الحزب الشيوعي العراقي في ذكرى تأسيسه ماهو التاريخ الحقيقي لتاريخ التأسيس؟

Sunday 3rd of April 2022 09:56:57 PM ,
5158 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

د. مؤيد شاكر الطائي

كان لإعلان جعفر ابو التمن قرار اعتزاله العمل السياسي ونهاية النشاط السياسي لحزبه « الحزب الوطني العراقي» في اوائل تشرين الثاني 1933، اثر خلافه مع حزب الاخاء الوطني بزعامة ياسين الهاشمي وفسخ وثيقة التآخي بينهما، الاثر الكبير في نشاط الماركسيين في العراق.فقد حرم هذا القرار البلاد من حزب قوي معارض للحكومة والوضع القائم.وكان له الأثر الكبير في ازالة الواجهة التي كان ينشط خلفها الماركسيون والمنبر السياسي الذي من الممكن ان يعبروا عن معارضتهم، لذا توجهت جهودهم نحو التقارب فيما بينهم سعيا لايجاد ضالتهم في تكوين تنظيم سري يمارسون فيه نشاطهم السياسي.

شهد عام 1934 مجموعة من اللقاءات، ليس على مستوى ماركسيي بغداد فحسب، وإنما شملت ايضا ماركسيي الجنوب، الامر الذي دفعهم بعد ذلك الى تأسيس» جمعية مكافحة الاستعمار والاستثمار» التي حولت اسمها بعد اشهر قليلة إلى» الحزب الشيوعي العراقي «.

حاول الكثير من المؤرخين والشيوعيين اعتبار تاريخ تأسيس الجمعية هو نفسه تاريخ تأسيس الحزب الشيوعي العراقي، الا ان خلافاً كبيراً في الرأي ظهر بشأن تاريخ تأسيس تلك الجمعية. وقد وجد ان مسألة تحديد تاريخ دقيق للتأسيس يحتاج الى شيء من التفصيل والمناقشة العلمية لهذه الآراء للوصول الى التاريخ الحقيقي على اساس منطقي صحيح.

قبل ذلك ينبغي عرض مجموعة من الحقائق التاريخية المتفق عليها في اقل تقدير، تسهيلا للوصول الى مثل ذلك التأريخ الحقيقي. فالمعروف ان عاصم فليح الذي ترك العراق للدراسة في «جامعة كادحي شعوب الشرق « في موسكو لم يرجع الى العراق الا في 18 اب 1934، وقام بدور كبير في دعوة ماركسيي العراق للاجتماع في بغداد وتأسيس الجمعية، وانتخب سكرتيراً اول لها. والمتفق عليه ايضاً ان فهد، صاحب الدور الاكبر في تعارف ماركسيي بغداد فيما بينهم وربطهم بماركسيي الجنوب، قد غادر العراق في اواخر عام 1934 الى موسكو للدراسة في الجامعة المذكورة، ولم يكن ضمن الهيئة المؤسسة للجمعية. وان قاسم حسن، ابرز الماركسيين المؤسسين لهذه الجمعية اعتقل في تشرين الاول 1934، واودع في سجن الناصرية ثم اطلق سراحه في كانون الثاني 1935. والمتفق عليه ايضاً ان اول نشاط ملحوظ للجمعي

استناداً الى ما تقدم وتبعاً لما اظهره العرض السابق للخلايا الماركسية، يمكن مناقشة ما كتب عن محاولات تحديد تاريخ تأسيس هذه الجمعية. فهناك من اشار الى ان تأسيس الحزب قد تم عام 1927،بينما رجح اخرون عام 1932،مستنداً في ذلك على اعترافات الشيوعيين الذين تم اعتقالهم عام 1947 ومنهم فهد . وجعل عامي 1927 و 1932 عام التأسيس يصعب الأخذ به. فقد سبقت الاشارة الى ان الخلايا الماركسية كانت في هذه الحقبة بعيدة بعضها عن الآخر ولا تعرف احداهما الاخرى على نطاق المدينة الواحدة، كما في خلايا بغداد. ولم يتم التعارف بعد بين ماركسيي بغداد والجنوب. والأمر نفسه ينطبق ايضا على ما اشار اليه المؤرخ العراقي المعروف عبد الرزاق الحسني، لتاريخ تأسيس الحزب، اذ يقول في اثناء حديثه عن موقف وزارة صالح جبر(29 اذار 1947- 27 كانون الثاني 1948) من الاحزاب السياسية «ان الحزب الشيوعي العراقي السري الذي تألف في العراق سنة 1933 اهتبل الفرصة عام 1946 فظهر بأسماء براقة «.

وفي الواقع ان اغلب المؤرخين اجمعوا على القول ان تاريخ تأسيس هذه الجمعية كان في 31 اذار 1934، وهو التاريخ نفسه الذي اكده الشيوعيون واحتفلوا به اول مرة في سجن بعقوبة المركزي عام 1954 وما يزالون. وقد اقرته صحف ومنشورات وكتابات الشيوعيين العراقيين. وبتدقيق بسيط ومقارنة الاحداث بعضها مع بعضها الاخر يمكن اكتشاف الخطأ الذي وقع فيه هؤلاء المؤرخون والشيوعيون الذين جزموا بان تاريخ تأسيس الحزب كان في 31 اذار 1934 على يد عاصم فليح. فكيف تم تأسيس الجمعية في ذلك التاريخ على يد عاصم فليح وهو لم يعد الى العراق من موسكو الا في 18 اب 1934؟. وهناك من رآى ان تأسيس هذه الجمعية كان في عام 1934 دون تحديد دقيق،في حين يرى عزيز سباهي ان التاريخ الصحيح لتأسيس الجمعية كان بين اب وكانون الاول 1934. وحقيقة الامر ان هذه التواريخ تنطبق مع ما جاء على لسان فهد في تقريره الذي القاه امام مؤتمر الحزب التمهيدي عام 1944،الذي جاء فيه بشأن تأسيس الحزب الشيوعي العراقي» ادى نضال الطبقة العاملة العراقية الى تأليف نقابات لها عام 1929 وتأليف حزبها الشيوعي عام 1934». ولهذا التحديد اهمية كبيرة كونه جاء على لسان فهد الذي يعد مؤسس الحزب، وانه جاء في اول مؤتمر للحزب، يصعب ان تطلق الاقوال فيه جزافا.

ان الاختلاف في تحديد تاريخ تأسيس الحزب الشيوعي العراقي، يضعنا امام تساؤلات عديدة، وهي اذا كانت الجمعية قد تأسست قبل مغادرة فهد العراق، لماذا لم يذكر اسمه ضمن الاعضاء المؤسسين؟. ولماذا لم يظهر اي نشاط او بيان لها الا في 11 اذار 1935؟. لماذا هذا السبات لدى الشيوعيين الذي استمر عدة اشهر منذ اب 1934 وحتى اذار 1935 وهم الذين عرفوا بنشاطهم حتى قبل تأسيس هذه الجمعية؟. اما قول فهد، فعلى الرغم من ما فيه من اهمية كما سبق التوضيح، فانه ليس بالضرورة ان يكون قد قصد التأسيس المادي الفعلي للحزب، فربما كان قصده، اللقاءات التي جرت بين ماركسيي بغداد والجنوب، ومنها اللقاء الذي تم في اذار عام 1934 الذي اشير اليه سابقا، واخذ شكل لقاءات تعارف بين هذه الاطراف لم ينتج عنها اي توحيد او اتفاق معين.

يرى ان التاريخ الاكثر قبولا في تأسيس الجمعية ذلك الذي اورده حنا بطاطو وهو 8 اذار 1935 لانه يفسر لنا عدم اشتراك فهد في التأسيس من جهه، وكونه اكثر اتفاقا مع سياق الاحداث التاريخية وبخاصة اقتراب تاريخ التأسيس هذا مع صدور اول بيان باسم الجمعية (11 اذار 1935) من جهة اخرى، ويمنع إثارة اي سؤال بخصوص السبات الذي حل بالشيوعيين منذ اب 1934 وحتى اذار 1935. لا سيما وان العدد الاول من جريدة « كفاح الشعب « السرية الناطقة بلسان الحزب الشيوعي العراقي في اثناء اشارتها الى اسباب فشل الحركات العشائرية في الفرات الاوسط والجنوب اكد « بان فشل هذه الحركات هو عدم انتظامها، بسبب عدم وجود حزب ثوري طبقي متغلغل بين جماهير العمال والفلاحين،وان الحزب المولود حديثا»الحزب الشيوعي العراقي» في طور النمو يحتاج كي يحقق تغلغله هذا عدة سنوات وليس كما هو الحال في شهر او شهرين «.

عن رسالة (الحزب الشيوعي العراقي 1935 ــ 1949)