الوضع الصحي في العمارة في الحرب العالمية الأولى

Sunday 27th of March 2022 10:59:52 PM ,
5153 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

عمار عبد الرضا ماهود

وخلال فترة السيطرة العثمانية كل ما كان يوجد في لواء العمارة طبيب واحد خاص بالبلدية والطبيب العسكري المرتبط بالفوج العسكري العثماني الموجود في العمارة ويندر من يراجع الطبيب من الأهالي ، وتوجد صيدلية أهلية واحدة وصيدلية أخرى تابعة للفوج العسكري ،

وهكذا فلم يكن في لواء العمارة خلال فترة السيطرة العثمانية إي مستشفى حكومي أو أهلي ماعدا النشاط الطبي الذي كان يمارسه المبشرون الأمريكان في العمارة حيث أرتبط التطيب في العراق بنشاط الإرساليات التبشيرية المختلفة حيث كانت الخدمات الطبية في طليعة الخدمات التي قدمتها الإرساليات التبشيرية التي وفدت إلى العراق ، إذ أدرك أعضاء هذه الإرساليات إن تحقيق مثل هذه الخدمات كفيل بتأمين الاحتكاك المباشر بالناس ، وبالتالي تأمين الوصول إلى الغايات التبشيرية لان الناس كانوا يوم ذاك ، بأمس الحاجة إلى مثل هذه الخدمات ، وكان المبشرون ينظرون إلى العمارة على أنها بقعة هامة ، فهي القاعدة التي يمكن الوصول من خلالها إلى عشرات القرى المنتشرة على ضفتي نهر دجلة شرق العراق وغربه.

بدأت الخدمات الطبية في مدينة العمارة في نهاية عام 1805 ، بعد إن قام رجال الإرسالية الأمريكية في

البصرة بعدد من الرحلات الطبية إليها ، وقاموا بمعالجة الأهالي الذين كانوا يعانون من إمراض كثيرة خاصة الملاريا التي كانت منتشرة بسبب الاهوار والمستنقعات ومزارع الرز، وعمل الدكتور)وورال)WORRAL وعالج العديد من الحالات المرضية بنشاط في العمارة لمدة أربع سنوات 1895ــ 1898.لكن الحاجة الى العلاج كانت اكبر من طاقته بكثير، و لم تصبح الخدمات الطبية منظمة إلا (بعد إن افتتحت الإرسالية عيادة في العمارة سنة 9191 1 (، وأصبحت محطة العمارة فرعاً تابعة لمحطة البصرة التبشيرية واخذ المرضى يذهبون من العمارة إلى البصرة للعلاج في مستشفى الإرسالية الأمريكية في البصرة ومستشفى)لانسنج التذكاري(.

إما في قضاء قلعة صالح كانت توجد الاخستخانة)بيت المرضى(، عبارة عن غرفة طينية يديرها موظف صحي تقع في محلة السليمانية في الجهة المقابلة لنهر دجلة، وقد أغلقت مع دخول قوات الاحتلال البريطاني للقضاء ، وكان هذا الموظف الصحي يوناني الأصل لم يكن طبيبا ، وتوجد لدية بعض الأدوية داخل غرفته الطينية و يعطي الناس منها وبعض الأدوية كانت خاصة للحمى أو الإسهال، وكانت حمى الملا ريا تنتشر بين الناس وكنا يسميها العامة)الرجافة(اذ يصاب المريض بارتجاف شديد تعقبه حرارة وتعرق ثم تنقطع لتعود في اليوم الثاني.

ومن الآثار السلبية للحرب العالمية الأولى على سكان لواء العمارة فقد أدت ظروف الحرب الى توقف

عمل الإرسالية الأمريكية وتوقفت الخدمات الطبية التي كانت تقدمها للسكان مما أدى إلى حرمان الأهالي

من العناية الطبي.

إما في مرحلة الاحتلال البريطاني فقد أصبح واضحا إن دوائر قطاع الخدمات لم تحظ بالرعاية التي تستحق إلا بقدر تعلقها بمصالح البريطانيين وجيشهم المحتل، وعلى هذا أتى الاهتمام بالأمور الصحية كضرورة لإبقاء القوات البريطانية في منأى عن الإم ا رض لتواصل فعاليتها العسكرية بنشاط، فضلاً عن المردود الاقتصادي المتوقع حصوله من وراء تقديم هذه الخدمات. حيث إن القوات البريطانية واجهت ظروف مناخية صعبة غير مألوفة لديها وكان ذلك سبباً في ظهور العديد من الإصابات بين افرادها ، سببها ضربة الشمس وامراض سؤ التغذية ، يضاف إلى ذلك إن للمؤسسات الصحية تأثير سياسياً على الأهالي ، يخدم مساعيها ويؤدي إلى كسب رضا الأهلين في البلاد.

واهتمت قوات الاحتلال بالجانب الصحي من أجل سد حاجات الجيش البريطاني فقامت بفتح بعض المؤسسات الصحية في مدينة العمارة ، و في قلعة صالح وعلي الغربي ، ففي عام1916 أسست مستوصفاً صحياً في قضاء قلعة صالح يديره الضابط الموجود في الحامية البريطانية مع جراح هندي مساعد له. والجدير بالذكر ان مستوصف قلعة صالح أنشئ قبل مستوصف العمارة لإغراض عسكرية بسبب تمركز القوات البريطانية في قلعة صالح ، وبعد المسافة بين قلعة صالح والقرنه البالغة حوالي 89 كم ، وهي تخلو من أي مستوصف ، وقد قام الشيخ)فالح الصهيود(شيخ عشيرة البو محمد في قلعة صالح بدفع 450 روبية كمشاركة لإنشاء المستوصف وتعهد بدفع مبلغ الأدوية للمستوصف نفسه وكان هدفه هو السماح لإفراد عشيرته بالمعالجة في المستوصف المذكور، إما مستوصف العمارة فقد أنشئ عام 1017 م وكلن يحتوي على عشرة أسرة ، وبلغ مجموع من رقد فيه خلال فترة الاحتلال تقريباً 81 مريضا وقد اشرف على هذه المستوصفات أطباء عسكريون بريطانيون ويساعدهم في عملهم بعض الأطباء والمضمدين الهنود ، وقد اقبل الناس على المستوصفات ، غير إن هذين المستوصفين ظلتا تشكوان من قلة العاملين فيها وضعف كفاءتهم ، فضلا عن النقص في الوسائل الطبية اللازمة للعلاج (، كما انها افتتحت في مستوصف العمارة عيادة خارجية ، وكانت من أكثر الأقسام تعاملاً يومياً مع السكانغير إن عدد المواطنين الذين يرا جعون هذه المستوصفات تناقص منذ ربيع

سنة 1917 م بعد إن فرضت سلطات الاحتلال ضريبة نقدية على الدواء والعلاج فيها، وكانت تتراوح

بين)ثمان أنات – روبية(وذلك لتقليل عدد المعالجين في العيادة ، وهنا لابد من الإشارة إلى إن

سلطات الاحتلال مارست نوعا من التمييز فيما يتعلق بمعالجة المرضى في المستوصفات والمستشفيات

البريطانية وتمثل ذلك بتقديم الأجانب على العراقيين في المعالجة الطبية كما كانت تفضل البريطانيين

على غيرهم من الأوربيين والهنود.

وعندما اجتاح مرض الملاريا قضاء قلعة صالح في عام 9196 قام طبيب المستوصف باسقاء الأهالي في قلعة صالح بمادة)الكنين(، والذي يعرف محلياً ب)قنقينه)، إلا انه لم يحد من انتشار المرض، كما تفشى في نفس السنة وباء الطاعون في قضاء قلعة صالح ، فقامت السلطات الصحية بتطعيم الأهالي وأمرتهم بمغادرة مساكنهم والسكن في البساتين، إلا إن الكثير من أهالي المدينة رفضوا التطعيم أو مغادرة مساكنهم.

وعلى العموم كان الواقع الصحي في العراق بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى كما وصفة الدكتور

حنا خياط) بقوله:)كانت الأرض خالية خاوية ، فالأطباء لا يتجاوزون عدد الأصابع ، ودور التمريض

اقتصدت اسمياً سبعين سريرا في الحواضر الثلاث الكبرى)بغداد، الموصل، البصرة (ولا اثر لمستوصف

أو مختبر أو أي معهد علمي ما والأمراض الوبائية تسرح وتمرح في القطر طولاً وعرضاً ، والامراض

المتوطنة ، اتخذت منه ملاجئ ومستملكات ومواطن دون مقاومه فلم تشذ منة قرية او قبيلة ، ولم ينج منه

نجد او سهل).

م. ابحاث ميسان 2012