ظلمه (الرفاق)

Thursday 14th of April 2022 12:49:35 AM ,
5166 (عراقيون)
عراقيون ,

حسين علي يونس

رحيل «طائر الجنوب» وكاتب «نخلة الله». تذكر بعض المواقف، وبعض الجمل، عن رجل مر في هذا العالم، افضل من الحديث عن منجزه الشعري الكبير، الذي يعرفه القاصي والداني وامتد لستة عقود بالتمام والكمال. في النهاية، ما الذي يمكن أن نضيفه لشاعر، مثل حسب الشيخ جعفر.

كان قارة شعرية متنقلة. كتب 13 كتاباً هي خلاصة تجربته الشعرية ونقل لنا الشعر الروسي، في 11 كتاباً هي مختارات ليسينين (الذي كان يجله كثيراً)، اخماتوفا، بلوك، ماياكوفسكي، بوشكين، مارينا تسفيتايفا، رسول حمزاتوف، باسترناك، باشو، ومسترال وجعلهم شائعين كالهواء. كتب عدة كتب بين السيرة والرواية. عاش في بغداد التي تدعى دار السلام، ودفن في مقبرة وادي السلام حيث الراحة الابدية. كان مجاوراً لـ «نخلة الله» واليوم اصبح مجاوراً لقبب الذهب، يظلله حنوّ علي ومنارته الشامخة. ثمة حياة طويلة عاشها حسب المكرود، حسب كلام طهمازي «بين النفاهة والفاقة»، بين البعثية الذين ناصبوه العداء لسنوات طويلة بسبب عدم اختلاطه بهم. حتى انهم منعوا دراسة منجزه لطلبة الماجستير لسنوات طويلة. اتذكر أنّ طالب دكتوراه كان يرغب بدراسة شعره والقصيدة المدورة في نهاية الثمانينات، لكن احدهم منعه وفرض عليه دراسة شعر حميد سعيد بالغ الضحالة. وحين اقترحوا مسابقة للشعر تحمل اسمه بسبب مصداقيته وقربه من الآخرين، لم يقبل الرفاق وعملوا على طمس تلك المسابقة رغم اقرارها.

تعرض حسب الى الكثير من التهميش والتهديد احياناً من قبل مرشد الزبيدي وغيره من بعثية ايام زمان. وعندما قلت قبل اشهر قليلة إن حسب يكاد أن يكون المتن الوحيد للشعر الستيني في العراق بمعية سركون بولص، احتج كثيرون. عموماً، رحل حسب لكن خطواته ستظل تتجول في ذاكرة أزقة مدنه الشعبية ونبرة صوته المنخفضة الخجولة وهو يقول لي «حسين انت بس تجر البيك الاول النخلة ستتحرك لوحدها». ذات يوم جلس على مائدتنا في حديقة اتحاد الادباء، شاعر شعبي كبير فهمس لي: «الشعراء الشعبيين هم يقرون، لو بس يشربون عرق ويتعاركون». فقلت له «ابو نؤاس اعتقد بس يشربون عرق». وبعد دقائق حدثت مشكلة، فسحب هذا الشاعر توثيته وهجم على احدهم، فما كان من ابي نواس الا أن ضحك كثيراً؟ لقد تجسدت كلماته التي اطلقها قبل دقائق معدودات. وعندما نشر فاضل العزاوي كتابه بالغ الاهمية «الروح الحية» الذي وضعه عن الجيل الستيني، لم يقل كلمة واحدة بحق حسب الذي احزنه هذا كثيراً. قال لي بالحرف الواحد إنّ فاضل ظلمه ظلماً مبيناً ولم ينكر أهمية الكتاب كما جرت العادة.