الأصوات النسائية والمقام العراقي..صديقة الملاية والخطوات الأولى

Thursday 17th of March 2022 12:38:47 AM ,
5148 (عراقيون)
عراقيون ,

حسين الأعظمي

رغـم ان النتاجـات الاولى التي جـاءت بصوت المطربة صدِّيقه الملايه التي نستطيع ان نقـول عنها انهـا تمشي الهوينا على استحياء في دقة الاصول المقامية التقليديـة والتاريخية وهذا ينطبق ليس فقط على جرأتها في اقتحامها مضمار المقام فقط بل فيما يخص تمكنها وامتلاكها (ناصية الاصول المقامية التقليدية والتاريخية) فانها الخطوات الاولى.. على اعتبـار انهـا بداية.. ولكنها كانت بدايـة كبيـرة حقـاً ومفاجئة ومدهشة.. وهـي التي غنت مقام المحمودي ومقام الحكيمي ومقام البهيرزاوي وغيرها..

ولكـن الغريب في الامر ان معاصراتها من المطربات مثل جليله أم سامي وبدريه انور [4]وغيرهما لم يؤدين مقامات مكتملة، واكتفوا بممارسة اداء قطع صغيرة من المقامات قبل الاغنية أو بعدها وفي وسطها.. ومر هذا الجيل وتلاه الجيل الثاني حتى ظهرت بعض المطربات اللواتي حاولن تكرار تجربة المطربة صديقه الملايه من حيث محاولة الاقتراب من تأدية المقامات كاملة الاصول التقليدية ما استطعن الى ذلك سبيلا ومن هؤلاء المطربات المطربة سلطانه يوسف التي ادت مقام الحكيمي بصورة جيدة ومقام البهيرزاوي وكذلك كانت المطربه سليمه مراد التي ادت شيئا من البنجكاه ضمن الاغنية الشهيرة (هذا مو إنصاف منك) ثم جاء الجيل الثالث بظهور المطربة زهور حسين التي ادت مقام الدشت والهمايون بصورة رائعة حتى ظهور مائدة نزهت فنانة القرن العشرين كمؤدية للمقامات العراقية التي قدر لي ان اعلمها المقامات العراقية التي غنتها وسجلتها بصوتها في إذاعة وتلفزيون العراق وهي مكتملة الاصول التقليدية. ومن بعدها جاءت المطربة فريدة محمد علي التي عكفتُ على تدريسها هي الاخرى لاربعين مقاماً، وهو عدد المقامات لمنهاج ست سنوات دراسية في الغناء والموسيقى بمعهد الدراسات الموسيقية وقد ادتها بوجه اصولي … وهناك بعض المؤديات الاخريات من طلبة وخريجات المعهد قدر لهن ان يتعلمن اصول المقامات العراقية عن طريق الدراسة الاكاديمية وهناك بعض المطربات ظهرن في الستينات والسبعينات أدين بعض الجمل المقامية والاغاني مثل المطربة خالدة والمطربة هناء والمطربة انوار عبد الوهاب والمطربة أنيسة وغيرهن.

صديقي القارىء العزيز، ان هذه المحاور المقامية لا تطرح على أنها اكتشاف الإمكانية الفنية لدى المرأة.. في هذه الحقبة على وجه الخصوص.. سواء في الأداء المقامي أو ألاغاني الاخرى بكل تنوعاتها ومراجعها البيئية.. وعلى الصعيد المقامي فالرجل ينظر للمرأة على أنها اضعف من ان تغني المقامات العراقية !! ولكن حقبة التحول فاجئته واسقط في يده، وأمست الحاجة ملحة وضرورة للتحرر من القيود القديمة، أما الرجل نفسه في هذه الحقبة وفي قضية تحرر المرأة بالذات فله الله …! وليقطع اصابعه من الغيظ..! إذ يجب أن نتذكر انا وانت عزيزي القارىء ونضيف إلى معلوماتنا وافكارنا وثقافتنا أسماء كثيرة من أسماء المطربات من الرعيل الاول اللواتي ظهرن اواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين واللواتي ظهرن عند حقبة التحول هذه، مثل صديقه الملايه وسلطانه يوسف وبدريه انور وجليله ام سامي وسليمه مراد وزكيه جورج ومنيره الهوزوز وعفيفه اسكندر و.. و.. حتى يومنا الحاضر.. هذه الاسماء بما تتمتع من ملكات كبيرة تتسم بالحيوية لها ثقافة متحضرة وواقعية وافكار قابلة للتبلور وعلى الدوام، على الرغم من ان الحواجز الاجتماعية فيها بقية ولو قليلة من قيود الماضي.. هذه الحواجز التي ابقت المرأة في مجاهل المجاهل طيلة قرون ماضية لا نعرف عنها الشيء الكثير.

كل شيء في حقبة التحول إذن.. يظهر وينمو ويترعرع.. وكل شيء في الاداء المقامي أيضاً يتبلور ويتطور ويتجدد.. وفي امكانيات المرأة يكمن أداء الغد، على الاقل أن هذا لسان حالها، رأت أن التحدي يتأتى من مجالات عدة ومن بينها التغيير والتطور، فلمَ لا تلج عالم الفن الرجولي، من هذا المنطلق رأت من جانبها ان بمقدورها ان تقول للرجل - أنا هنا- اسمح لي قليلاً . ولا ذنب لها في ان تكون حتى الان لم تعط كل مالديها من امكانات.. فهي خزائن من الاسرار المطوية.. ما تنفك تنبض وتنبض.. وفي هذه الحقبة.. وعلى أرض العراق رويت حكايات وحكايات عن الدراما الكثيرة بين الرجل والمرأة وفي كل جوانب الحياة … والمرأة التي لم تتح لها فرصة الاختلاط ومشاركة الحياة خارج البيت ومساهمتها في الاداء المقامي طيلة قرون مضت.. إلا أنها كانت في الحسبان ومن المتوقع أو في الانتظار مشاركتها في غناء المقامات , ذلك ان حضورها اقتصر على الاغنية الدارجة التي لم يمل اليها مجتمع القرون الماضية.. وأصبح الامر كذلك في هذه الحقبة من بدايات القرن العشرين. وإذا كانت الاتجاهات الادائية والجمالية الكلاسيكية قد وجدت لها عوامل بقاء في الاداء المقامي لفترة طويلة حتى وصلت ذروتها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.. فقد وجدت عوامل اخرى منذ بداية القرن العشرين زعزعت هذه الكلاسيكية في الاداء والذوق واوجدت مبررات منطقية لاتجاهات جمالية اخرى جنحت إلى الفردية والتعبير عن الذات وإلى العاطفة المشوبة بالكابه احياناً وإلى القلق من زعزعة تماسك الحلقات الزمنية لتسلسل تاريخ الأداء المقامي جراء طموحات الذات وغموض الرؤيه المستقبلية.. يضاف إلى كل ذلك الثورة على القديم والتبشير بحياة جديدة مع استمرار التحولات التي طرأت على الحياة برمتها في هذه الحقبة وبسرعة متزايدة على الدوام.. وبذلك كانت هذه الظروف من الأسباب الموجبة لظهور الاتجاهات الجمالية الرومانتيكية [8].. واضمحلال الاتجاهات الكلاسيكية..

كما مر بنا، الظاهرة الابرز في حقبة التحول كانت المرأة.. ان لم تكن هي المبدعة الاولى.. فكانت الرائدة صديقه الملايه التي تتفق معظم الاراء على انها اول من غنت المقامات العراقية في بغداد في حقبة التحول من النساء – أو بالاحرى أول من سجلت المقامات بصوتها من النساء.. مقام المحمودي.. مقام البهيرزاوي.. مقام الحكيمي.. الابوذية المقامية بواسطة جهاز التسجيل الصوتي.. كانت بداية لغناء جديد في الاداء المقامي.. اجمع المتخصصون على انه عهد جديد في المقام العراقي.. لان التعابير الادائية قد تنوعت لاول مرة واصبحت أكثر حرية وأوسع خيالاً..

كذلك الامر كان مع معاصراتها من المغنيات اللواتي أدّين اغنيات هي من صلب التعابير المقامية مثل بدريه انور وسلطانه يوسف وجليله أم سامي حتى زكيه جورج التي جاءت من حلب منذ فتوّتها.. وإلى اخر الاسماء.. انهن ليس بفخامة علاقة صديقه الملايه وسلطانه يوسف بالمقام العراقي.. ولكنهن أدّين اغانِ عراقية مقامية مستقاة من المضمون التعبيري للغناء المقامي ولهذا السبب نتحدث عن هؤلاء المطربات الكثيرات اللواتي لم يغنين المقامات بصورة مباشرة ولكنهن غنين المقامات بواسطة تعابيرهن المقامية في اغانيهن المستقاة تعابيرها من روح المقامات البغدادية والعراقية مع تشخيصنا لمن غنت المقامات العراقية او بعضا منها.. ثم ظهرت مؤديات اخريات سرن على نفس المنحى.. من الجيل الثاني الذي وصلت فيه التعابير البغدادية النسوية أوج عظمتها في أغاني المطربة سليمه مراد منذ ثلاثينات القرن العشرين حتى ستيناته يانبعة الريحان.. الهجر موعادة غريبه.. وغيرها ورغم انها أغانِ وليست مقامات، لكنها اقرب إلى المقامات من حيث تعابيرها المملوءة بكل مضامين الغناء المقامي البغدادي.

عن مباحث (محاور في المقام العراقي)