ضمامة من قصص حنون مجيد القصيرة جداً (بصيرة البلبل)..كتب في السرود كلها

Wednesday 30th of March 2022 11:16:15 PM ,
5156 (عراقيون)
عراقيون ,

شكيب كاظم

كان العرب في أزمان خلت،يطلقون على شاعرهم إذا احتاز مزية الفروسية إلى جانب الشاعرية،وصف ذي الرياستين؛ أي رياسة السيف،ورياسة القلم، وإذ أطالع الجهد الإبداعي لحنون مجيد، فإني أراه قمينا وجديرا بأن ننعته بذي الرياسات الخمس ،

فهو إلى جانب كتابته القصة القصيرة،عالية الفنية التي تكاد تقترب من منجزات أصحاب الحوليات في تاريخ أدبنا العربي،يمضون حولا كاملا في التدقيق والتحكيك كي يطلقوا قولتهم،كتب الرواية،فضلا عن المسرحية وكتابة للطفل،وها هو يدلو بدلوه بين دلاء القصة القصيرة جدا،التي تحتاج إلى دربة عالية، ومهارة سامية،كي يستطيع كاتبها الولوج إلى عوالمها الخاصة جدآ؛ الجملة الموجزة المختصرة،والموحية- كذلك- التي تحاكي التوقيع اختصارا،فضلا عن الخاتمة المكتنزة المفسرة،التي تشبه ضربة الصنج في عالم الموسيقا.

القصة القصيرة جدا،تكاد تشبه، في عوالم الشعر،البيت الشعري الواحد المكتفي بذاته.فلقد نص نقادنا القدامى على أبيات بعينها،بوصفهااشعر بيت قالته العرب،او اغزل بيت،او اهجى،او،او،اي بمعنى أن هذا البيت الشعري قد اشتمل على كل الذي أراد الشاعر قوله.وهو ما عابه علينا المستشرقون الذين درسوا الادپ العربي،فهناك عندهم ليس البيت قارة منعزلة،بل يتواشج مع ما قبله وما بعده،كي يوصل المعنى المراد إيصاله.ولأن المبدع،هذا الكائن لا أقول الحساس،بل المتوهج إحساسا،قدلايجد نوعا إبداعيا يلبي حاجاته كلها ويتوافق مع إرهاصاته،فيطرق شؤونا والوانا شتى من دنيا الإبداع وألتعبير،لذا رأينا مبدعنا الكبير حنون مجيد، يُنقّلَ نفسه وإبداعه،حيث شاء له الهوى والجوى، فانتج هذا الكم الوفير والوافر في مجال القصة القصيرة جدا،فضلا عن ألوان السرد الأخرى التي أشرت إليها في صدر حديثي هذا،فقدم لنا مجاميع فياضة بهذا اللون الإبداعي الجميل ( وردة لهذا الفطور) أصدرت في ضمن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق سنة 2009،والتي تقوم قصصها على مفهوم الطباق البلاغي العربي،اوماعرف نقديا بمفهوم التضاد،اردفها بمجموعة ضافية تولى ترجمتها إلى الإنكليزية المترجم الحاذق الأستاذ المتمرس الدكتور عبد الواحد محمد مسلط،الذي زين جيد الثقافة العربية بترجماته الأنيقة الدقيقة،عنوانها( يموتون ثم لا يموت)،لتكون الثالثة مجــــــــــموعة ( حجر غزة) التي أصدرتها دار ( ضفاف) بأمارة الشارقة في سنة 2014،وفي السنة ذاتها تطل علينا وعن دار الجــــــواهري ببغداد مجموعته ( الخيانة العظمى).

وجه وابداع

ولأن المبدع يهدف الوصول إلى القارئ،فقد يمم حنون مجيد وجهه وإبداعه شطر القاهرة،لتصدر عن دار غراب للنشر والتوزيع مجموعته الخامسة ( السنونو) سنة 2017 ،وليصدر في السنة الموالية 2018 ومن الدار عينها (بصيرة البلبل) التي اشتملت على إحدى وعشرين ومئة قصة قصيرة جداً،ففي( البطل) يلتقي السارد بهذا الذي يشل لسانه مرآه،لكنه جرؤ ليسأله: هل صحيح يا سيدي العظيم إنك ماواجهت خصما إلا صرعته؟! ليجيبه: إني ما قابلت شخصا إلا وساعدني على نفسه.

النص هذا هجاء كنائي لهذه الشعوب التي تحيا خارج حركة الحياة،والتي تجهد كي توجد الدكتاتور الأوحد وتتوّجه وتسيّده وتعبده مفوضة أمرها إليه، يأخذها حيث يشاء،ولا ريب إنه سيأخذها نحو الهاوية وهي عنه راضية.وفي ( الصوت الآخر) التي أهداها إلى صديقه وصديقنا الأديب الرهيف العفيف عبد الستار ابراهيم،الذي توارى سراعا عن دنيا ألناس هذه بداية سنة 2017, وفي العنوان،احالة إلى المجلة الأسبوعية التي كان يعمل فيها،واحتجبت عن الصدور في الأول من نيسان 2017 ،عبد الستار ما برح يعاني داءخبيثا استوطن صدره،ظل يقاومه حتى إذا نفد عتاده،رفع ذراعيه قائلا للموت: كفى ها أنا قادم إليك.هذه القصة القصيرة جدا،ستمسي تارخة موجزة ذكية لحياة عبد الستار ابراهيم،وتذكرة به وله.

في ( إحتفال) نحن لانطلق الرصاص في اعراسنا فقط،بل نطلقها حتى لو اعتلى هر قطته،ويالهذه المفارقة المؤسية المضحكة.الروائي يسر ويفرح،اذ يهاتفه صديقه الناقد الذي كان قد أهداه روايته الجديدة؛ فرح بالهاتف ظانا أن صاحبه الناقد،عساه يبدي رأيا في روايته،لكن الناقد بعد لأي وطول حديث يدعوه إلى محاضرة يلقيها عن شكسبير!

مفارقات مؤسية

لقد قهقهت طويلا لهذه المفارقات المؤسية المفجعة،ولهذا المجتمع الذي يمطرك ببذيءالقول،لكنه يشح عليك بالكلمة الطيبة،شح بخيل ضاع في الترب خاتمه! وإنها لضحكة أشد مضاضة من البكا.

مرة،اريت صديقا مجلة فيها مقالة لي،وانا ضنين باطلاع الآخرين على مااكتب،قلب صفحاتها،واذا به يصفر متعجبا مطريا..ظننت أن صفيره إعجابا بالذي كتبت، واذا به يريني مقالا ما كان لي! لقد كانت ( خيبة أدبية). ثم هذا السمين،الذي يقطع ألمحادثة بينهما أحدهم مسلما عليه،ويظل هذا السمين بعد رد السلام ساهما، كأن الأمر لا يعنيه، كأن ما كان يواصل حديثه معه!

وذلك الشيخ في (رجل في الزقاق الضيق) الذي يمطره الاطفال بالحجارة،فيترك كتابه على الأرض لا يلوي على شيء،هو الذي امضى عمره كله بحثا عن حقائق الحياة، فما وجدها بعد هذا العمر الطويل، في القراءة ولا في الحياة!

الزوج في ( صقيع) الذي اكلت عمره السنون وعمرها،يتعرى في غرفة نومه،وزوجته كل في زاوية وركن تغييرا لملابس نومهما،فما أثارته ولا اغراها،بل إبتسامة باردة برودة مشاعرهما باهتة كايامهما يتبادلانها،وتركا الغرفة كل في طريق،هي إلى المطبخ كي تعد الفطور،وهو إلى مكتبته مطالعا جريدته!

اضمامة جميلة ورائعة من القصص القصيرة جدا،بلغتها الراقية الجزلة،التي تعيد للاذهان كتابات أصحاب الأساليب،أوَليس الأسلوب صورة من صور المبدع ونسخة منه؟