كيف أكتشف أينشتاين وفوكنر النسبية والصخب الذي يحيط العالم؟

Tuesday 15th of March 2022 11:16:46 PM ,
5147 (منارات)
منارات ,

علي حسين

في بداية ستينيات القرن الماضي طرحت مجلة آخر ساعة المصرية سؤالاً على عدد من الكتاب والمفكرين حول الكتب التي يقرؤنها، وكان السؤال من كلمتين: لماذا نقرأ؟، وقد تنوعت الإجابات حيث كتب طه حسين إن القراءة هي زاد الشعب التي تنقله إلى حياة عقلية أرقى وأخصب،

فيما اعتبر عباس محمود العقاد أن حبه للقراءة يمنحه أكثر من حياة واحدة، لأنها تزيد هذه الحياة من ناحية العمق، ويقسم العقاد هذا العمق المعرفي إلى ثلاثة أقسام:” فالكتب العلمية تعلمنا الدقة، والكتب الأدبية توسع دائرة الشعور، وتكشف لنا الحياة والجمال، والكتب الفلسفية تنبه البصيرة وتنقل القارئ من المعلوم إلى المجهول “ وكتب نجيب محفوظ إن:” لديَّ نهم حاد إلى القراءة. أقرأ في العلم إلى جانب الأدب والفن، لم أقرأ عملاً أدبياً مرتين، كانت الرقعة واسعة جداً، ونهمي إلى الجديد لا يسمح بقراءة عمل مرتين “.

وكانت إجابة توفيق الحكيم ظريفة مثل شخصيته، حيث كتب إن:” من أحبْ المطالعات إلى نفسي كتب العالم الرياضي هنري بوانكاريه.خصوصاً كتابه “ قيمة العلم “ الذي دلني من خلاله على كتب العالم الشهير إلبرت أينشتاين، والغريب إنني حتى هذه اللحظة أعيد قراءة كتاب أينشتاين “ النظرية النسبية “، وفي كل مرة لا أفهم سوى سطور قليلة، الا أن العلم ذاته هو الذي يهمني، ورغم إنني رجل أدب، أنظر الى هذا الكون وأفكر فيه ولكن بعيون آخرى، وعقل آخر “. يكتب هنري ميلر إن الكتاب ليس فقط صديقاً، بل يصنع لك أصدقاء.

هناك الكثير من الكتب التي تعطي لنا انطباعاً بانها أقرب من الأصدقاء. في كتابي الذي أصدرته بعنوان “ في صحبة الكتب “، كنت قد وضعت قائمة بالكتب التي اعتقد إنها شكلت تأثيراً على القراء، وأرفقتها بلائحة اعتبرها البعض غريبة، هي عن الكتب التي أصابتني بالحيرة.. دون أدنى شك تحتوي عناوين معروفة لكل القراء، مثل كتاب لينين “ نظرية المعرفة “ و “ المنطق “ لارسطو، و” الوجود والزمن “ لهايدغر و” النسبية “ لأينشتاين، ومازالت هذه الكتب أعود اليها وفي كل مرة أصاب بالحيرة، لكنها تبقى كتب حية عبر السنين وستظل في حالة تداول مستمر، يكتب هنري ميلر أيضاً:” عندما تصادف كتاباً ترغب في قراءته، دعه وشأنه بضعة أيام، ولكن فكر فيه بأشد ما يمكنك من تركيز. دع العنوان واسم الكاتب يدوران في عقلك.اسأل نفسك بجدية إذا كان ضرورياً أن تضيف هذا العمل الى مخزونك من المعرفة أو إلى ذخيرتك من المتعة «.

أتذكر أنني كنت متلهفاً لقراءة كتاب النسبية، وحين حصلت على نسخة منه بترجمة اللبناني عبد الرحمن مرحبا، لم أستطع حل لغز الصفحات الأولى منه وحاولت أن أجد ضالتي في كتاب ممتع وصغير كتبه الصحفي المصري مصطفى محمود فوجدته يقول:”لقد تعددت المحاولات من العلماء لتبسيط النظرية النسبية. وكان آينشتاين نفسه يحاول أن يبسّط مقولاته”. ومن الطريف أن مصطفى محمود نفسه كان يهرب من قراءة كتاب أينشتاين، إلا أن بريد القراء الذي كان يحرره لمجلة صباح الخير حمل رسالة من قارئة تسأل عن النظرية النسبية، فقرر أن يقرأ كل ما يتعلق بالنسبية وصاحبها، ليخرج لنا بعد ذلك بكتاب ممتع نشرت حلقاته في مجلة روز اليوسف المصرية تحت عنوان “آينشتاين والنسبية.»

في المختبر العلمي التابع لجامعة بريستون الاميركية يوجد في أحد الرفوف وعاء زجاجي قديم مملوء بسائل أشبه بعصير التفاح تعوم فيه قطعة مأخوذه من جسم إنسان، انها جزء من مخ إنسان أدهش البشرية، فقد كان الدكتور توماس هارفي، وهو اخصائي بالامراض المتعلقة باسباب الموت، لديه طريقه حالمة لفهم مسألة الحياة والموت، ولهذا قرر صبيحة يوم الثامن عشر من نيسان عام 1955، تقطيع دماغ رجل عجوز ليتمكن من تحليله واكتشاف الفروقات بينه وبين أدمغة البشر العاديين، وقد اضطر الى استخدام منشار كهربائي لقطع الجمجمة واستخراج المخ، وقد واصل الدكتور هارفي على مدى ثلاثة وأربعين عاماً يفحص في هذا المخ ويعمل حارساً له، ينتقل به من مكان إلى آخر هرباً من فضول وسائل الإعلام، إلا أنه بعد كل هذه السنوات لم يعثر على شيء غريب. كانت قطعة المخ التي احتفظ بها كل هذه السنين الطويلة واشبعها دراسة وتحليلاً، هي مخ لرجل كان يسخر من الذين ينشغلون بتفسير قدراته العبقرية العجيبة، ويقول للجميع:” ليست لدي قدرات خارقة أبداً، إن كل مافي الأمر هو إني أكثر من الآخرين ميلاً الى الريبة والتشكيك وحب الاستطلاع “. كان صاحب المخ المسروق هو إلبرت أينشتاين الذي لو كان حياً لسخر من محاولة توماس هارفي الذي ظل يصر على أن ينسب إليه عبقرية غير عادية.

ولد أينشتاين في الرابع عشر من آذار عام 1879 لأب يعمل مهندساً كهربائياً، كان يعيش حالة القلق الدائم لأن ابنه البالغ من العمر تسع سنوات بطيء الفهم، لغته لاتزال قريبة من لغة الاطفال الرضع.. وذات يوم يسأل الأب معلم ابنه عن المهنة التي يصلح لها إلبرت، فكان جواب المعلم صادما:” لن ينجح في أية مهنة “..وتفاقمت حالته في المرحلة الثانوية التي دخلها فقد اكتشف الأساتذة إن مشكلته كانت “ ذاكرته الضعيفة ولاسيما بالنسبة للكلمات والنصوص “ وقد أخبره مدرس اللغة إن اداءه السيئ لن يجعله يصل إلى شيء، وكان مدرسون آخرون يعتقدون أن وجوده في المدرسة لن يضيف له شيئا بسبب اختلال قدراته العقلية.

جاء أول حافز حقيقي في حياته من طالب فقير اعتاد تناول الطعام مع آينشتاين، فقد أحضر له هذا الطالب ذات يوم سلسلة كتب علمية مصورة، يقول آينشتاين:” قرأت تلك السلسلة باهتمام بالغ “. وقد ساعد هذا الطالب اينشتاين على اكتشاف عجائب الرياضيات، وفي ذلك الوقت اكتشف الفلسفة وهوفي عمر الرابعة عشرة حين أهداه عمه كتاب إيمانويل كانط الشهير “ نقد العقل المحض “، ويكتب عمه فيما بعد:” يبدو أن أعمال كانط التي لايفهمها البشر العاديون، كانت واضحة بالنسبة اليه “، وبعد سنوات نجد أينشتاين الشاب يتفرغ لدراسة أعمال كانط الفلسفية، وظل حتى وفاته يرى أن كانط الفيلسوف الوحيد القادر على التحدث الى علماء الطبيعة بشيء ذي فائدة.يكتب أينشتاين:” ولانكون مبالغين إذا قلنا أن العلوم الطبيعية اعتمدت بشكل أو اخر على ما قدمه كانط في فلسفته»

في الخامسة عشرة من عمره يرسل لخاله مقالاً عن تأثير الفلسفة على العلوم، وكانت هذه أول مقالة يكتبها، وكتب على غلاف المظروف عبارة لكي يقرأها خاله:” لن انزعج إذا لم تقرأ المادة مطلقاً «

بعد ذلك بخمس سنوات، كان أينشتاين البالغ من العمر تسعة عشر عاماً شابا عاطلا، فإدارة المعهد الذي تخرج منه بتفوق رفضت تعيينه مدرساً معيداً، حيث اعتبره الأساتذة مغروراً وقال له أحدهم:”إنك شخص ذكي لكن يشوبك عيب واحد وهو أنك لاتقبل توجيهاً من أحد “، وأمام هذه الأزمة الجديدة لم يجد مخرجاً غير إعطاء دروس خصوصية. وفي عام 1902 اضطره العوز لأن ينشر الإعلان التالي في إحدى الصحف المحلية الصادرة في برن: “مدرس بإمكانه تقديم دروس خصوصية في الرياضيات والفيزياء للطلبة، ميزته إنه يقدم دروسه بكل أمانة وإخلاص، حاصل على دبلوم من معهد البوليتكنيك، وبإمكانه إعطاء دروس مجانية على سبيل التجربة”. ويفشل في هذه التجربة حيث لم يلتحق بدروسه الخصوصية سوى طفلين، كان كل منهما يدفع فرنكين مقابل كل درس.

في عام 1902 بدأ الفقر يطارده وساءت أحواله المالية لدرجة انه كان ينام لأيام دون أن يتناول الطعام، الأمر الذي دفع أحد أصدقاء والده للتوسط بتعيينه في وظيفة بمكتب براءات الاختراع، كانت مهمته فحص هذه البراءة لتقديمها الى المختصين، ووجد في هذا العمل متعة مكنته من التعرف على أفكار المخترعين الصغار.

ونجده ذات يوم يسأل صديقه وهما يصيدان السمك في بحيرة: لو تخيلنا اننا نستطيع أن نطير على شعاع من الضوء بسرعة 186 ألف ميل في الثانية، هل سيبدو هذا الشعاع في هذه الحالة ساكناً، وحين استغرب الصديق من هذا السؤال العبثي، قال له آينشتاين: إن الاطفال يطرحون أحياناً اسئلة وقحة وساذجة فيتدخل الكبار لاسكاتهم بإجابات تقليدية قد تكون عارية عن الصحة، وفي بداية عام 1905 أخبر آينشتاين صديقه بيسو بانه على وشك حل لغز الكون، وبعدها بأشهر قدم بحثاً اعتبر النواة الأولى للنظرية النسبية متحدياً أفكار الإنسان السائدة عن الزمن وعن الفضاء وعن المادة والطاقة. وضمت أسس هذه النظرية موضعين أساسيين: الأول هو نظرية النسبية القائلة بأن جميع الحركات نسبية. وهناك مثل مألوف لهذه النظرية في القطار المتحرك أو السفينة المتحركة. فالشخص الجالس في قطار ذي نوافذ مغطاة بأغطية قاتمة، وبه قليل من الضوضاء، لاتكون عنده أية فكرة عن السرعة، ولا عن إتجاه سير القطار، وقد لايشعر إطلاقا بأن القطار يتحرك، والشخص الموجود في سفينة مقفلة النوافذ، يكون في نفس الموقف، لانشعر بالحركة إلا بمصطلحات نسبية أي بالنسبة لأجسام أخرى، وعلى نطاق أوسع، فإن الحركة الأمامية للأرض لايمكن الإحساس بها إن لم تكن هناك أجرام سماوية لعمل مقارنة.

أما الفرض الثاني لآينشتاين، فهو إن سرعة الضوء مستقلة عن حركة مصدره، فسرعة الضوء البالغة 186000 ميل/ في الثانية ثابتة دائماً في أي مكان على سطح الأرض ولا تتأثر بالمكان أو الزمن إو الاتجاه. فمثلاً، في قطار متحرك، يسير الضوء بالسرعة نفسها تماماً التي يسير بها خارج القطار. وما من قوة تؤثر عليه فتجعله أسرع أو أبطأ، وزيادة على ذلك، ما من شيء يسير بسرعة أكبر من سرعة الضوء برغم أن الإلكترونيات تقترب كثيراً من هذه السرعة، والواقع إن الضوء هو العامل الوحيد الثابت وغير المتغير في الطبيعة كلها.

وعلى عكس تعاليم نيوتن، أكثرَ آينشتاين إنه ليس هناك شيء يسمى “حركة مطلقة” وأن فكرة الحركة المطلقة لجسم في الفضاء عديمة المعنى.. فالحركة هي الحالة الطبيعية لجميع الأشياء، لايوجد في أي مكان على سطح الأرض أو في الكون شيء ما في حالة سكون تام أو سكون مطلق، فالحركة مستمرة في جميع أنحاء عالمنا غير الساكن،كان آينشتاين قد أبلغ صديقه بيسو إن الأحداث الحاصلة في أماكن مختلفة وفي لحظة واحدة لإنسان معين، ليست حادثة في اللحظة نفسها لإنسان آخر. فمثلاً إذا حكم بأن حادثين وقعا معاً في وقت واحد لإنسان على الأرض وآخر في قطار أو في طائرة، فالحقيقة إنهما لم يقعا في اللحظة نفسها.

وبتطبيق هذه النظرية على الكون، فإن حادثاً وقع على نجم بعيد، كانفجار مثلاً، وشاهده أحد سكان الأرض، فإن ذلك الانفجار لم يحدث في الوقت نفسه الذي شوهد فيه على الأرض، بل على العكس برغم ان سرعة الضوء 186000 ميل/ ثانية فإن حدثاً وقع على نجم بعيد جدا، قد يكون حدث قبل وصول خبره إلى الأرض بسنوات. والنجم الذي يرى اليوم هو بلا شك النجم نفسه الذي رؤى منذ زمن بعيد، مع انه ربما لم يعد له وجود في لحظة الرصد.

في الخامسة عشرة من عمره كتب وليام فوكنر مقالاً عن الكون، وكان المفترض أن يتفرغ لهذا النوع من الكتابات، إلا أن الأمر انتهى به الى تأليف الروايات.

يكتب أينشتاين إن الرياضيات هي فن التفكير الصحيح.. وعندما يحصل وليام فوكنر على جائزة نوبل عام 1949 يقول لمحرر مجلة لايف، إن العلم إذا استطاع أن يستغني عن الأنا، فان الفن لايستطيع ذلك.

العام 1953 يلتقي وليام فوكنر بإلبرت أينشتاين حيث تجري بينهما مناقشة عنيفة حول الزمن، فقد كان فوكنر قد قرأ كتاب برجسون “ الصيرورة والزمن “ الذي هاجم فيه النظرية النسبية لاعتقاده أن هذه النظرية تتناقض مع تصور العقل، وقد رد أينشتاين انذاك على الهجوم حين قال،إن الزمن الذي تتحدث عنه النسبية لاعلاقة له بالاحساس النفسي بالزمن. ولما مات آينشتاين قال فوكنر في برقية التعزية التي ارسلها لعائلته:” كان إلبرت أينشتاين واحدا من أرق الناس، كما كان من أكثر الناس حكمة، وهيهات أن يدانيه أحد في هاتين الصفتين «.

ظل فوكنر يعيد كتابة روايته “ الصخب والعنف “ عدة مرّات لأن الناشر لكتبه كان يرفض أن يطبع هذه الأوراق غير المفهومة كان في الثانية والثلاثين من عمره، الأوساط الأدبية بدأت بالتعرف إليه مع نشر رواياته الأولى “رواتب الجنود” “بعوض”، و”سارتورس”- الرواية التي وضع فيها وكان فوكنر يضع كل آماله على الصخب والعنف، ويتوقع إنه سيدخل تاريخ الأدب من خلالها، وحين أخبره الناشر انها رواية طويلة ومملة، اختصرها للنصف. لكنها ما ان ظهرت عام 1929 حتى وضعت كاتبها وليام فوكنر على قائمة الكتاب الأكثر مكانة في تاريخ الأدب العالمي، فهي عمل تجريبي رغم انها تروي سيرة حياة أسرة من جنوبي اميركا وهي سيرة آل كمبسُن، من خلال استذكار ثلاثة إخوة للماضي، فضلاً عن القسم الأخير الذي يرويه المؤلف، لذلك هي أشبه بسيمفونية تتكرر فيها الإشارة إلى الحوادث نفسها “كأن كل حادثة هي عبارة عن مقطوعة موسيقية واحدة لكنها تعزف في كل مرة من خلال آلة مختلفة. (بنجي) الذي يروي الحكاية في 7 نيسان 1928 معتوه، يسمع ولكن لا ينطق ولا يستطيع إلا الصراخ والعويل وهو حين يروي الحوادث لا يستطيع أن يرتبها زمنياً، وما حدث قبل عشرين سنة وما حدث اليوم كلاهما متساوي الأهمية عنده،، إنها مثل الحكاية التي أخبرنا عنها شكسبير في مكبث: انها حكاية يحكيها معتوه، ملؤها الصخب والعنف ولا تعني أي شيء “، و(كونتين) الذي يسرد حكايته في 2 حزيران 1910 طالب في هارفارد مفرط الحساسية؛ شديد التعلق بشرف الأسرة، و(جاسن) الذي يروي الحكاية بتاريخ 6 نيسان 1928 فظّ، شرس، ساديّ، أناني، يبغي من الحياة النجاح وتجميع الثروة عن أي طريق.

هل قرأ فوكنر النظرية النسبية وهو يكتب الصخب والعنف..يكتب الناقد هارولد بلوم من الجائز أن يكون فوكنر قد أدخل بعض ما فهمه من النظرية النسبية وهذا ما نجده في البناء السردي للرواية.. كانت شخصية كونتين إحدى شخصيات ثلاث روت الأحداث من منظورها الخاص، وقد كان لـ “ كونتين” وضع خاص وفريد من حيث الزمان والمكان، إذ كان كل من جاسون وبنجي في مدينة “ جفرسون “ وكلاهما يسرد الأحداث خلال عطلة عيد الفصح في عام 1928، على حين كان كونتين في هارفرد، أما سرده للأحداث فيتم في عام 1910.وهو بهذا يكون قريب جدا من حيث الزمن من موضوع تلك الذكريات التي استحوذت على تفكيره. وهو من موقعه يرى اسرته في نطاق زماني ومكاني مختلف.

على أن أكثر الأمور اغراء من حيث أثر نظرية أينشتاين على الصخب والعنف هو استفادة فوكنر بما يسمى مصطلح “ مفارقة الساعات “. وتكمن هذه المفارقة في أن الزمن، تبعاً لنظرية أينشتاين، يتباطأ كلما ازدادت سرعته، حتى أن الزمن يتوقف تماما عند سرعة الضوء. وقد شاعت في تلك الأيام أحاديث عن إنك إذا سافرت في صاروخ يسير في الفضاء بسرعة الضوء، فانك تعود إلى الارض في العمر نفسه الذي غادرت فيه الأرض بغض النظر عن المدة التي قضيتها في الفضاء، وكان كونتين بطل الصخب والعنف، يأمل من خلال هذه الرحلات المتعاقبة التي كان يقطعها في وسائل المواصلات من دون هدف مهين، أن يتحقق له قانون “ مفارقة الساعات “.كان كونتين يسعى جاهداً إلى أن يتحرك بسرعة تكفي لإبطاء الزمن. إن لم يكن إبطاله.

يقول كونتين في الصخب والعنف:” كانت الساعة السابعة، إذن فقد استيقظت في الوقت المناسب، وها أنذا أسمع دقات الساعة.. كانت تلك هي ساعة جدي وعندما أهداني إياها أبي قال لي: كونتين إني اعطيك الآمال والرغبات، وإنه من المناسب أن تستخدمها حتى تحظى بالنهاية المنطقية الحمقاء لحياة الإنسان.. إني اعطيك إياها لا لكي تتذكر الزمن، بل لكي تنساه بين لحظة وأخرى.

يكتب أينشتاين في دفتر يومياته:” عندما لايكون لدي مشكلة خاصة أشغل بها عقلي، أحب أن أقرأ الروايات التي تصوغ براهين حياتية، وهذا لايهدف الى شيء، بل هو فرصة فقط للاستغراق في التفكير الممتع، ومعرفة أسرار النفس البشرية.