث أيّ شخص عنها، سواء من أعضاء الحزب أَم من المسؤولين أَم غيرهم وذكر أيضاً انّ كثيرين من أعضاء الحزب قد راجعوه بشأن ترشيح أنفسهم في الانتخابات، فكان الجواب إنّ الحزب طلب من اللجان التنظيمية في الداخل والخارج أن يدرسوا الموضوع، ويرشحوا الاشخاص اللائقين بالترشيح، وقد تألفت لجنة في مركز الحزب سميت (لجنة الانتخابات)، ترسل اليها جميع تقارير لجان تنظيم الحزب، ولم يكن هناك وجود لمنطقة مقفلة في الانتخابات. وقد أيَّد رئيس الوزراء في حديث صحفي أنّ الحزب الوطني الديمقراطي لم يطلب دوائر مقفلة.

شارك الحزب الوطني الديمقراطي في الانتخابات النيابية، وبرَّر الجادرجي هذه المشاركة بدواعي الواجب. ورغم بروز بوادر تدخل السلطة في الانتخابات، إلاَّ أنّ الحزب أصرَّ على المشاركة حتى وإنْ لم يفز أحد مرشحي الحزب، لأنّ اشتراكهم سوف يرصد أيَّ تدخل حكومي في الانتخابات ويفضحه. وعقد مرشحو الحزب الاجتماعات في بغداد والبصرة والموصـل والصويرة، لنشر الدعوة للمشاركة الانتخابية، ولتوضيح أهداف الحزب ومنهاجه الانتخابي، وتأييد المرشحين. كما عقد اجتماع عام ببغداد، في مقهى الفارابي الشتوي يوم 7 شباط عام 1947، خطب فيه كامل الجادرجي فقال: إنّ للحزب أَهدافاً يجب تحقيقها، تتمثل في تحقيق الاستقلال والاستقرار، وتحقيق الاصلاح الاجتماعي والاقتصادي. وشرح حسين جميل منهج الحزب في الانتخابات النيابية وفي محاضرة له عن الحرية الانتخابية شرح قانون الانتخاب، ومراحل الحرية الانتخابية، وواجب أعضاء الحزب فيها. ولم يكتف بذلك بل أَلقى محاضرة أخرى في مركز الحزب، تحدث فيها عن أهمية الانتخابات، ولماذا اشترك الحزب فيها، كما ذكر أنّ الكفاح بين الرجعية والديمقراطية، والمطالبة بالانتخابات المباشرة، واجب أعضاء الحـزب في المعركة الانتخابية، وتحدث ايضاً عن حقّ التنظيم السياسي والتوجيه الديمقراطي للعراق. وكتب مقالاً عن أهمية فتح الفروع بالنسبة للاحزاب، وعن دور تلك الفروع وما تقِّدمه للحزب وأعضائه من خدمة كبيرة في نشر مبادئه واهدافه والمساعدة في جذب أفراد جدد، وعدَّ الحريات الدستورية حقَّا من الحقوق الاساسية، ومن المقومات الديمقراطية لحرية الانتخاب. واستمر الحزب في حملته الانتخابية لتوعية الشعب وتنبيهه إلى اختيار الأفضل والأحسن لمن يمثله في مجلس النواب ويعمل لتحقيق أمانيه وأهدافه التي يناضل من أجلها، وأصدر نداءاً إلى المنتخبين، من خلال المقال الافتتاحي في جريدة الحزب، نبَّه فيه إلى خطورة الأعمال التي ستعرض على المجلس الجديد، ودعاهم إلى أن يتنخبوا من يعمـل على تحقيق أهدافهم، معتبراً تلك الانتخابات صفحة من صفحات الكفاح من أجل الحرية، لأنّه من خلال تلك الانتخابات ينال الشعب حقوقه المغتصبة.

بدأت الانتخابات في 25 كانون الثاني عام 1947، وكان حسين جميل أبرز المشاركين فيها، باعتباره مرشحاً عن المنطقة الانتخابية الثانية في بغداد وأدَّت جريدة صوت الأهالي دوراً كبيراً في نشر انشطة الحزب في تلك الانتخابات، التي فاز بها حسين جميل بجميع مراحلها الانتخابية، بدءاً من الانتخابات التي جرت في محلة قنبر علي، وقبل البدء بالانتخابات أَلقى حسين جميل كلمة بيَّن فيها أنّ الانتخابات التي تجري في هذه المنطقة حتى الآن كانت مثالاً للالتزام بالنظام والقانون، ونصح بالتزام الهدوء واستعمال الحق الانتخابي بحرية، ثم بدأت إجراءات الانتخاب بفتح الصناديق الانتخابية وعرضها على الجمهور، وبعد التأكد من خلوّها، بُدِئ بالمناداة على اسماء الناخبين حتى فرغ منها، ثُمَّ روجعت أسماء الحضور مع الناخبين، وبعد أن تأكدوا من عدم مجيء ناخب آخر، فتحت الصناديق وفرزت الأصوات، وتبيَّن أنّ قائمة حسين جميل فازت بالمرتبة الأولى بـ (121) صوتاً. وهذا يؤكد أنّ الانتخابات قد جرت في جو من الحماسة والتأييد لحسين جميل وسط هتافات الجماهير. ومن الجدير بالذكر أنّ لهذه المنطقة 49 منتخباً ثانوياً، وكلّهم من مؤيدي انتخاب حسين جميل نائباً عن هذه المنطقة. كما جرت انتخابات أخرى للمنتخبين الثانويين لمحلتي عزت طويلا وقرة شعبان، فازت بها قائمة حسين جميل بـ (103) صوت، وبهذه المناسبة أخذت الجموع بالهتاف لــه اثناء سيرها من المحلتين المذكورتين، وقد شبه التجمع كمظاهرة متوجهة نحو محلة قنبرعلي. وهكذا انتهت عملية انتخابات المنطقة الثانية، والتي فازت بها قائمة حسين جميل بما يشبه الاجماع وفي جميع مراحلها الانتخابية، كما تم انتخاب المنتخبين الثانويين للمنطقة الثانية، وعددهم 49 منتخباً ثانوياً، وجرت الانتخابات تحت إشراف حاكم المنطقة وبعض أعضاء لجنة التفتيش، وهم: حسين الشكَرة رئيساً، وحسين جميل ونجيب شبيب آغا وعبد الرزاق شبيب أعضاء، وتمَّت الانتخابات بكلّ حرية وهدوء.

وبعد انتهاء الانتخابات الثانوية، أقام الحزب اجتماعاً وطنياً عامّاً في مقهى الفارابي الشتوي، لبحث الموقف السياسي، ولتوضيح منهج الحزب في الانتخابات النيابية، وحضر الاجتماع عددٌ من أبناء الشعب من مختلف فئاته، تقدَّم حسين جميل سكرتير الحزب الوطني الديمقراطي وافتتح الاجتماع بكلمة أَشار فيها إلى أنّ الحزب قد اعتاد أن يقيم مثل هذه الاجتماعات كلَّما دعت إليها الضرورة وفي المناسبات العامة، وقد ارتأى الحزب إقامة هذا الاجتماع بمناسبة الانتخابات النيابية التي تجرى في هذه الايام، ولبحث الموقف السياسي الراهن، كما ذكر أنّ مرشحي الحزب يجب أن يلتزموا بما يصدر عن الحزب من منهاج، ويعدُّوا أنفسهم مسؤولين عن تطبيق تلك المناهج والقواعد التي يضعها الحزب، ويحاسبوا على أساسها.. وهكذا تمّت الانتخابات التي كان للحزب دور المشاركة فيها بعدد من أعضائه، وبعد أن ظهرت نتائج الانتخابات فاز الحزب الوطني الديمقراطي بأربعة مقـاعد نيابية في المجلس الجديد، وهم حسين جميل في بغداد، وجعفر البدر وعبد الجبار الملاك وعبد الهادي البجاري في البصرة. إلاّ أنّ الحزب أصدر بياناً بسحب نوّابه من المجلس النيابي، لأنّه كشف بواسطة هؤلاء تدخلات الحكومة في تلك الانتخابات. وفعلاً استجاب حسين جميل لبيان الحزب، وقدَّم استقالة من المجلس النيابي في 17 آذار، أمّا النواب الثلاث مرشحو الحزب في البصرة ففضلوا الاستقالة من الحزب على الاستقالة من المجلس. وبانسحاب الحزب الوطني الديمقراطي، أصبحت جميع الاحزاب السياسية غير ممثلة في المجلس، وعليه أصدرت الاحزاب الخمسة، وهي الأحرار والشعب والاستقلال والاتحاد الوطني والوطني الديمقراطي، بياناً أشارت فيه إلى أنّ الانتخابات كانت صورية، زوّرت فيها إرادة الامة. باستخدام أساليب غير مشروعة، لذا لا يصحّ اعتبار المجلس ممثلاً للأمة أو معّبراً عن رغبات الشعب، وترى أنّ الشعب بريء مِمَّا يقرّره من معاهدات واتفاقيات أو أيّ التزام يكون العراق طرفاً فيه، وتعدّه باطلاً وغير ملزمة به، وطالبت بحلّ المجلس النيابي واجراء انتخابات حّرة.

عن رسالة (حسين جميل ودوره السياسي..)